أستغرب جداً ممن يصيح ويقول إنه لم يكن لأهل الكويت قديماً دور في بناء البلد واستقراره وتوسعه، لتصبح الكويت دولة لها دستور حيوي، وشعب واعٍ، ومكانة دولية، ودور إيجابي في منطقتها وفي العالم.
ولقد تحدثت فيما مضى عن دور أهل الكويت في مجالات عديدة، واليوم أتحدث عن دورهم في مجال الوقف، وهو أمر موثق في وثائق كثيرة نظراً لارتباطه بأمور الإرث والشرع.
وقد بحثت في هذا المجال منذ فترة طويلة وأصدرت كتاباً بعنوان «موسوعة الوثائق العدسانية» في عام 2014، وضمنته العديد من وثائق الوقف الكويتي القديم، التي تعكس حب الخير في نفوس أبناء هذا البلد الكريم.
من أوائل الأوقاف في الكويت وقف أسرة العدساني في عام 1782 وفيه وثيقة جميلة ومفصلة، ووقف «الطيري»، وهي أسرة من أسر قبيلة العوازم الكريمة، يعود تاريخه إلى عام 1808م، ووقف العتيقي عام 1834، ووقف المخيزيم عام 1848، ووقف السهلي عام 1870، ووقف الجسار عام 1875، ووقف الزبن عام 1878، ووقف العبدالرزاق عام 1881، وأوقاف أخرى عديدة قبل ذلك وبعد ذلك لا يسعني المجال لتفصيلها.
والوقف قديماً كان يخصص ريعه حسب ما يوصي به المتوفى، فتارة يصرف على تعمير المساجد، وتارة على صيانتها، وتارة على تحفيظ القرآن، وتارة على أعمال الخير عموماً، وتارة على إفطار الصائمين، وما إلى ذلك.
وفي هذا الخصوص أود أن أستعرض بشيء من التفصيل وقف التاجر هلال المطيري، وهو وقف قلَّ أن تجد مثله بحجمه وتفصيله، ففي عام 1917 قبل وفاته بفترة طويلة، قرر هلال أن يوثق وقفاً فاتجه إلى قاضي الكويت وكتب وثيقة أوصى بها أن يخصص عشرون دكاناً تجارياً وبيتان لينفق ريعها في أعمال الخير.
وإليكم شيئاً من نص الوثيقة حرفياً: «السبب الداعي إلى تحرير هذه الأحرف الشرعية هو أن الرجل العاقل الرشيد هلال المطيري أوقف على المسجد الواقع في محلة الرشايدة المسما مسجد هلال عشرين دكان في الصفاة وبيتين واحد منهن بيت سعد ابن دويلة هذا يصير وقف على الإمام الذي يصير في المسجد والبيت الثاني بيت سليمان الخرجي فهو يصير وقف للمؤذن وترتيب وقف الدكاكين»... وباقي التفاصيل موجودة في ثنايا الوصية التي شهد عليها آنذاك أمير الكويت الشيخ جابر بن مبارك الصباح وآخرون.
ولمن يريد أن يطلع على تفاصيل أكثر عن حياة التاجر والسياسي والمحسن هلال المطيري يمكنه أن يرجع إلى الدراسة الوثائقية التي أعدتها أ. فريال الفريح بعنوان «رجل من مهد الذهب».
فهل ننسى دورهم؟! وكيف ننسى دور من قدم أمواله لصيانة المساجد ودفع رواتب الأئمة والمؤذنين والفراشين وغيرهم؟ هل ننسى دورهم؟!