في أغسطس 2014، كتبت مقالة بعنوان (أشم رائحة «البعث» في الكويت) قلت فيها إن كل راغب في الانضمام إلى حزب البعث العراقي يجب أن يمر باختبارات معقدة، لتأكيد صدق نواياه وإخلاصه للحزب ولقائد القيادة القطرية الرئيس المقبور صدام حسين، ومن هذه الاختبارات أن تكون جاسوساً تبلغ عن كل صغيرة وكبيرة تحدث أمامك وعن كل من يطعن في مبادئ الحزب أو الاستهزاء بالمنتمين لهذ الحزب، وطبقاً لهذه المواصفات الواجب توافرها في عضو حزب البعث يستطيع حتى «الكناس»- مع احترامنا لوظيفته- أن يرتقي على سلم الحزب ليكون بعدها قائداً ملهماً لهذا الحزب.

الكاتب العراقي حسن العلوي ذكر ضمن كتابه «العراق... دولة المنظمة السرية» قصة أحد الشباب المنتسبين للحزب حينما دعا صديقه الحزبي إلى بيته، فاستهزأت الأم بالنشاطات الحزبية لابنها أمام صديقه، دون أن تنتبه إلى صديق ابنها المنتمي للحزب أيضاً، ولو امتنع الابن عن إبلاغ رئيسه في الحزب عما بدر من أمه عن الحزب بحضور صديقه الحزبي، فإن صديقه هذا سيقوم بمهمة الإبلاغ قبله فينفذ فيه وفي أمه حكم الإعدام، لهذا أسرع بالإبلاغ عن أمه فأعدمت الأم ونال الابن ترقية حزبية، فالترقيات على سلم التحزب في أي حزب لا علاقة لها بالدرجات العلمية ولا بالخبرة أو الكفاءة، ولا بالعشيرة أو القبيلة أو الطائفة، بقدر ما لها علاقة بدرجة الإخلاص الأعمى للقائد ولمبادئ الحزب، ولهذا ترى غسال سيارات رئيساً حزبياً لحزبي آخر يعمل بروفيسوراً في الجامعة فيأمره «الغسال» ويهينه بأبشع الألفاظ، كما أنه يحق للحزبي أن يقتل من يشاء لمجرد الاشتباه بخيانة المقتول للحزب، والاستيلاء على أموال الآخر إذا ما أبلغ رئيسه كذباً وزوراً عن خيانة هذا «الآخر» للحزب.

Ad

وذكر الأستاذ حسن العلوي في كتابه هذا أنه خلال الفترة من 1975 حتى 1979 كان عضواً في مكتب الإعلام القومي برئاسة صدام حسين، وكان في الوقت نفسه يعمل مديراً للحملة الإعلامية لصدام، وعلى الصفحة 36 من الكتاب ذكر: «صديقي البروفيسور خالد محمد سعيد أستاذ جراحة الدماغ في كلية الطب ببغداد كان عضواً معي في منطقة واحدة، وكان مسؤولنا الحزبي ويدعى عبدالقادر حمادي العاني بائع التذاكر في شركة الباصات الحكومية يضايق الدكتور خالد ويتعمد تكليفه بحمل لافتات القماش وتثبيتها بأماكن خاصة في الساحات العامة احتفالاً بذكرى الثورة، فإذا اعتذر عن ذلك اعتبر متمرداً على أوامر الحزب أو غير منضبط في أحسن الأحوال».

كان هذا حال حزب البعث في العراق، ولا أستبعد أن يكون هذا أيضاً حال الأحزاب السياسية والتنظيمات الدينية المتشددة، التي تنزل منتسبيها على مناصب ووظائف حساسة بالدولة بالباراشوت، لتمرير معاملاتها، وليكونوا أعيناً لها، وموصلين جيدين لحرارة خيانة الآخرين، ولك أن تتخيل حجم الإحباط من الوظيفة عندما يكون رئيسك في العمل غبياً لا يستطيع اتخاذ القرار المناسب في اللحظة المناسبة، وإن اتخذ هذا القرار كان قراراً مخيباً ومدمراً للمؤسسة إن لم يكن مهيناً للدولة بأسرها، ولك أن تتخيل أيضاً ثقل الضيق والنفور من المكان بأسره لا من الوظيفة فقط عندما يكون رئيسك لا يملك الحد الأدنى من الإمكانات العلمية ولا القدر الكافي من الخبرة العملية لتقلد هذا المنصب حتى إن لم يكن هذا المنصب حساساً، لمجرد أنه ينتمي إلى حزب أو قبيلة أو ينتسب إلى طائفة أو عائلة معروفة.

اليوم ومع تقديم الحكومة وبدعم خفي من بعض النواب مشروع قانون الإعلام الجديد، أشعر أن «النَفَسْ البعثي» يكاد يخنق الديره، وكأن أشخاص يحومون حولنا، هم نسخة طبق الأصل من سيئي الذكر علي حسن المجيد وسبعاوي إبراهيم ووطبان التكريتي وغيرهم من الإخوة القتلة... «حسافة عليج يا كويت».