هل ننسى دورهم؟! (17)
• دور أهل الكويت في مجال الوقف (2)
ولكن في كل دول العالم، روّاد في مجالاتهم وفي أزمانهم، تكبُر الأوطان بهم، وتعزُّ بشمائلهم، وتحرص على تخليد ذكراهم في وجدان شعوبهم.
إلى أمثال هؤلاء في مسيرة الكويت، ممن عطّروا جدائلها بأخلاقهم، ورصّعوا عباءتها بمواقفهم، ورسّخوا حرياتها برؤاهم، أكتب هذه الحلقات.
مرة أخرى نعود إلى الوقف الخيري لأهل الكويت، لنؤكد ونوثق عطاءهم الكبير في كويت الماضي من غير منة ولا رغبة في شهرة. الوقف الذي أريد أن أستعرضه اليوم يعود إلى عام 1812 ويتعلق بأسرة السميط الكريمة، وكنت قد كتبت حوله مقالات قليلة في عام 2016، وعام 2018 في هذه الزاوية.
تشير الوثيقة التي كتبها القاضي ياسين بن مصطفى أفندي إلى أن فوزان السميط قرر أن يوقف أرضاً زراعية يملكها في منطقة تسمى «أم النعاج» من توابع مدينة البصرة مساحتها ثلاثة أجربة (جمع جريب وهو ما يعادل 4000 متر مربع تقريباً أو 100 نخلة) وحدد بأن الوقف على مسجد في محلة «المجصة» بمدينة الزبير يسمى مسجد «القصبة»، واشترط أن يكون بيد ولده جاسر والنظارة لأخيه علي.
يقول القاضي ياسين في الوثيقة: «أوقف (أي فوزان السميط) أوقفه الله على بساط القرب، وحبّس، حبّس الله عنه جميع المكاره والرعب، ما هو له وملكه وبيده وتحت حوز تصرفه إلى حين صدور هذا الوقف منه وذالك هو جميع القطعة المزروعة الدجن والأشجار والنخيل التي مساحتها ثلاث اجربة الواقعة بأرض أم النعاج تابعة لمقاطعة السراجي من مضافات البصرة المحمية ينتهي حدها قبلتا النهر وشمالاً قاع اليهودي وشرقاً وجنوباً طريق أم النعاج على جامع القصبة في محلة المجصة إحدى محال بلد سيدنا الزبير بن عبدالله بن العوام رضي الله تعالى عنه».
وبعد أن حدد الواقف أن يكون الوقف بيد ابنه جاسر وأن تكون النظارة لأخيه علي، قام بتقسيم ريع الوقف إلى أربعة أقسام، قسم يصرف على الزيت المستخدم في إضاءة المسجد باستخدام السراج، وقسم يخصص لفرّاش المسجد، وقسم يكون لمؤذن المسجد، والقسم الأخير يصرف على بئر المسجد الذي يستخدمه المصلون للوضوء.
تقول الوثيقة: «ونماء ذالك الوقف المرقوم ربع لأجل دهن سراج يعلق في الجامع وربع الى فرّاش الجامع وربع للمؤذن وربع الى البير بعد مصارف تعمير الوقف». وهذا الجامع المشار إليه في الوثيقة أسسه جاسر بن محمد السميط في عام 1761م ومساحته 500م، ويقع في محلة «المجصة» في قضاء الزبير.
ويمكن أن نشير أيضاً إلى وقف حسين بن حسن العبدالرزاق عام 1881م والذي تم فيه وقف خمسة دكاكين في أعمال الخير، وتم وصفها بدقة في وثيقة شرعية عدسانية نشرتها قبل عدة سنوات. وهناك الكثير من الأوقاف الأخرى التي تشرف اليوم على إدارتها الأمانة العامة للأوقاف ومعظمها أملاك لأهل الكويت قبل فترة النفط وقيمتها الحالية تفوق مئات الملايين من الدنانير ينتفع من ريعها كثير من المحتاجين والمستحقين. فهل ننسى دور مَن قام بالوقف في زمن كان فيه الناس بأمس الحاجة إلى المال؟! هل ننسى دورهم؟!