طلال سلمان والصحافيون اللبنانيون في الكويت
تصادف وجودي في بيروت مع وفاة صاحب جريدة «السفير»، فذهبت مع مجموعة من الأصدقاء من الرعيل الأول للصحيفة ومن بينهم الزميلان أحمد وكمال صفاوي لتقديم واجب العزاء بالمرحوم طلال سلمان، وجدت في الوجوه التي حضرت صورة «السفير» وصورة لبنان الحقيقية، فقد جاؤوا من كل الطوائف والاتجاهات السياسية والحزبية والإعلامية.
رحيل «أبو أحمد» جمعني بزملاء إعلاميين لم ألتق بهم منذ وقت طويل، من بينهم الكاتب جورج سمعان وعارف العبد والكاتبة منى سكرية وساطع نورالدين ومنير الربيع ومحمد بنجك وحسين حميّة وواصف عواضة وديانا سكرتيرة رئيس التحرير، تبادلنا الذكريات عن مرحلة كانت فيها الصحافة اللبنانية «منبراً لكل العرب» وبوفاة صاحب «السفير» بعد 43 سنة من عمرها انطفأت تلك المنارة وانزوت واستراحت في حضن الطوائف والأحزاب والأحياء.
عدت إلى أيام زمان، واسترجعت شريط الذكريات عن أوائل الصحافيين والفنيين والإعلاميين اللبنانيين الذين كانت لهم بصمات ومساهمات عززت مستوى الصحافة الكويتية، ومن بينهم الأستاذ طلال سلمان، يوم جاء الكويت عام 1962 وكانت الصحافة اللبنانية تنافس الصحافة المصرية وتنمو في الحاضنة الكبرى بيروت كناشرة كتب وموزعة صحف وبائعة في أجواء من الحريات افتقدتها غالبية العواصم العربية.
قبل بدء صدور الصحف اليومية عام 1961 وأثناء مرحلة الاستقلال لدولة الكويت نشرت دائرة المطبوعات إعلاناً لمسابقة اختيار أحسن اسم لمجلة ستصدر قريبا، ورد إليها 162 اسماً اختارت اللجنة اقتراح اللبناني، نبيل حليم دكاش، وهو اسم «العربي».
سبق ذلك حضور شخصية لبنانية لتتولى إدارة مطبعة حكومة الكويت، وهو أحمد مصباح منيمنة، الذي تعاقدت معه دائرة الإرشاد والأنباء لخبرته الطويلة في المطابع اللبنانية، جاءها عام 1956 واستمر فيها سنوات.
صدور «الرأي العام» 16/ 4/1961 لصاحبها عبدالعزيز المساعيد، جاء بعد أن تعاقد مع الصحافي اللبناني عبدالله شعيتو، كانت الصحيفة تحرر في الكويت وتطبع في بيروت بمطابع «الهدف» التي يملكها نقيب الصحافة اللبنانية زهير عسيران، وبقيت على هذه الحال أربعة أشهر، ثم استعان المساعيد بطلال سلمان وقاسم أفيوني (أبوالخير) وزوجته أم الخير، وإلياس عبود، وهذا الفريق كان بقيادة عبدالله شعيتو، تبعهم سمير عطاالله، وأصدروا مجلة «دنيا العروبة» بتاريخ 19 يناير 1963، وانضم إليهم أسعد الصابونجي وحسين حمية وأحمد البوز، وبعد ستة أشهر من صدور «دنيا العروبة» عاد فجأة طلال سلمان إلى بيروت واستمرت «الرأي العام» مع «دنيا العروبة» دون منافس لها، ثم تبدلت الأدوار والأحوال بعد صدور «السياسة» عام 1968 لصاحبها أحمد الجارالله وجاءت مجموعة ثانية من الصحافيين أمثال، هدى المر وإلياس منصور، وعندما صدرت «السياسة» كانت تطبع في «مطبعة مقهوي» وكان فيها جورج مجاعص الذي وصل الكويت عام 1962 ثم استقال بعد سنوات ليؤسس مجموعة «فور فيلمز» للطباعة.
هذه التجربة مثلت ثقة الكويتيين في كفاءة وقدرة الصحافيين اللبنانيين الذين حملوا الأمانة بمهنية عالية وحرفية مشهود لها، لتصدر «القبس» عام 1972 ويتولى إدارة التحرير فيها رؤوف شحوري والإدارة العامة ذو الفقار قبيسي.
ومع بداية السبعينيات استقطبت الصحافة الكويتية التي زادت إلى خمس صحف تصدر باللغة العربية عدداً لا بأس به من الصحافيين اللبنانيين أمثال، جميل رسلان مدير تحرير «أخبار الكويت» وسالم عبدالباقي مدير تحرير «مجلة الرسالة»، وسليمان فليحان «صحيفة الوطن»، ثم سمير عطاالله الذي عاد ثانية إلى الكويت ليتولى مهمة مدير تحرير «الأنباء»، ووفائي دياب ورفلة خرياطي وعبدالكريم بيروتي وخليل بيضون وأحمد طقشة وبشارة شربل وعلي الرز وطارق ماضي وسعد محيو وآخرين، وآخرين لم تسعفني الذاكرة لذكر أسمائهم.
وعلى الطرف الآخر من معادلة الإنتاج الصحافي، كان هناك من الفنيين أحمد صفاوي وجورج سعد وصاحب مكتبة الكويت أحمد حيدر ومؤسسها علي فارس إضافة إلى أصحاب شركات دعاية وإعلان لهم باع طويل في هذه المهنة، وآخرون تولوا مناصب مهمة في وزارة الإعلام والتلفزيون والإذاعة ووكالة الأنباء الكويتية «كونا».
محطات يطول الحديث فيها، خصصت لها فصل كامل في كتابي الذي سيصدر لاحقاً عن تاريخ العلاقات الكويتية– اللبنانية، وأستذكر بالمناسبة الحديث الذي دار بيني وبين صاحب جريدة «السفير» يوم استأذنته للمجيء إلى الكويت أوائل عام 1976، وراح يحدثني عن تجربته القصيرة في دار «الرأي العام» ووصيته لي بألا تطول الغيبة؟ وبدلاً من الستة أشهر كما كان مخططاً لها، استمرت 47 سنة أمضيتها في هذا البلد الحبيب بين إخوة وأهل وزملاء وأصدقاء، صارت جزءاً طويلاً من عمري وعملي يزيد عما قضيته في وطني لبنان.