جاءت دعوة الشيخ عبدالله السالم وإصداره مرسوماً أميرياً بعد شهرين من الاستقلال؛ لتترجم أقواله إلى أفعال؛ حيث ورد فيها: «نحن عبدالله السالم الصباح أمير دولة الكويت؛ رغبةً منا في إقامة نظام الحكم على أسس واضحة، وتمهيداً لإصدار دستور للبلاد يستمد أحكامه من ظروفها، ويستند إلى المبادئ الديموقراطية، ويستهدف رفاهية الشعب وخيره، رسمنا ما هو آتٍ:

المادة الأولى: تؤلف هيئة التنظيم من الآتية أسماؤهم: حمد صالح الحميضي، ومشعان عبدالرحمن الخضير، وحمد عبدالمحسن المشاري، ومحمد يوسف النصف، وحمود الزيد الخالد، ونصف يوسف النصف، وخالد سليمان العدساني، ويوسف إبراهيم الغانم، وعبدالحميد الصانع، ويوسف عبدالعزيز الفليج، وعبدالعزيز حمد الصقر.

المادة الثانية: يتكون من أعضاء المجلس الأعلى، وأعضاء هيئة التنظيم السالف ذكرهم مجلس مشترك يتولى إلى جانب الأعمال التي يقوم بها في الوقت الحاضر، وضع مشروع قانون لانتخاب أعضاء المجلس التأسيسي الذي يتولى عند تأليفه إعداد دستور البلاد».
Ad


وتم الاتفاق بين هيئة التنظيم وأعضاء المجلس الأعلى، الذي أخذ يطلق عليه تسمية «المجلس المشترك في عام 1961»، بعد اختلاف في وجهات النظر، على تقسيم الكويت إلى 10 دوائر انتخابية، تنتخب كل دائرة نائبين عنها للمجلس في اقتراع سري مباشر، وحدد القانون بعض الشروط للمرشح، منها أن يجيد قراءة اللغة العربية وكتابتها، وألا يقل عمره عن ثلاثين عاماً، وأن يستمر المجلس ويكون قائماً كما ورد في النص مدة عام واحد من تاريخ إعلان نتائج الانتخابات، ما لم يقرر الدستور الذي سيضعه المجلس التأسيسي غير ذلك. وبالفعل وكلت إليه مهمة التحضير لوضع الأسس الإصلاحية للبلاد، والإعداد للاستقلال المرتقب.

وجرت انتخابات المجلس التأسيسي في 30 ديسمبر 1961، وخاضها 73 مرشحاً، وبلغ عدد الفائزين بها 16 نائباً.

وبعد الاطلاع على أسماء الفائزين، تبين أن المجلس مثله أغلب فئات المجتمع الكويتي، وأن الشيعة شاركوا للمرة الأولى في تاريخ الكويت بمجلس استشاري؛ لأن المجالس التشريعية السابقة كانت تخلو من هذا التمثيل، وكانت مقتصرة على النخبة التجارية فقط، وهو ما أعطى من دون شك هيبة وقوة للمجلس، وأكد الانفتاح الذي شهدته الكويت إبان تولي الشيخ عبدالله السالم حكم البلاد.


وكان الهدف من انتخاب المجلس التأسيسيّ محصوراً في أمرين:

الأوّل: وضع دستور للكويت خلال عام، على ألّا يتأخر عن يناير 1963.

الثاني: القيام بمهام المجلس النيابيّ في وضع القوانين والتشريعات.

وفي 6 سبتمبر 1961 صدر القانون رقم 1961/20 المتضمّن نظام انتخاب المجلس التأسيسيّ، وأجريت الانتخابات على إثر ذلك.

وأصدر الأمير مرسوماً لتشكيل أول وزارة من أربعة عشر وزيراً وفقاً للمرسوم رقم 1962/2 في 17 يناير 1962م، وتمَّ اختيار ثلاثة من الأعضاء المنتخبين للوزارة، هم: حمود الزيد الخالد وزيراً للعدل، وعبدالعزيز حمد الصقر وزيراً للصحة، ومحمد يوسف النصف وزيراً للشؤون الاجتماعية والعمل. أمّا باقي الوزراء فقد كانوا من أبناء الأسرة الحاكمة؛ وهم: صباح السالم وليّ العهد رئيساً لمجلس الوزراء، وجابر الأحمد، وجابر العلي، وخالد العبدالله السالم، وسالم العلي، وسعد العبدالله السالم، وصباح الأحمد، وعبدالله الجابر، ومبارك الحمد، ومبارك عبدالله الأحمد، ومحمد الأحمد. وبذلك تكون الانتخابات قد أسفرت عن فوز 20 عضواً منتخباً من قبل الشعب، وأضيف إليهم 11 عضواً، هم الوزراء من أبناء الأسرة الحاكمة؛ ليصبح عدد أعضاء المجلس التأسيسي 31 عضواً، يمكن تقسيمهم إلى أبناء الأسرة، والتجار، وبعض القوى الأخرى.

وعلى الرغم من أن عبدالعزيز الصقر لم يكن من ذوي الاختصاص الطبي أو الصحي، فإنه قَبِلَ التحدي، وواكب كل ما يستجد ويخدم في هذا المجال، كما سنرى لاحقاً. ولم يمنع اختيار عضو المجلس التأسيسي الفائز بالانتخابات، وزيراً للصحة في الحكومة الأولى بعد الاستقلال، أن يكون له دور ورأي في دور انعقاد هذا المجلس، فقد كانت خبرته الاقتصادية حاضرة رغم كونه وزيراً، إذ نراه يناقش ويبدي رأيه فيما يخص القضايا الوطنية، التي لم يغفل عنها أبداً. ولعل من المناسب التطرق لما جاء في المحاضر من بعض العوامل الاقتصادية، والصحية، والخدمية، التي شكلت منعطفاً كبيراً في جلسات المجلس، وقد أتاح المجلس التأسيسي دوراً كبيراً لممارسة السلطة التشريعية لدورها، كما قرر بعض الأدوات الرقابية على السلطة التنفيذية.

عبدالعزيز حمد الصقر رئيس مجلس الأمة الكويتي عام 1963م


وقد كشف لنا تسلسل الجلسات وتتابعها، ومناقشة نصوص القوانين وتنظيمها مدى فعالية الصقر، عضو المجلس، فقد كان يدلي بصوته، وسجلت له المحاضر حضوره المميز، ومواقفه، وموافقاته على عدد من القوانين، التي يبدو أنها كانت سابقة لذلك الزمان، ومنها قانون براءة الاختراع، والرسوم والنماذج الصناعية. ورافق مرحلة ما بعد الاستقلال استحقاقات في الجانب الاقتصادي والتجاري؛ وكان ذلك يقتضي تعديل بعض بنود قانون التجارة الكويتي بما يتوافق مع هذه المرحلة الجديدة، وكذلك فيما يخص الشقين الاقتصادي والتجاري، فقد عقد المجلس التأسيسي بتاريخ 17 يوليو 1962 جلسته الخامسة عشرة التي كان من ضمن جدول أعمالها مناقشة موضوع تعديل بعض أحكام القانون رقم (24) لسنة 1960، المتعلق بعمل شركات التأمين في الكويت، وقد واجهت هذه الجلسة عدم اكتمال النصاب القانوني لأعضاء لجنة الشؤون التشريعية؛ ولذلك قرر رئيس المجلس عبداللطيف محمد ثنيان الغانم تكليف النواب: محمد رفيع معرفي، وأحمد خالد الفوزان، ويوسف خالد المخلد المطيري، إضافة إلى عضو اللجنة التشريعية علي ثنيان صالح الأذينة؛ القيام بمهمة عرض تعديل قانون شركات التأمين. وفي مداخلة الوزير الصقر أكّد أن مشروع القانون سبقت دراسته من قبل غرفة تجارة وصناعة الكويت، إلا أن الجلسة حدث فيها خلاف بالرأي فيما يتعلق بتعديل المادة السابعة من القانون التي جاء فيها: «يجب على كل شركة تأمين أن تودع في أحد البنوك الكويتية، أو في فرع أجنبي موجود في الكويت وديعة كضمان لقيامها بالتزاماتها، وتقدّر هذه الوديعة بالآتي:

1 - خمسة وأربعين ألف دينار كويتي من أعمال التأمين على الحياة، وضمان رؤوس الأموال والتأمين بالأقساط، أو أحدها.

2 - عشرين ألف دينار كويتي عن كل نوع من أنواع التأمين الأخرى، بحيث لا يزيد المجموع عن خمسة وأربعين ألف دينار كويتي، عدا المبلغ المنصوص عليه في البند (1) من هذه المادة».

وبعد موافقة أعضاء لجنة الشؤون التشريعية على تعديل المادة السابعة من القانون، طالب العضو محمد حسين معرفي بزيادة مبلغ وديعة شركات التأمين في البنوك بمقدار (135) ألف دينار كويتي، وأيده في ذلك الوزير الصقر، الذي كانت وجهة نظره أن الغاية من شركات التأمين حفظ حقوق المواطنين؛ مبيناً في الوقت نفسه أن المبلغ المودع للتأمين قبل تعديل القانون يقدر بـ (90) ألف دينار، بينما أصبح بموجب التعديل الجديد لا يزيد على (45) ألفاً.

وانطلاقاً من مبدأ الانتقال والتحول الذي صاحب الكويت عشية الانتقال من مرحلة ما قبل الاستقلال إلى ما بعده، تحولت دائرة الصحة، وكان هذا مسماها قبل الاستقلال، إلى وزارة الصحة بعده، وكان وزيرها الأول هو عبدالعزيز الصقر، وتعد من الوزارات الخدمية التي يجب أن توفر الرعاية والاهتمام لأبناء الوطن، مع وجود أحدث الأجهزة، والكوادر الفنية، واستيراد كل ما يلزم للعمل من أجهزة ومعدات؛ لتأسيس منظومة صحية مترابطة قادرة على مواجهة وتحمل أعبائها، والقيام بمهامها ودورها على أكمل وجه؛ لذا كان تأسيس المراكز الصحية، وإصدار القوانين الناظمة للعمل على أحدث نسق.

وبحضور وزير الصحة تم افتتاح مستشفى الصباح في 20 يونيو 1962م، الذي يعد من أهم أعمال وزارة الصحة الكويتية، وأكبر صرح طبي على مستوى منطقة الخليج العربي بشكل عام، وقامت «الصحة» بتنسيق الرعاية الصحية، وتقديم خدماتها عبر المستوصفات والمستشفيات الموجودة على أرض الكويت.

المستشفى الأميري


وقدّم الوزير الصقر تقريراً مفصلاً عن طبيعة خطة الوزارة فيما يخص توسيع نطاق الخدمات لتشمل مناطق الكويت جميعها في ضوء التوسع العمراني، الذي كانت تشهده البلاد في ذلك الوقت. وعلى الرغم من مشاغله الكثيرة بصفته وزيراً للصحة، فإن الحس الاقتصادي والتجاري لم يغب عنه، حيث أدلى بدلوه في محاضر المجلس التأسيسي، التي تثبت مناقشته في الجلسة الثامنة بتاريخ 27 مارس 1962م شكوى مقدمة من بعض أصحاب المحلات التجارية في الكويت بشأن غلاء الإيجارات في شارع فهد السالم، وسوق واجف.

وكان من المفترض منه وهو وزير للصحة، أن يمثل الجانب الحكومي، غير أن مداخلته عبرت عن حس وطني عالٍ، إذ قال: «أي تدخل من مجلس الوزراء بشأن تحديد الإيجارات، يعني تناقضاً كلياً مع مبدأ التجارة الحرة في الكويت»، في موقف يبرز دور الصقر عضواً لا وزيراً.

ونلاحظ ذلك في الجلسة المنعقدة في 3 أبريل 1962م عند الحديث عن إيصال الكهرباء لبعض قرى الكويت، وكانت ملاحظته بشأن تنظيم القرى، إذ أشار إلى أن الهدف ينبغي ألا يقتصر على تعبيد الطرق، وفتح الشوارع، وإيصال الكهرباء، بل يتعداه ليشمل فتح المدارس، والمستوصفات، ومراكز الشرطة، وما شابه ذلك من خدمات ضرورية وأساسية تخدم سكان تلك القرى.

رئاسة مجلس الأمة 1963

بدأت انتخابات مجلس الأمة في 23 يناير 1963م، وبلغ عدد المرشحين لها 197 مرشحاً في انتخابات حرة نزيهة؛ لاختيار 50 عضواً يمثلون الشعب الكويتي، وافتتح أمير الكويت الشيخ عبدالله السالم الجلسة الافتتاحية التي عقدت في 29 يناير 1963، وأوضح في كلمته التي ألقاها لمحة عن السياسة العامة التي ستسير عليها الكويت، متضمنة المستويين الداخلي والخارجي، وأبدى حرصه على كل ما يمكن أن ينهض بالكويت في شتى المجالات، كما أكّد الدعم الكامل للإخوة والأشقاء من المحيط إلى الخليج، والسعي الحثيث، وبذل كل مجهود لحل القضية الفلسطينية.

وتم انتخاب رئيس مجلس الأمة ونائبه في الجلسة ذاتها، ولما لم يكن هناك مرشح لرئاسة المجلس سوى عبدالعزيز حمد الصقر؛ فقد تم اختياره بالتزكية، بينما نافس على منصب نائب الرئيس كل من جاسم القطامي، وسعود العبدالرزاق، وقد حظي الأخير به.

وناقش هذا المجلس برئاسة الصقر جملة من القوانين المتعلقة بكل من القطاعين الحكومي والخاص، وناقش كذلك عدداً من المواضيع، مثل دعم النقابات، وتحسين المستوى المعيشي، والخدمي في الكويت.

وتظهر الوثائق أن مجلس الأمة في ظلّ رئاسة الصقر كان يمثل دوراً رائداً عربياً وقومياً، ويحسب له شخصيًّا، أنه عندما تم الاعتداء البريطاني على اليمن انفرد مجلس الأمة عن مجلس الوزراء في إعلان الاستنكار، بوصفه سلطة تشريعية تمثل إرادة الشعب الكويتي، وبالتالي تسجيله هذا الموقف القومي تجاه شعب عربي.

وكانت مواقف مجلس الأمة تترجم إلى أفعال وقرارات، فموضوع إقراض الجزائر عام 1963 عشرة ملايين دينار كويتي لإعادة بنائها، وتمويل مشاريعها، يعدّ بادرة أخوية طيبة، وتم التصويت عليه بموافقة جميع أعضاء المجلس، في دليل واضح على إيمان المجلس بالقضايا العربية، كما ذهب المجلس إلى المطالبة بإصدار بيان يدين انتهاكات فرنسا في الجزائر، ومنها استخدام صحرائها للتجارب النووية، ووافق الأعضاء بالإجماع على ذلك أيضاً.

ويحسب للمجلس كذلك دوره في دعم إمارات الساحل المتصالح من خلال المساعدات التي كان لها حضور في محاضر جلسات المجلس برئاسة الصقر؛ حيث نوقشت أسباب عزل الشيخ صقر بن سلطان القاسمي حاكم إمارة الشارقة في 24 يونيو 1964 بسبب قبوله المساعدات الكويتية، حيث كانت بريطانيا قلقة من المد القومي الذي يجتاح الخليج العربي، فعزلته من منصبه.