حرب الشوارع
قد تكون الفاجعة المرورية الأخيرة فرصة لطرح هذه القضية بجديّة وشمولية تتجاوز تعاطينا المؤسف مع هذه القضية بعينها مجتمعياً وإعلامياً وسياسياً، فحرب الشوارع تحصد سنوياً أكثر من 400 قتيل في الكويت، وهي حصيلة حوادث مرورية بلغ عددها السنوي 68.000 حادث في العام الماضي، بمتوسط 186 حادثاً يومياً!
هذه الأرقام المرعبة تكشف حجم المأساة والمخاطر التي نعيشها كل يوم، والحاجة إلى مواجهتها بعقلية مدنية لا أمنية، وأتساءل بهذا الشأن: هل يتم تفريغ وتحليل بيانات الحوادث التي تعتبر كنزاً إدارياً ثميناً لو أُحسن التعامل معه، رصداً لمواطن الخلل من زوايا عدة؟ يقيناً نُجيبُ بالنفي.
السؤال الأول عن مدى جدية ومستوى اختبارات رُخص القيادة بالمقارنة مع العالم المتحضر، ونسب النجاح والرسوب، أذكر بهذا الشأن أنّي حصلت على رخصة القيادة من ولاية مونتانا الأميركية في التسعينيات، وكان الاختبار شديد الصعوبة بشقيّه النظري والعملي، كان «النظري» منه أشبه باختبار جامعي، إذ تم تسليمنا صحيفة ورقية مكونة من عشرات الصفحات تتضمن القواعد والأنظمة كافة، لتتم دراستها لمدة أسبوع قبل تقديم الاختبار النظري، مع تضمّن تلك الصحيفة تحليلاً وأخباراً عن الحوادث المرورية بُغية تنبيه المتقدم لخطورة الشارع، وبعد النجاح في الاختبار النظري يتم التأهيل لـ «العملي» بموعد لاحق، فهل اطّلعت القيادات على هذا النموذج وغيره من النماذج العالمية؟ هل تنتابهم الرغبة أساساً في التطوير، مثل رغبتهم في التصوير والتكسّب الإعلامي؟ للإجابة علينا أن نعقد مقارنة خاطفة بين الموقع الإلكتروني للتقديم على الرخصة في الكويت (1)، ونظيره البريطاني (2) لمعرفة الفرق!
والسؤال الثاني عن دور العدد الهائل من سيارات الشرطة في الكويت، والتي يتجاوز عددها 5.000 سيارة (3 أضعاف سيارات الشرطة البريطانية بالمقارنة مع عدد السكان) في رصد ومنع التجاوزات التي نراها يومياً بكل صورها وأشكالها، صغيرة كانت أم كبيرة بدون أي رادع، بدءاً من الوقوف في الأماكن الممنوعة، الذي أضحى سلوكاً شديد الاعتياد، مروراً بالاستهتار أثناء القيادة عبر استخدام الهاتف، والتنقّل المفاجئ بين الحارات، مع «انعدام» استخدام إشارات الانعطاف المخصصة لهذا الغرض، ولا ضير أن تجرّب عزيزي القارئ القيادة في الحارة اليسرى بالسرعة القانونية القصوى، لتواجهَ، خلال ثوانٍ معدودات، احتمال الانتقال إلى جوار ربك، إن لم تُفسح الطريق لمن يلتصق بك من الخلف، مستخدماً في سبيل إزاحتك من طريقه ومن الدنيا كل الأسلحة الضوئية والصوتية الفتّاكة.
أسئلة أخرى عديدة عن جدوى المطالبة بتشديد العقوبات وتغليظها، وسَنّ الجديد منها، في منظومة لا تطبّق القوانين أساساً على المخالفين الذين يزدادون كل يوم؟ وعن سوء استخدام وزارة الداخلية لوسائل التواصل الاجتماعي الحديثة باستخدامها لبثّ البيانات التقليدية وترقيات منتسبيها (وتسريب تصوير الحادث!)، بدلاً من استغلالها للتوعية المرورية بحملات مؤثرة ومعاصرة (رحم الله أيام برنامج سلامتك)، وددت أن أسدي اقتراحاً بدراسة النموذج الألماني بتأسيس وتفعيل الشرطة المدنية الفعّالة Zivilstreife، والتي تعمل جنباً إلى جنب مع الجهات الرسمية، مستفيدين من التكنولوجيا الحديثة، التي تجعلهم يخالفون حتى سيارات الشرطة لو ارتكبت المخالفات، ليكون المواطنون الصالحون شركاء حقيقيين في الحفاظ على النظام المروري وغيره في الأماكن التي لا تطولها عين الشرطة، ولكن، أترك لخيالكم التفكير بمصير هذا الاقتراح في حال تكويته.