هل انتهت دولة المؤسسات؟
دوامة هدم مؤسسات الدولة ومؤسسيتها مستمرة بشكل مخيف ويثير الريبة، ودخلت مراحل متقدمة على جميع المستويات، بما يوجب غضباً عارماً وتعليقاً فورياً للجرس قبل فوات الأوان، فقد قامت حكومة الشيخ أحمد النواف الحالية بالتراجع عن أهم ركائز برنامجها السياسي وإصلاحاته الجوهرية للحفاظ على مؤسسية الدولة، حيث حُذِف من برنامجها إنشاء جهاز السياسات العامة وعُطلت المجالس العليا، وألغيت إجراءات تنصيب القياديين ومعاييرها واستبدلت بلجنة وزارية من ثلاثة وزراء للتحلل من أي التزام، وهو ما يعني تقنيناً للتعيين الباراشوتي والواسطة والمحسوبية. ولعله من المناسب أن نذكر الأخ رئيس مجلس الأمة بخطابه في المجلس وأسئلته - والتي ربما نختلف مع الكثير من أطروحاتها - لكننا نتفق معه بشأن بعضها، ومنها إشارته إلى مقولة رئيس الوزراء الأسبق، الذي ذكر أن الكفاءة لم تكن معياراً لاختيار القياديين في وزارات الدولة ومؤسساتها بل الواسطة.
بل إن الخطوات التي تتخذها الحكومة في محاولة تكبيل الحريات عبر مشروع قانون الإعلام وبمناقصة الجهاز الوطني لتكنولوجيا المعلومات، وحذف إنشاء الهيئة العامة للجنسية وعدم تبنيها في برنامجها الحالي، وكذلك حذف برامج الإصلاح السياسي والديموقراطي والنظام الانتخابي تؤكد التوجه المخيف للحكومة.
ويبدو أننا نتجه إلى مركزية في الحكومة وتركز في الصلاحيات التنفيذية وتداخل بينها يعتمد اقتسامها على أساس القوة والسطوة والنفوذ، لا على أساس الدستور والقانون والإطار المؤسسي للحكومة، وهو ما فتح جزءاً من جوانبه عضو مجلس الأمة السيد مهلهل المضف مشكوراً، ويضاف إلى ذلك العودة للفكر الذي يهدم ويهدر المواد 123 و128 و130 من الدستور بحيث يصبح الوزير حراً بالتصرف في شؤون وزارته، ولا يتقيد لا هو ولا الحكومة بمؤسسية مجلس الوزراء وبالمواد الدستورية بشكل عام وبالمواد المشار إليها تحديداً.
ومما يزيد الأمر توجساً التحالف النيابي العريض الذي يسعى إلى تمرير مشروعات وتوجهات المرحلة الحالية، وهو تحالف هجين ومريب بين أصحاب رأي وتوجهات إصلاحية سابقين، وبين منتفعين، وبين قناصي الفرص، وبين العطاش من الأعضاء الذين يسيل لعابهم أمام إغراءات المال والمناصب والمناقصات والتراخيص، بل وحتى الجدد من الأعضاء.
ومما يثير الريبة الخط الموازي الذي يسير به نواب في ذلك التحالف لتعطيل وتعويق بل وإلغاء العمل المؤسسي بالدولة، فمراجعة عدد كبير من الأسئلة البرلمانية والاقتراحات والاقتراحات بقوانين، والتصريحات النيابية تعطيك قراءة مسبقة لتلك التوجهات! الأمر الذي نثير معه: هل هذا ما أراده الآباء المؤسسون؟! وهل هذا الذي كنا نتطلع أن تحققه ديموقراطيتنا؟! وسبق أن قلت إن العبث بالنظام الانتخابي من قبل الأعضاء منذ ثلاثين عاماً كان غايته أن يفلت العضو من نظام يحكمه ويعدل مساره البرلماني والسياسي، وها نحن نرى نتائجه واستكمال حلقاته فيما يسعى إليه من تحصين للأعضاء وعدم مساءلتهم، بعد أن حصنوا عضويتهم من الطعن القضائي بشكل مخالف للدستور، وللأسف فإن منهم من لا يزال يتحدث باسم الدستور وحمايته، وهو أول منتهكيه والمتجاوزين على أحكامه!
وسنرى أن الأيام المقبلة تخبئ لنا تفكيكاً آخر لمؤسسات الدولة وإجهاض الناجح منها وتسخير سيادتها ومؤسساتها ومقدراتها للحفاظ على المناصب أو للقفز لأعلى ما فيها، من خلال بيع الدولة ومؤسسيتها وكل مقدراتها.
فإذا كان االكويتيون المخلصون سيستمرون «قوم مكاري»، ولا يقومون بواجب النصح والنقد والتقويم، فعلى دولة المؤسسات والدستور السلام.