نظمت «تكوين»، في مقرها، محاضرة بعنوان «لماذا تُكتب الرواية التاريخية؟»، للروائي حمود الشايجي، حضرها جمع من المثقفين.

وقال الشايجي: «نحن أمة محكوم عليها بالتاريخ، فنحن لا نزال نحب ونكره لأسباب تاريخية، لا نزال نحزن ونفرح لأسباب تاريخية، نحن لا نزال نكيد لبعضنا البعض لأسباب تاريخية، لذلك التاريخ لدينا مقدس، والاقتراب منه خطير بل خطير جدا، يمكن أن يواجه أحدنا الموت إذا ما أخطأ فيه أو إذا قال فيه عكس ما هو سائد ومتعارف عليه، ولأننا نهمل الحاضر ونحكم على الأمور فيه على أساس الأصول والسلفية، صار ولابد أن نُقيم من سلف عسى أن نرى ما يفعله بحاضرنا ومستقبلنا إن كان حقا أم باطلا، أم لاحقا ولا باطل».

Ad

وسأل الشايجي: «يبقى السؤال المهم هنا... كيف نستطيع تقييم هذا التاريخ؟ خصوصا إن كانت الكتابات التاريخية لا تتيح هذا الأمر أحيانا، لكونها تعتمد على الأسلوب السلطوي، الذي لا يفسح للخيال أي مساحة للتحليل، فعلى الكاتب التاريخي أن يعتمد ما هو صلب وثابت ومثبت بالوثائق، والكتب التي ما كتبها إلا المنتصر، والذي هو من الأساس أهمل جميع الحقائق وأبقى على حقيقة وحيدة هي الحقيقة التي أراد أن يرويها لنا...؟ الإجابة هي عن طريق تفكيك التاريخ بالخيال وإعادة تركيبه، ومن هنا جاءت الحاجة إلى الرواية التاريخية لإعادة تفكيك مركب التاريخ إلى عناصره الأولية، وأخذ كل عنصر على حدة لتحليله وتقييمه».

وأضاف أن المؤرخ وروائي الرواية التاريخية يشترك في قراءة وكشف بعض الأحداث، لكن هناك اختلاف كبير من المنطلقات التي ينطلق منها الاثنان، والسؤال المهم: كيف علينا أن نفرق بين منطلقات الروائي والمؤرخ لنفس الحدث التاريخي، فالمؤرخ دائما ينطلق من سؤال: ماذا؟ أما الروائي فينطلق من سؤال: كيف؟، وبين السؤالين فارق كبير في وجهة النظر لنفس الحدث أو الشخصية التاريخية، مبينا أن رحلة الرواية، أيا كانت تاريخية أو معاصرة، تبدأ من نقطة انطلاق في الأغلب تلبي حاجة في داخل الروائي، فهو لا يعمل على نص لمدة طويلة ويستهلك سنوات من البحث والكتابة في عمل إلا ليلبي عنده حاجة تشغله أو تمسه.

الشخصية التاريخية

وتابع الشايجي: «يستند الروائي في تحليل التاريخ إلى عناصره الأولية، أي يعيد تفكيك السردية التاريخية، ويبدأ يختبر كل عنصر على حدة، ويبدأ يخلق مساره الخاص، من خلال هذا المسار الخاص الذي يتبع الشروط التاريخية يستطيع الروائي ومن ثم القارئ أن يرى الشخصية المختارة أو الحدث التاريخي من عين مختلفة غير المذكورة في كتب التاريخ، وبعد هذه الخطوة يبدأ الروائي البحث عن التفاصيل الصغيرة في العصر الذي أراد الكتابة عنه، ويبحث في روائح الطعام، والحياة اليومية للإنسان الطبيعي في ذلك العصر، والملابس، وغيرها من التفاصيل التي تمكن الروائي من أن يستخدمها لخلق عالمه الروائي».

الحدث الروائي

وأردف الشايجي: «أما إذا أردنا التركيز على موضوع الشخصية التاريخية، وكيف تصنع، فإن أساساتها لا تختلف عن الشخصية المذكورة في الكتب التاريخية إلا أنها أكثر إنسانية، فهذه الشخصية تتحرك في مساحات في الأغلب تغفلها عمدا كتب التاريخ، فيتم وصف مشاعر الشخصية، طريقة حركتها، اسلوبها في الحديث، بماذا تتعطر، ماذا تأكل، وكل تفصيل يذكر يجب أن يكون له مدلول درامي في تحريك الحدث الروائي، وهذا ما يجعل الشخصية التاريخية في الرواية أقرب للقارئ من لو كانت في كتب التاريخ».

واستدرك: «من هنا نجد أن التحدي الأكبر للروائي هو الاختيار بين أمرين رئيسيين الحقيقة التاريخية حسب الوثائق والمراجع، والخيال الروائي الذي هو أساس الكتابة الروائية، أما بالنسبة لي إذا خيرت بين هذين الخيارين اخترت الخيار الذي يكون أكثر درامية للنص، وما يفيد النص أكثر، ومن هنا تأتي أهمية الرواية التاريخية لأنها تقوم ليس على إعادة كتابة التاريخ بطريقة روائية فحسب بل قد تستطيع أن تقول ما لا يقوله التاريخ، وهنا تكمن قوة الرواية التاريخية في أنها تستطيع أن تقول ما لا تقوله كتب التاريخ، ولهذا السبب تُكتب الرواية التاريخية».

وأضاف: «إذا كان يقال إن أجمل الشعر أكذبه فإن أجمل الروايات التاريخية تلك التي تكذب عليك وتصدقها»، وكشف أنه سوف يصدر رواية تاريخية جديدة بعنوان «فتنة الغفران» عن دار العين المصرية، وتحكي عن أبي العلاء المعري.