بعد إعلان المحكمة الدستورية العراقية، قبل أيام، عدم دستورية إجراءات التصديق على اتفاقية خور عبدالله البحرية التي وقَّعتها الحكومة العراقية مع الكويت، مما يعني توقف العمل بها، أكد خبراء في القانون الدولي
لـ «الجريدة» ضرورة إعادة الجهات الرسمية في العراق عرض إجراءات تصديق الاتفاقية مجدداً.
وقال أستاذ القانون الدولي في كلية الحقوق بجامعة الكويت د. رشيد العنزي إن طرفي الاتفاقية لا يستطيعان الاستناد إلى نصوص قوانينهما الداخلية لتبرير عدم تنفيذ المعاهدة أو إلغائها، مؤكداً أن المعاهدة تظل سارية ما لم يتم إلغاؤها بإرادة الطرفين.
وأضاف العنزي: لا يستطيع أي طرف في الاتفاقية أن يلغيها منفرداً إلا إذا أجازت الاتفاقية ذلك، والأهم من هذا أن اتفاقية فيينا أعطت حماية كبيرة للمعاهدات التي تقرر المراكز القانونية، كتلك المتعلقة بالحدود الدولية.
بدوره، قال أستاذ القانون الدولي في كلية الحقوق د. شرف الشرف إن الاتفاقية تتعلق بتنظيم الملاحة البحرية في خور عبدالله وليس لها أي دور في ترسيم الحدود بين الدولتين المقررة بموجب قرار مجلس الأمن رقم ٨٣٣ لسنة ١٩٩٣، مبيناً أن المادة السادسة من الاتفاقية تؤكد ذلك.
وأكد الشرف أنه يتعين إعادة عرض الاتفاقية على البرلمان العراقي، وإذا رفض تصديقها فإنها لن تدخل حيز النفاذ، وفق ما جاء في المادة 16 منها.
وفي تفاصيل الخبر:
في الوقت الذي أعلنت المحكمة الدستورية العراقية، قبل أيام، عدم دستورية إجراءات التصديق على اتفاقية خور عبدالله البحرية التي وقَّعتها الحكومة العراقية مع الكويت - ما يعني توقف العمل بها، رغم إقرارها عام 2013 - توالت ردود الفعل السياسية والنيابية حول رد الموقف الكويتي على هذا القرار، وأثره على المسائل المتصلة بالحدود بين الدولتين.
«الجريدة» استمعت إلى آراء المختصين في القانون الدولي، لبيان أثر الحُكم الصادر من «الدستورية» العراقية على إجراءات تنظيم خور عبدالله البحرية بين البلدين، والإجراءات القانونية التي يتعيَّن النظر إليها من قِبل السُّلطات في الكويت بعد صدور هذا الحُكم.
الإلغاء بإرادة الطرفين
خبير القانون الدولي وأستاذ القانون الدولي في كلية الحقوق بجامعة الكويت د. رشيد العنزي، قال: «لم أطلع على الاتفاقية، ولا على حُكم المحكمة العراقية، لكنني أتكلم عن القواعد العامة في القانون الدولي. وأول وأهم هذه القواعد ما جاءت به المادة 27 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات، والتي تقضي بأنه لا يستطيع أي طرف في الاتفاقية الاستناد إلى نصوص قانونه الداخلي ليبرر عدم تنفيذ المعاهدة أو إلغاءها، وتبقى المعاهدة سارية، ما لم يتم إلغاؤها بإرادة الطرفين».
وأضاف د. العنزي: «لا تستطيع أي دولة طرف في الاتفاقية أن تلغيها بإرادة منفردة، إلا إذا أجازت الاتفاقية ذلك. والأهم من هذا، أن اتفاقية فيينا أعطت الاتفاقيات التي تقرر المراكز القانونية - كتلك المتعلقة بالحدود الدولية - حماية كبيرة، حين نصَّت على عدم جواز إلغائها من طرف واحد، حتى في حالة التبدُّل الجوهري في الظروف، والحالة الوحيدة التي أجازتها الاتفاقية، هي أن يكون هناك إخلال بنص جوهري يتعلق بالاختصاص في عقد المعاهدة. وبالنظر إلى الاتفاقية التي ألغتها المحكمة العليا، فقد تم التصديق عليها من الجهة المختصة في العراق، وصادقت عليها المحكمة الدستورية العراقية في عام 2014، ومن ثم فلا مسوغ قانونياً للحجج العراقية، أياً كانت».
وتابع: «بالعودة إلى حُكم المحكمة العراقية، فلا أثر قانونياً له، لأنه حُكم محلي لا يؤثر في نفاذ الاتفاقية بالقانون الدولي، بل يثير مسؤولية العراق الدولية، إذ إن من أهم أركان المسؤولية الدولية أن ترتكب الدولة فعلاً غير مشروع يخالف القانون الدولي، ويُنسب لها، ويُنسب الفعل للدولة إذا أصدرت المحاكم المحلية حُكماً يتعارض مع التزام دولي نافذ، كما هو حال حُكم المحكمة العراقية».
وبيَّن أنه أمام الكويت الآن الاحتجاج أمام الحكومة العراقية ومجلس الأمن، لوقف هذه المهزلة القانونية، حيث إن حُكم المحكمة العليا العراقية من شأنه الإخلال بالقانون الدولي، وبعلاقات حُسن الجوار، ويُعرِّض الأمن والسِّلم الدوليين للخطر.
الملاحة لا الحدود
بدوره، قال أستاذ القانون الدولي في كلية الحقوق بجامعة الكويت د. شرف الشرف، إن أهم نقطة يجب التركيز عليها، هي أن الاتفاقية المُبرمة بين الكويت والعراق، والصادرة بالقانون رقم 4 لسنة 2013، هي تنظيم الملاحة البحرية بخور عبدالله، وليس لها أي دور في ترسيم الحدود بين الدولتين، وهذا وارد صراحة في المادة السادسة من الاتفاقية، بأن هذه الاتفاقية لا تؤثر على الحدود بين الطرفين في خور عبدالله، المقررة بموجب قرار مجلس الأمن رقم 833 لسنة 1993. وبالتالي، فإن الهدف من الاتفاقية هو تنظيم الملاحة البحرية، كما هو واضح في المادة الأولى منها، وكذلك ما ورد في المادتين التاسعة والعاشرة، وفي المادة الحادية عشرة، التي نصَّت على أن يتعاون الطرفان في مجال المحافظة على البيئة البحرية ومكافحة أي تلوث، والمادة الثالثة عشرة الخاصة بخدمات إرشاد السفن، وغيرها من المواد».
وأوضح الشرف أن «ما يهمنا الآن، هو أثر حُكم المحكمة الدستورية في العراق على عدم دستورية القانون الصادر من البرلمان العراقي، بالمصادقة على هذه الاتفاقية. ومما لاشك فيه، فإن الاتفاقيات الدولية المُبرمة بين الدولتين يجب أن يتم استكمال إجراءات تنفيذها داخلياً، وبالتالي يجب على كل دولة أن تنفذ التزاماتها الداخلية. ووفقاً للدستور الكويتي، يجب أن يُصادق عليها البرلمان، وتصدر بقانون، وهو ما حدث عام 2013 عندما صادق عليها البرلمان الكويتي. أما في العراق، فقد صادق عليها البرلمان العراقي، لكن المحكمة الدستورية حكمت بعدم دستورية القانون».
وأوضح تأثير هذا الحُكم، كالتالي:
أولاً: الحُكم الصادر من المحكمة الدستورية لا يؤثر على ترسيم الحدود، باعتبار الاتفاقية لا تنظم ترسيم الحدود، بل تنظم الملاحة البحرية.
ثانياً: النص في المادة السادسة عشرة من الاتفاقية جاء صريحاً، بأن تدخل هذه الاتفاقية حيِّز النفاذ بعد تبادل الإشعارات بين الأطراف، باستيفاء الإجراءات القانونية الداخلية اللازمة لنفاذها، وبالتالي الأصل أن الاتفاقية لا تدخل حيِّز النفاذ إلا بعد استيفاء الإجراءات الداخلية، وعندما تمت مصادقة البرلمان العراقي على الاتفاقية دخلت حيِّز النفاذ، والآن بعد حُكم المحكمة الدستورية يفترض من الجانب العراقي أن يُخطر الكويت بذلك رسمياً، ويُعيد تصديقها مرة أخرى. أما إذا رفض البرلمان العراقي تصديقها، فلن تدخل حيِّز النفاذ، وسيتوقف نفاذها، كما جاء في المادة السادسة عشرة من الاتفاقية.
ثالثاً: يجوز لأي من الدولتين إنهاء هذه الاتفاقية بإشعار كتابي إلى الطرف الآخر، ومدته ستة أشهر، وبالتالي حق لأي دولة أن تنهي، سواء صدر الحُكم من المحكمة الدستورية أو لم يصدر، فيجوز باتفاق الأطراف أن يتم إنهاء هذه الاتفاقية، فإذا لم يصادق البرلمان العراقي، على فرض أنه لن يصادق، على هذه الاتفاقية، فيجوز أيضاً للجانب الكويتي أن يرسل إخطاره بإنهاء هذه الاتفاقية.
وأضاف الشرف: «هذه الاتفاقية تنظيمية بحتة، ويمكن الرجوع إلى موادها للتأكد من المسائل التنظيمية التي نظمتها، وتأكيدها في المادتين الرابعة والسادسة على مسألة الحدود، وهذه الاتفاقية لا تؤثر على الحدود، ويمارس كل طرف سيادته على الجزء من الممر الملاحي الذي يقع ضمن بحره الإقليمي».
ومن المتوقع أن تبحث السُّلطات الكويتية آثار الحُكم الصادر من المحكمة الدستورية العراقية، بضرورة تلقي إيضاحات من الجانب العراقي عن الإجراءات المتبعة في العراق بعد صدور الحُكم، لاسيما أن الآثار المترتبة عليه تتصل بشأن قواعد الملاحة البحرية في خور عبدالله، وهي قواعد تتطلب الاتفاق بشأنها، خصوصاً أنها تتعلق بقواعد إرشاد السفن، والمحافظة على البيئة البحرية، وضوابط المرور، بما يعكس حق كل طرف في ممارسة حقه البحري من دون تجاوز على حقوق الطرف الآخر، فضلاً عن بحث قضية عرض الاتفاقيات الدولية أمام القضاء المحلي، وما قد يثير فكرة عدم الاستمرار في الاتفاقيات، رغم موافقة الدولة عليها، سُلطةً وبرلماناً.