أحيانا تكون واقفاً في طابور، من باب احترام القانون، لإنهاء معاملة في مؤسسة حكومية، ثم فجأة يظهر شخص يدعي «الاستهبال» ليقف في أول الطابور، فإن لم يخاطبه أحد من الواقفين في الطابور تسمر في مكانه ليحظى بالأولوية، وإن طلب منه الواقفون العودة إلى الوراء، ادعى أنه سيسأل الموظف ثم يذهب في حال سبيله، هذا الموقف تتخذه الحكومة الحالية كسابقاتها، في التعامل مع الدستور الذي أقسم أعضاء الحكومة، ومعهم سمو رئيس الوزراء، بالله العظيم (بأن يكونوا مخلصين للوطن وللأمير، وأن «يحترموا الدستور» وقوانين الدولة ويذودوا عن «حريات الشعب» ومصالحه وأمواله وأن يؤدوا أعمالهم بالأمانة والصدق)، حسب ما جاء في المادتين (91) و(126) من الدستور، إلا أنه يبدو من القرارات الحكومية الأخيرة، وخصوصاً مشروع قانون تنظيم الإعلام وكراسة مناقصة الهيئة العامة للاتصالات، أن بعض الوزراء يلحسون هذا القسم، وبعضهم الآخر ينساه أو يتناساه، في سبيل وأد مواد الدستور، خصوصاً تلك التي تدعو إلى زيادة مساحة الحرية، فأين البر بالقسم؟ وأين الوعود بالحفاظ على المكتسبات الدستورية؟

أنا أعرف أن سمو رئيس مجلس الوزراء مطلع على كل المقترحات ومشاريع القوانين التي يتقدم بها الوزراء وتتطلب موافقة من البرلمان، ويفترض أن الوزراء يعرفون أن هناك أولويات شعبية تستوجب تلبيتها للمساهمة في ترسيخ التعاون بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، ويفترض ثانياً أن الحكومة بكامل أعضائها يعرفون أن الشعب ممثلاً بالبرلمان ينشدون زيادة مساحة الحرية، هذا إذا لم تترك المساحة الحالية على ما هي عليه، ويفترض ثالثاً أن الحكومة تعرف أن العادة جرت على أن ذات ولي العهد، كأمير قادم، ذاته مصونة كالأمير المصون بحكم الدستور، وهذا ما كان يعمل به الكويتيون شعباً وبرلماناً وحكومة منذ أن كان منصب رئاسة مجلس الوزراء ملحقاً بمنصب ولاية العهد، حتى إلى ما بعد فصل المنصبين، بل إلى يومنا هذا وكأنه عرف كويتي أصيل لا يحيد عنه أحد.

Ad

لهذا نتساءل: ما الذي استجد على الساحة السياسية محلياً حتى سارعت الحكومة، ممثلة بوزير الإعلام، إلى اختراع جديد لصون ذات ولي العهد من خلال مشروع قانون تنظيم الإعلام، وهي في العرف الكويتي مصونة أصلاً لا تحتاج إلى تأكيد؟ وما الذي دفع بالحكومة إلى إقحام النواب وأعضاء الحكومة في هذا المشروع الغريب فيمنع المواطن من أن ينتقد أي عضو من أعضاء مجلسي الأمة والوزراء؟ الغريب في الأمر أن لا أحد يدري إلى هذه اللحظة، حتى بعد أن انتفض الإعلام الشعبي ضد الإعلام الرسمي، وساهم البرلمان في إيقاف هذا المشروع المسخ، لأن هدفه الأساسي كان لتكميم الأفواه.

الأغرب من هذا كله أنه لم تمر فترة طويلة (أقل من شهر) حتى برز في الأفق مشروع أعوج آخر لتكميم الأفواه من الحكومة نفسها التي توقعناها أن تعي ضرورة الانتفاض لدعم الحريات، وهذا المشروع هذه المرة خرج من الهيئة العامة للاتصالات في صورة كراسة مناقصة للتنصت على كل المؤسسات والأفراد في الكويت.

السؤال الأهم: متى سينتهي المسلسل المكسيكي لحكومة الكويت ومحاولاتها دس السم في العسل لتقليص مساحة الحرية عندنا؟

الله يستر من المشاريع الحكومية المقبلة.