دور روسيا بجنوب القوقاز مهدد مع ابتعاد أرمينيا عنها
• موسكو تؤكد أنها ضامن الأمن في المنطقة وتحذر من المناورات الأرمنية ـ الأميركية
• باشينيان يتوقع استفزازاً عسكرياً أذربيجانياً
ومن شأن اندلاع نزاع في المنطقة تعرية موسكو التي لن تكون قادرة على لعب أي دور عسكري في ظل انغماسها بالحرب في أوكرانيا.
في ظل خطوات اتخذتها حكومتها أخيراً تُظهر ابتعادها عن حليفها التاريخي روسيا، اتهمت أرمينيا أذربيجان، أمس، بالإعداد لـ «استفزاز عسكري» ضدّ قواتها ونشر عناصر على طول الحدود المشتركة بين الخصمين اللدودين، وقرب إقليم ناغورنو كاراباخ المتنازع عليه.
والجمهوريتان السوفياتيتان السابقتان تتنازعان منذ أكثر من 30 عاماً السيطرة على منطقة ناغورنو كاراباخ ذات الأغلبية الأرمنية.
وتصاعد التوتر بين باكو ويريفان بشدّة في الأشهر الأخيرة، وتبادل الطرفان التهم بشنّ هجمات عبر الحدود.
وقال رئيس الوزراء الأرمني، نيكول باشينيان، خلال اجتماع حكومي في يريفان «تفاقم الوضع العسكري السياسي في منطقتنا بشكل خطير». وأشار إلى أن أذريبجان «تركّز» قوات لها عند حدود البلدين وقرب الإقليم الجبلي الذي يسيطر عليه انفصاليون. وأضاف «تُظهر أذربيجان نيّتها القيام باستفزاز عسكري جديد ضد ناغورنو كاراباخ وأرمينيا».
وجاءت تصريحات باشينيان قبل انتخابات رئاسية مبكرة في الجيب الانفصالي غداً، قبل أيام من مناورات مشتركة لحفظ السلام بين القوات الأرمنية والقوات الأميركية تستضيفها يريفان.
وشكا باشينيان من أن الخطاب المناهض للأرمن استمر في الزيادة، حيث طالبت باكو بالمزيد والمزيد من الأراضي الأرمنية، وحثّ باشينيان الأمم المتحدة والمجتمع الدولي على التدخل السريع.
وتتهم يريفان باكو منذ أشهر بالتسبب في «أزمة إنسانية» من خلال إعاقة وصول المعونات الإنسانية الى ناغورنو كاراباخ، من خلال إغلاق ممر لاتشين، وهو المعبر البري الوحيد بين الإقليم وأرمينيا.
وانتقد باشينيان موسكو لفشلها في فتح المعبر الذي تحرسه قوات حفظ السلام الروسية. ونهاية الأسبوع الفائت، كرر باشينيان، في مقابلة مع صحيفة لا ريبوبليكا الإيطالية، انتقاد موقف موسكو، وقال خصوصاً: «نرى أن روسيا نفسها تنسحب من المنطقة انطلاقاً من الاجراءات التي تتخذها أو لا تتخذها». ولاحظ أن موسكو «إما عاجزة عن السيطرة على ممر لاتشين، وإما أنها لا تريد ذلك».
وأوضح أن بلاده في ظل ذلك تحاول تنويع ترتيباتها الأمنية، في إشارة فيما يبدو لعلاقاتها مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ومحاولاتها لتوثيق العلاقات مع دول أخرى في المنطقة.
وقال باشينيان للصحيفة «البنية الأمنية لأرمينيا مرتبطة بنسبة 99 بالمئة بروسيا، بما يشمل شراء الأسلحة والذخائر». وتابع: «لكن اليوم نرى أن روسيا نفسها تحتاج إلى الأسلحة والعتاد والذخيرة (بسبب الحرب في أوكرانيا)، وفي هذا الموقف من المفهوم أن روسيا الاتحادية لن تتمكن من الوفاء باحتياجات أرمينيا الأمنية، حتى إذا رغبت في ذلك».
وفيما يُعدّ تحولاً كبيراً في السياسة الخارجية الأرمنية، قال باشينيان أيضاً، إن اعتماد يريفان الطويل الأمد على روسيا لضمان أمن البلاد كان «خطأ استراتيجياً».
وزارت زوجة باشينيان كييف، أمس الأول، لحضور اجتماع للسيدات والسادة الأوائل وتقديم المساعدات الإنسانية لأول مرة منذ الغزو الروسي لأوكرانيا.
والثلاثاء أكد «الكرملين» أن روسيا «لا تعتزم» الانسحاب من منطقة جنوب القوقاز، إثر اتهامات بحقها ساقتها أرمينيا التي تتنازع مع أذربيجان السيطرة على منطقة ناغورنو كاراباخ.
وقال المتحدث باسم «الكرملين»، ديمتري بيسكوف، للصحافيين تعليقاً على تصريحات سبق أن أدلت بها يريفان إن «روسيا لا تنسحب من أي مكان ولا تعتزم الانسحاب».
واكد أن «روسيا تؤدي دوراً بالغ الأهمية لضمان استقرار الوضع ونزع فتيل النزاع في هذه المنطقة. وستواصل القيام بذلك».
واعتبر «الكرملين»، أمس، أن المناورات التي تعتزم الولايات المتحدة وأرمينيا إجراءها الأسبوع المقبل تهدّد بتقويض الاستقرار في منطقة القوقاز. وقال بيسكوف للصحافيين «من الواضح أن إجراء مثل هذه المناورات لا يسمح باستقرار الوضع في المنطقة أو تعزيز أجواء الثقة المتبادلة»، مشدداً على أن بلاده تواصل «أداء مهامها كضامن للأمن» الإقليمي على الرغم من الانتقادات الأرمنية.
وأعلنت وزارة الدفاع الأرمنية، أمس الأول، أن مناورات «إيغل بارتنر 2023» العسكرية، المقرر أن تنطلق الاثنين المقبل، لتستمر حتى 20 الجاري، ستتضمن عمليات تهدف إلى أجل تحقيق الاستقرار في مناطق الصراع أثناء تنفيذ مهام بعثات «الخوذ الزرقاء» (الأمم المتحدة)، وفق ما ذكرته وكالة أنباء أرمنبريس الأرمنية الرسمية.
ويوم الجمعة الماضي، قالت أرمينيا وأذربيجان إنهما تكبدتا خسائر بشرية جراء اشتباك على حدودهما المشتركة في شمال غرب جيب ناغورنو كاراباخ.
وقالت وزارة الدفاع الأرمنية إن اثنين من جنودها قُتلا وأُصيب ثالث جراء قصف قرب قريتي سوتك ونوراباك على الحدود. وقالت أذربيجان إن أرمينيا قصفت مواقع على حدود منطقة كالباجار بطائرات مسيّرة، مما أسفر عن إصابة 3 من جنودها.
وقالت أرمينيا إن أذربيجان كانت تحشد قواتها قرب الحدود، وقصفت المواقع بطائرات مسيّرة وقذائف المورتر وأسلحة نارية صغيرة. ونفت أذربيجان حشد قواتها، وقالت إنها كانت ترد على هجوم من أرمينيا.
وخاضت أرمينيا واذربيجان حربين للسيطرة على ناغورنو كاراباخ، آخرها عام 2020 ونتجت عنها هزيمة أرمنية، وتحقيق أذربيجان مكاسب ميدانية، وانتهت بوقف هشّ لإطلاق النار.
ودارت الحرب الأولى حول مصير الإقليم عند انهيار الاتحاد السوفياتي في التسعينيات، وقد أودت بحياة 30 ألف شخص، فيما خلّفت الحرب الأخيرة عام 2020 نحو 6500 قتيل من الجانبين.