مع اجتماع اللجنة الوطنية للحزب «الديموقراطي» الشهر المقبل، تحل الذكرى الثلاثون لعضويتي في هذه الهيئة، وباعتباري عربياً أميركياً وأحد أعضاء اللجنة الوطنية للحزب «الديموقراطي»، الذين خدموا لفترة طويلة، لديّ قصة لأرويها، ولأنني كنت هناك لفترة طويلة، يعتبر البعض وجودي أمراً مفروغاً منه. ولأنني كنت من أشد المنتقدين لأولويات الإنفاق في الحزب والافتقار إلى شفافية الميزانية، يتساءل آخرون عن سبب بقائي، وبعد أن سلكت الطريق الصعب وواجهت تحديات متكررة، تعلمت ألا أعتبر أي شيء مضموناً أبداً وتعلمت أهمية الاستمرار في المسار، ففي أوائل الثمانينيات، حين بدأ العرب الأميركيون بتنظيم أنفسهم، رأى بعضهم أن مشاركتنا السياسية تشكل تهديداً وحاولوا إعاقة مشاركتنا، وعزف بعض المرشحين عن مساهماتنا، أو رفضوا تأييدنا، أو قاموا بإزالة أعضاء من جاليتنا من فريق موظفيهم.

لقد كانت فترة إقصاء مؤلمة، وحين ترشح جيسي جاكسون للرئاسة عام 1984 ورحب بالعرب الأميركيين في حملته الانتخابية، استجاب المجتمع العربي بحماس، وبنينا على هذه التجربة فقمنا بتسجيل وتعبئة الناخبين العرب الأميركيين، ودعم المرشحين العرب الأميركيين، وإنشاء أندية «ديموقراطية» و«جمهورية» للعرب الأميركيين في عشرين مدينة أميركية، وبعد الفشل في تأمين اجتماع مع قيادة الحزب «الديموقراطي»، حصلنا أخيراً على اجتماع مع موظفين من المستوى المتوسط، ورسالته البسيطة والمباشرة كانت «السبب في أننا لا نعترف علناً بأنديتكم أو نلتقي بكم هو أن القيام بذلك قد يؤدي إلى تنفير مجموعات أخرى أكثر أهمية لنا».

Ad

وفي عام 1988، التحقنا بعربة جاكسون مرة أخرى، وانتخبنا أكثر من 80 مندوباً عربياً أميركياً في المؤتمر الوطني، وكممثل لجاكسون، صعدت على منصة المؤتمر لتقديم أول نقاش على الإطلاق حول الحقوق الفلسطينية، واستطاع جاكسون تعيين ثمانية أعضاء عموميين في اللجنة الوطنية للحزب «الديموقراطي»، وكنت واحداً منهم، وقبل أن يصبح الأمر علنياً، طلب مني أحد قادة الحزب رفض هذا التعيين، محذراً من أنني سأصبح في مرمى «الجمهوريين» منذ اليوم الأول، وإذا خسر «الديموقراطيون» انتخابات عام 1988، فقد أتحمل أنا وجاليتي العواقب.

لقد كان قراراً مؤلماً، لكن حين وافقت على التنحي، وعد رئيس الحزب القادم «رون براون» بالتعويض لي وللجالية العربية، وبعد توليه منصب الرئيس، دعاني لأكون أول المجتمعين به، وبث رسالة مفادها أن باب الحزب مفتوح أمام الأميركيين العرب، وبعد بضعة أشهر، حضرَ اجتماعاً للمعهد الأميركي العربي، على الرغم من تهديدات بعض المانحين بحجب مساهماتهم، ومع اقتراب نهاية فترة ولايته، حين أصبح هناك منصب شاغراً في «اللجنة الوطنية الديموقراطية»، عينني لشغله، فحتى الآن أصبح لي 30 عاماً وأنا عضو في هذه اللجنة.

وعلى مدار 16 عاماً من تلك السنوات، عملت في اللجنة التنفيذية، ولمدة 11 عاماً كرئيس للجنة القرارات، كما عملت أيضاً في لجنة الوحدة والإصلاح التابعة للحزب، ولسنوات عديدة، كأحد رؤساء المجلس العرقي، الذي يمثل 19 جماعة عرقية أوروبية ومن منطقة البحر الأبيض المتوسط، ومع مرور السنين، تعلمت أن الحزب «الديموقراطي»، مثل نظيره «الجمهوري»، يحتاج إلى الإصلاح، فهو يفتقر إلى المساءلة والشفافية، ويفشل في إشراك أعضاء «اللجنة الوطنية الديموقراطية» في عملية صنع القرار «الديموقراطي».

لقد اكتشفت أن مشكلة السياسة في ديموقراطيتنا لا تتعلق بالسياسة، بل يتعلق الأمر بالمال، فهناك مئات الملايين من الدولارات تُجمع في كل انتخابات من كيانات حزبية مختلفة، ثم يتم تحويلها إلى المستشارين الذين يجمعون مزيداً من الأموال ويعدون إعلانات مكلفة في التلفزيون وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، وقد يفوز المرشحون أو يخسرون، لكن المستشارين لا يخسرون أبداً، لأنهم لا يتحملون أبداً المسؤولية عن عملهم، وحين أثرت هذه القضية في لجنة الوحدة والإصلاح، ودعوت إلى المساءلة والشفافية، كانت الإقالة من اللجنة التنفيذية من نصيبي، ولم تكن هذه هزيمتي الوحيدة.

لقد ذهبت سدى جهودي لحمل الحزب على معارضة حرب العراق، واحترام لوائحنا الداخلية التي تدعو أعضاء اللجنة الوطنية للحزب الديموقراطي إلى مراجعة وتقييم فعالية النفقات، وحظر «الأموال المظلمة» التي تلوث الانتخابات التمهيدية «الديموقراطية»، وفي مواجهة هذه الهزائم تساءل البعض عن سبب بقائي عضواً في اللجنة الوطنية للحزب.

أتذكر كيف تمكنت من المضي قدماً بعد أقصيت جاليتي لسنوات كثيرة، وهو ما أخبرني به جيسي جاكسون قبل عقود من الزمن حين واجهت تحدياً مماثلاً «لا تنسحب، لأن هذا هو ما يريده خصومك، وأكثر ما يخشونه هو أن تبقى وتستمر في النضال»، وهكذا سأفعل.

* رئيس المعهد الأميركي العربي في واشنطن