الحادية عشرة حسب توقيت مراكش السابعة على مقياس ريختر *
الليل لا يسكن كما كان بل لكل ليلة وشوشاتها، وأحيانا صراخها أو غضبها، وهذه ليلة بدت أو بدأت حالمة مسترخية في ظلال قمرها، وبعض ضجيج يأتي من بعيد فهو «الويك إند»، والناس تسرح مساء بحثا عن بعض متعة وكثير من الصخب «اللامنتهي»، بدت في أولها هادئة بل ربما روتينية أو حتى مملة، وما إن انتصف الليل أو ما بعده حتى تحولت إلى هزة مرعبة وتوالت الأخبار عن بحث البشر عن ملجأ بعيد عن غضب الطبيعة، وهي الغضبة الأسوأ بين كل الغضب العاصف!!
يأتي صوته ليقول «أنا بخير لا تقلقي عليّ»، وتعرف أنه وكثير من المغاربة واقفون في العراء باحثون عن ملجأ يحميهم من غضبها، مفترشون الحدائق أو من استطاع أن يفترشها وآخرون يتجولون بحثا عن أحبتهم وأفراد عائلتهم، بقيت المدن والمباني الحديثة أكثر قدرة على المقاومة ككل شيء في الحياة حين يدفع الضعيف والفقير وسكان أطراف المدن والأرياف الأثمان الباهظة عندما تسخن الأرض أو تغضب، وتهتز فيهتز معها الكون بكامله، وتتساقط المباني والطرق القديمة أو الضعيفة، ويبقى ذاك الأقوى.
تعرف أن أهل المغرب قادرون على التحمل والجلد، عرفت ذلك من كثير من الصديقات والأصدقاء والزملاء، وأيضا من أدبهم ورواياتهم وكتّابهم، عرفت المغرب من نوافذ متعددة بتنوعات جغرافيته وسكانه وطقوسه وأكله وتضاريسه، ولم تستطع أن تفهم في تلك الليلة كيف استطاع المغاربة أن يتماسكوا ويترابطوا ويتحدوا في بحث بعضهم عن بعض قبل أن يتحسسوا أطرافهم هم.
رأيت ذلك من الصور القادمة على شاشات التلفزة العربية أو حتى وسائل التواصل، كم هو الإعلام الغربي غير محايد عندما يكون الأمر مرتبطاً بهذه المنطقة، فقد تعاملوا مع الزلزال الذي ضرب المغرب وأطراف الجزائر بكثير من البرود أو ربما اللا اهتمام.
وتساقطت الصور كثيراً من الأصدقاء والأحبة هناك، وتلاحقت الأخبار، وسقطت الأسئلة في بحور الظلمات، مثل لم نسمع أن المغرب على خط زلازل، وهل المغاربة بحاجة إلى مثل هذه الكارثة، أو لماذا نحن؟ أي هؤلاء الساكنون في هذه المنطقة الممتدة من مراكش للبحرين، كما تغنى بها فريد الأطرش، ولم نكن نعرف لماذا اختار مراكش والبحرين؟!
جاء الزلزال ليعيد التذكير رغم أننا لسنا بحاجة لنتذكر، فلم يمض العام منذ أن عشناه في سورية وتركيا وبعض لبنان، وفقدنا تحت أنقاضه حبيبة بل أحبة، وها هو يأتي الزلزال مرة أخرى قريبا جدا رغم بعد الجغرافيا، ليذكرنا ولم نعرف هل هو تذكير بأن الطبيعة غاضبة؟ أم أنها تذكرنا بأننا أو بعضنا في الشمال الفاجر لم يترك مساحة للصلح، ولم يكتف باستغلال الأرض وما عليها، بل توغل لينخر قاعها ومحيطاتها وأنهارها وبحارها وهدم جبالها وانتهاك كل حرماتها؟
ما يهم أن قلبنا لم يتحمل تلك الصور، ولا يزال لسكان مراكش والحوز وورزازات وأزيلال وشيشاوة وتارودان والرباط والدار البيضاء وكل شبر من أرض المغرب في قلبنا وجع، وهم ينتشرون على أرض الحدائق وفي الطرقات بحثا عن بقعة تحميهم من هزة أخرى، وهم الذين حمل لهم أجدادهم وما قبلهم قصصا وروايات طويلة عن الزلازل والهزات، بدأت منذ 818 عندما ضرب زلزال المنطقة المحيطة بجبل طارق مروراً بعام 1079، حيث تعرضت البلاد لزلزالين قويين، وبعدها في عام 1624 حيث دمر الزلزال مدن تازة وفاس ومكناس شمال المغرب، وآخر في عام 1660، حيث تعرضت مليلة، وبعدها في الأعوام 1910 و1927 و1960 و1969 و1994 و2004، حتى ليل الجمعة عندما فزع المغاربة وهربوا إلى الشوارع أو من استطاع منهم، في حين تساقطت الأحجار وأعمدة المباني المتهالكة على كثير منهم، وما زال البحث جاريا والدمع كأنهار حزنهم وحزننا على مصابهم، كأن المغرب وأهله مجبولون على تحمل تكاليف الجغرافيا، حيث الحد الفاصل بين الصفيحة الأوراسية والإفريقية، حيث يقع صدع جبل طارق.
والحديث عن الزلازل أو حولها قصة أو قصص، فبعضها حسب العلماء هو نتيجة لتفاصيل الجغرافيا، وآخر يبعد عن الجغرافيا ويعزي الأسباب للبشر مثل تفجيرات نووية في باطن الأرض، وهناك من يربطها بحركة النجوم والكواكب، وهنا لا بد من الاعتراف بأن العلماء لا يزالون في حالة من الاختلاف حول كل هذه الأسباب أو النظريات، بمن في ذلك العلماء الذين يتهمون أميركا وغيرها من الدول، وتجاربهم على الأسلحة وغيرها بأنهم خلف هذه الظواهر الطبيعية الفتاكة.
يبقى أهل المغرب كما سابقيهم في سورية وتركيا ولبنان، وكلنا، المتابعين لذاك الوجع، غير مهتمين بكيف حصل، ولكن أكثر بكيف نوقف هذا الموت الذي تشبعت به الأرض.
* ينشر بالتزامن مع «الشروق» المصرية.