«الممر الاقتصادي»... طموحات كبيرة ومشروع سيغير الشرق الأوسط
تترقب الأنظار الكشف عن تفاصيل ومعلومات وافية حول مشروع الممر الاقتصادي الذي يربط الهند بالشرق الأوسط وأوروبا، بعد إعلان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عن المشروع، خلال قمة مجموعة الـ 20 في الهند.
وقد تلقّى المشروع دعماً كبيراً من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، الذي سيتضمن تطوير ممر جديد للسفن والسكة الحديدية.
وبحجم الطموحات الكبيرة المُعلّقة على المشروع، جاءت كلمات القادة والزعماء خلال قمة العشرين معبّرة عن ذلك، فقال بن سلمان إن «المشروع سيسهم في تطوير وتأهيل البنى التحتية التي تشمل سككاً حديدية، وربط الموانئ، وزيادة مرور السلع والخدمات، وتعزيز التبادل التجاري بين الأطراف المعنية».
فيما قال الرئيس الأميركي جو بايدن إن الممر سيوفر «فرصاً لا نهاية لها» للدول المعنية، «مما يجعل التجارة وتصدير الطاقة النظيفة أسهل بكثير»، مضيفا أن «العالم يقف عند نقطة ومنعطف تاريخي. وهي النقطة التي ستؤثر فيها القرارات التي نتخذها اليوم على مسار مستقبلنا - كل مستقبلنا لعقود قادمة. النقطة التي ستؤثر فيها استثماراتنا والتي أصبحت أكثر أهمية من أي وقت مضى».
أما رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي فرأى أن الممر سيعطي اتجاها جديدا للاتصال والتنمية المستدامة للعالم بأسره.
وقد اتفق الأطراف على التوصل إلى «خطة عمل» خلال الـ 60 يوماً القادمة.
قصة الممر
يتم الإعداد للمشروع منذ يوليو 2022، حيث تحدث بايدن عن الحاجة إلى مزيد من التكامل الاقتصادي الإقليمي، من دون أن يفصح عن شيء.
وفي يناير الماضي، بدأ البيت الأبيض بإجراء محادثات مع الشركاء الإقليميين، حول هذا الطرح، وبحلول الربيع الماضي، كانت تتم صياغة الخرائط والتقييمات المكتوبة للبنية التحتية الحالية للسكك الحديدية في الشرق الأوسط.
وقام مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، وكبار مساعديه في البيت الأبيض هوشستاين وبريت ماكغورك، بجولة في مايو للقاء المسؤولين في السعودية والإمارات والهند.
وعملت جميع الأطراف منذ ذلك الحين على وضع اللمسات الأخيرة على تفاصيل الاتفاق الذي أُعلن عنه في قمة مجموعة العشرين، وفقا لوكالة أسوشيتد برس.
مشروع الممر الاقتصادي
وقالت صحيفة indian express إن المشروع جزء من الشراكة من أجل الاستثمار العالمي في البنية التحتية (PGII)، وسيكون عبارة عن ممر السكك الحديدية والشحن، وسيهدف المشروع إلى زيادة التجارة بين البلدان المعنيّة، بما في ذلك منتجات الطاقة. ويشمل مشروع الممر الاقتصادي خط سكة حديد، إضافة إلى كابل لنقل الكهرباء وخط أنابيب هيدروجين وكابل بيانات عالي السرعة، وفقا لوثيقة أعدتها رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين. كما وصفت الوثيقة المشروع بأنه «جسر أخضر ورقمي عبر القارات والحضارات».
ويهدف المشروع إلى تمكين المزيد من التجارة بين البلدان المعنية، بما في ذلك منتجات الطاقة.
أهمية المشروع
ووسط هذا الزخم تدور تساؤلات حول أهمية المشروع بالنسبة إلى المنطقة وكيف تستفيد منه الدول المشاركة، ولا سيما السعودية.
ويقول الخبير الاقتصادي د. إحسان بوحليقة، في مقابلة عبر الهاتف مع «العربية. نت»، إن الدول التي ستكون جزءا من مسار الممر ستستفيد بشكل كبير من المشروع، لافتا إلى أن الهند كان لديها طموح للوصول للدول التي تصدر منها أو تستورد من دون عوائق أو توقف، وهذا كان يحتاج إلى بنية تحتية ملائمة وموانئ مجهزة، وهذا المشروع سيوفر كل ذلك.
وفيما يتعلق بالسعودية قال بوحليقة: «كل العناصر المطلوبة لنجاح الممر الاقتصادي متوافرة في المملكة، ومن ينظر للمشروع يجده متوافقا تماما، وكأنه قطعة من رؤية 2030 وذلك عبر عدة جوانب».
البنية التحتية العابرة للبلدان
الجانب الأول ما يتعلق منها باستراتيجية النقل والخدمات اللوجستية وجزء منها شبكة السكة الحديد، و«لعل نقطة التلاقي بين المبادرتين (الحزام والطريق والممر الاقتصادي) أنهما تتمحوران حول البنية التحتية العابرة للبلدان، أما النقطة الفارقة الرئيسة، فهي أن مرتكز مبادرة الحزام والطريق وطني (إيجاد شبكة تواصل عالمية بؤرتها الصين)، في حين أن الممر شراكة متعددة المحاور للتواصل والربط بين البلدان الأطراف في الشراكة، إذ إن الممر شراكة عالمية».
فضلاً عن أن الصين رصدت أكثر من تريليون دولار لتمويل مبادرة الحزام والطريق، وعملت مع البلدان كل على حدة في الغالب الأعم، في حين أن الممر مبادرة متعددة المرتكزات.
ويتكون المشروع من ممر شرقي يربط الهند بمنطقة الخليج العربي، وممر شمالي يربط منطقة الخليج العربي بأوروبا.
ربط المناطق الثلاث
وسيربط الممر المناطق الثلاث من خلال البنية التحتية المتطورة للاتصال، مما يعزز العلاقة الاقتصادية ويُمكّن وصول السلع والطاقة والبيانات للأفراد والشركات.
وعلى وجه الخصوص، سيقوم المشروع بـ 3 أمور، أولها السكك الحديدية، حيث سيتم دمج خطوط السكك الحديدية واتصالات الموانئ من الهند والسعودية والخليج العربي وأوروبا، مما يؤدي إلى نقل السلع بسلاسة.
3 قطاعات رئيسية
ويقول بوحليقة لـ «العربية. نت»، إن لدى السعودية خطة للتوسع الكبير في شبكة السكك الحديدية التي تعد جزءا من الاستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجستية، والتي أطلقها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان منتصف عام 2021.
وفي الجانب الثاني، تبرز أهمية قطاع الطاقة في مشروع الممر الاقتصادي، وذلك عبر تطوير البنية التحتية للطاقة وتمكين إنتاج ونقل الهيدروجين الأخضر. يقول بوحليقة «أُذكر هنا أن السعودية في طريقها لتصبح أكبر منتج للهيدروجين الأخضر، حيث سيبدأ المصنع في نيوم الإنتاج عام 2026 بطاقة 600 طن يومياً».
أما الجانب الثالث فهو قطاع البيانات، حيث يستهدف المشروع تعزيز الاتصالات ونقل البيانات من خلال إنشاء كابل جديد تحت البحر يربط دول الممر. وتستثمر السعودية 15 مليار دولار في البنية التحتية المعلوماتية، إضافة إلى الاستثمارات في مراكز البيانات، والتي تبلغ قيمتها 18 مليار دولار، وقد احتلت السعودية المركز 21 عالمياً في عدد الكوابل البحرية خلال عام 2021.
ويرى بوحليقة، في حديثه مع «العربية. نت»، أن قطاع النقل سيستفيد بشكل مباشر من مشروع الممر الاقتصادي، إضافة إلى الخدمات والصناعة، حيث يسهّل ويساعد الجهد الصناعي في نقل المواد نصف المصنعة ليكتمل التصنيع في دول أخرى لاعتبارات توفر العمالة أو توفر الطاقة».
كما سيستفيد قطاع الطاقة من المشروع، حيث يسهل تصدير الهيدروجين الأخضر إلى أوروبا، ويعزز وضع المناطق الاقتصادية في السعودية، والتي أعلن عنها قبل عدة أشهر.
«لو نظرت للمشروع وفائدته للاقتصاد السعودي، فإن الجانب الأهم هو تنويع الاقتصاد، وبين السعودية والهند مجلس شراكة استراتيجي، وجزء كبير من المسار يمرّ في الأراضي السعودية، وهذا سينعكس على قطاعات سلاسل الإمداد، والنقل والخدمات اللوجستية»، وفقا لبوحليقة.