لم تدخل الصحافة الكويتية بعد ميدان الصحافة الاستقصائية، وهذا مجال سيشكل تحدياً كبيراً برفع مستوى المهنة ومجاراة التطور التكنولوجي الذي يتعزز أكثر في «الميديا الرقمية» في الوقت الذي تتراجع فيه الصحافة التقليدية.
ثمة نوعان من الصحافة الاستقصائية: الأولى «مكتوبة»، والثانية «مرئية» وهذه تتعدد أشكالها ونماذجها، كالتلفزيون والفيديو والأفلام، وغير ذلك مما يتوافر اليوم في عصر المنصات الإلكترونية.
من يبدأ ويغامر ويفوز بالجائزة الكبرى في الصحافة الكويتية ويدشن لحظة العبور إلى عالم مختلف وجديد كلية عن أعمال التحقيقات التقليدية والمتعارف عليها؟
الطريق ليس معبداً بالورود بل مليء بالأشواك والمطبات والمصاعب، لكنه طريق يشعرك بدورك المؤثر ويعطيك صفة «صانع الحدث والخبر»، والمهمة الصعبة تنتظر من يختار هذا التوجه.
في تاريخ الصحافة الاستقصائية مخزون من الخبرات المتراكمة وعمرها الزمني يزيد على القرن، لكنها لم تنل الاهتمام الكافي، ولم تنتشر كما هو حاصل في العقود الأخيرة، وعدد روادها محدود جداً، وصناع الحدث الاستقصائي وضعوا قواعد وخريطة طريق لمن يرغب في المنازلة، نختار من تلك القواعد ما يلي:
أولاً: السعي لإثبات فرضية مبنية على رواية ما.
ثانياً: رفض «الرواية الرسمية للقصة»، فثمة خطأ ما في «الحقائق المعطاة».
ثالثاً: جمع دلائل بطرق غير تقليدية كما هي الحال في الصحافة التقليدية.
رابعاً: يستغرق العمل وقتاً طويلاً، غير محدد المدة.
عالم مختلف تعيشه وأنت تبحث وتفتش وتكسر الحواجز وتقتحم الأسوار، فالصحافي الاستقصائي يستشعر ما يحدث من خلال البحث والاستقصاء في الأدلة المتناثرة، هو أقرب إلى من يمتلك الحاسة السادسة.
أدوات العمل في الصحافة الاستقصائية مختلفة بطبيعة المهمة، ولعل أهم عنصر واجب التحقق منه يكمن في أهمية التدقيق في المعلومات، فوفقاً لتجارب البعض وممن يقومون بمهمة التدريس الخاصة بالإعلاميين الاستقصائيين يجب الانتباه إلى صياغة التأكيد على الالتزام بثلاثة مسارات أثناء عملية الإعداد واللجوء إليها:
1- المصادر الذكية المفتوحة وتعني Open sources intelligence.
2- أدوات البحث عبر الإنترنت verification Hand book والاستعانة بأشخاص محترفين في تقنيات التحقيق.
3- عيادة البحث وتضمن روابط الأبحاث Research clinic.
هناك اختلافات جوهرية بين الصحافة الاستقصائية والتحقيقات التقليدية، منها أنه كلما ارتفع منسوب الفساد وبأشكاله كافة وتضخمت الأدوات البوليسية والدكتاتورية زادت قوة وأهمية الصحافة الاستقصائية، وهنا مربط الخيل.
انبعاث الصحافة الاستقصائية في العالم العربي حرك المياه الراكدة في الجسم الصحافي والمؤسسات الإعلامية، وبزغت مجموعة أسماء ومراكز ومنظمات في هذا القطاع، سلطت عليها الأضواء، وكان الفضول دائماً مصاحباً لمعرفة ما هذا الاستقصاء؟ وماذا كشف من حقائق؟ وما الذي أحدثه من تغيير؟ ومن صاحبه؟
تقرير أعده «فيل ريس» ونشرته شبكة الجزيرة الإعلامية مفاده، أنه بفضل مؤسسات خيرية وغنية في الغرب انتعشت الصحافة الاستقصائية، فمركز الصحافة الاستقصائية في لندن و«بروببليكا» في نيويورك، على سبيل المثال اعتمدا في تمويلهما بداية على التبرعات الخيرية من رجال ونساء أثرياء، لم تعجبهم أحوال الصحافة العاجزة عن قول الحقيقة للسلطة.
سنتناول في المقال القادم أحوال الصحافيين الاستقصائيين في العالم العربي، وأهم المراكز والمؤسسات ذات العلاقة، وأشهرهم على مستوى العالم، وأشهر «ست» عمليات تسريب وثائق، وأبرز جرائم اغتيال الصحافيين الاستقصائيين.