الحقيقة أن الحملات العراقية الموسمية على الكويت تثير الكثير من التساؤلات، فهي لا تتصاعد إلا في توقيتات حرجة لأغراض ليس للعراق فيها أي مصلحة، أو لأسباب انتخابية باستغلال معيب يؤثر حتما على علاقات البلدين الهشة أصلا، وتحتاج الى عقلانية وتفهم للأمر الواقع.
فإقحام العراق نفسه في موضوع حقل «الدرة» الذي ليس له فيه لا ناقة ولا جمل هو خطأ فادح ليس له أي تفسير منطقي ما لم يأت لخلط الأمور وتعقيدها لمصلحة إيران تحديدا، أما معارضته الشديدة لميناء مبارك فهي تدل حقيقة على ضيق أفق بيّن، فميناء مبارك تحديدا سيفيد العراق، لأنه سيفتح له آفاقا استثمارية وتجارية مجزية ستخلصه من الهيمنة التجارية عليه، وهذا لن يكون في مصلحة إيران، أما آخر الزوابع العراقية الموسمية فهي إثارة موضوع ترسيم الحدود البحرية لخور عبد الله، ويبدو أنه موضوع عراقي مزمن لزوم المصالح الانتخابية أو الإقليمية.
ونحن هنا نتساءل وباستغراب شديد: لماذا لا يثير العراقيون زوابعهم إلا ضد الكويت جارتهم العربية المسالمة التي تم العدوان عليها ظلما وعدوانا؟ ولمَ لا يثور العراقيون ثورة مضرية على جارتهم الإيرانية، فتعدياتها عليهم لا تعد ولا تحصى؟ ولماذا كلما ضاقت بهم قواعدهم الانتخابية ذرعا سارعوا إلى الكويت ليلقوا إخفاقاتهم وفشلهم عليها، والتي لا تدور إلا حول النفط الذي سرقوه واسترددنا، أو حول الحدود التي رسّمت وانتهت باتفاق الطرفين؟
ولكن يبدو أن هناك من يحلو له العبث بأمن واستقرار المنطقة بإرباك وتعكير العلاقات بين العراق والعرب، ومع الكويت على وجه الخصوص، فالترسيم تحديدا أفاد العراق بحريا، وأرجع للكويت براً آباراً حفرها العراقيون لا الكويتيون على الأراضي الكويتية.
الكويت لديها ما يكفيها من النفط، واتهامها بسرقة النفط العراقي لا تصدر إلا من فاقد للعقل، وسرقة النفط ليست بتك السهولة، فهي لا تتم إلا عن طريق احتلال الأرض كما فعل العراقيون في السابق، أو عن طريق الحفر المائل، على أن يكون على مسافة قريبة جدا من موقع المكمن، والكويت في كلتا الحالتين ليس في استطاعتها فعل ذلك عمليا، ولو استطاعت فلن تستطيع إخفاءه عن أعين المراقبين الدوليين.
يجب على الشعب العراقي أن ينتبه لخداع ساسته الموالين لغير بلدهم، وأن يعي بأن مصالحه مع الكويت والعرب هي الأهم والأوجب والأولى، فمن للعراق غير أشقائه؟ يجب أن يعي من الذي حوّل هذا البلد الزاخر بالعلم والثقافة إلى موطن للجهل والخرافات، ومن الذي أفقر بلد الخيرات فتحول إلى موطن للعطشى والجياع؟
هناك حقيقة يجب أن يستوعبها العراقيون العرب بأن بلدهم غني جداً بموارده وشعبه، إلا أن الفساد والمحاصصات الطائفية وولاءات البعض لإيران تحديداً هي التي دمّرت العراق، وأن يعي بأن العراق أصبح قاعدة لتفريخ الميليشيات الإجرامية، وأن الحقيقة هي أن إيران هي التي قطعت الماء والكهرباء عن العراق لا الكويت، وأن الحقيقة هي أن إيران لا الكويت هي التي حوّلت جميع أنهارها التي كانت تروي العراق منذ الأزل، مستغلة سكوت خونة عراقيين، فقطعت مياه أكثر من 45 رافداً وجدولاً كانت تغذي الأنهار في العراق، أهمها أنهار الكرخ وكارون والطيب والوند، وآخرها نهر هوشياري الذي يغذي محافظة السليمانية، الكويت ليست هي من استنزف أرزاق العراقيين، وليست هي من انتهكت عسكريا حرمة أراضيهم شمالا وجنوبا، وليست هي من احتلت حقلا نفطيا عراقيا حدوديا بقوة السلاح.
ننصح العراقيين أن يحرروا بلدهم من عدوهم الحقيقي بدلا من أن يفردوا عضلاتهم على الكويت العربية العصية على كل غاصب طمّاع.