الرياح التي لم تجرِ والسفينة التي لم تبحر
العلاقة بين المجلس والحكومة تشبه زواج المسيار، ولكن بشكل معكوس، فالمجلس رغم أنه صاحب القوامة الدستورية تنازل عن بعض حقوقه مكرهاً في الجلسات لا بطلاً في «تويتر»، وخلع أنيابه الدستورية بيده لا بيد عمرو السلطة التنفيذية، كي تنجح علاقة التعاون مع الحكومة أو كما يظن ذلك، ولأن الوضع مسيار ديموقراطي فلا مانع أن تمر الحكومة على المطالب الشعبية المعيشية مرور الكرام تصريحا وتلميحا، ولكن بشرط ألا تبيت هذه المطالب أبدا في أدراج اللجان أو تحت قبة عبدالله السالم، لتتم مداولتها مناقشة وتصويتا.
وكم كنا نتمنى أن تصل على الأقل لهذه المرتبة الدستورية كي ترتفع إلى درجة الإقلاع كأولوية، وتترك درجة «الويتنغ» التشريعي والتنفيذي والانتخابي التي كانت وما زالت تقبع بها منذ سنوات، هناك حيث يتخاطفها التسويف الممل، والشعارات الانتخابية، والبطولات التويترية، والوعود العرقوبية، والأماني المدغدغة على درجة 9 «انطر».
يا قومنا بمجلس الأمة اعلموا، رعاكم الله، أن المواطن البسيط ينظر للمجلس بعين راتبه ومعيشته لا بعين المصالح السياسية الضيقة، ولا بعين الصراعات المتقاطعة والتحالفات المتصالحة، هذه العين التي قد تكرم من أجلها مدينة الأحلام الضائعة والتمنيات التائهة لو كان لها هدف حقيقي يفيد البلاد والعباد، ولكن ما يراد لنا مع هذه العين هو أن نعيش تحت رمشها كل يوم، ونكتفي بالشخير تحت لحاف رمد تطويلها وتمطيطها وتنشيفها حتى آخر قطرة تفاؤل.
لا شك أن تعديل معيشة المواطن هو جزء مهم من تعديل المسار الشامل، وهو أولوية لأن المنطق يقول إنه كما أن وسائل النقل تحتاج وقودا لتصل إلى هدفها أو مسارها النهائي فوسائل المعيشة الكريمة أيضا تحتاج نقودا لتصل إلى حفظ مسار كرامتها، خصوصا وسط هذا التضخم والغلاء العاصف الذي أسمعت رعوده من به صمم، ولكن مجلسنا بجناحيه مصمم على تجاهله حتى آخر جلسة وآخر دور انعقاد!
أخيرا قد تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، لكن هذا الأمر يحتاج للإبحار بالسفينة أولاً، فلربما جرت رياح تعديل المسار بما اشتهت سفن أولوياتنا ومطالبنا، أقول قد ولكنكم وزراءنا ونوابنا ومع الأسف الشديد ما زلتم على السيف أو اليال ولم تبحروا بعد، فلا رياح جرت لكم وعليكم ولا سفينة اشتهت لنا ولكم، وكل خيبة أمل في جدول أعمال ضائع وأنتم بخير.