في زحام الأخبار وخضم المعارك الوهمية المصطنعة هذه الأيام التي اتسمت بالتراشق بالألفاظ والتهم و«القيل والقال» من أطراف عدة، مر خبر (مصيري) في الواقع يهز المجتمع العلمي ومن شأنه تغيير مجرى ونمط التفكير التقليدي في عدة قضايا وأمور تلامس واقعنا اليومي.
استطاع مجموعة من الباحثين في معهد وايزمن للعلوم (الواقع في الكيان الصهيوني) خلق جنين بلا حيوان منوي ولا بويضات ولا حتى رحم، من خلال تجميع خلايا جذعية وتحفيزها بالمواد الكيميائية ولمدة أربعة عشر يوماً قبيل إنهاء التجربة الناجحة، ولهذا الأمر دلالات عدة ومسائل وجب الوقوف عليها والتمحيص فيها.
الخبر والمشروع البحثي ناجم وناتج عن الكيان الصهيوني في دلالة واضحة على أن هذا الكيان «الغاشم» بدأ بتحقيق إنجازات علمية في مجالات العلوم الحيوية الطبية أكثر مما هو متصور، فمن المعلوم أن الصهاينة هم من أكثر المجتمعات المهتمة بالعلم والعلوم التطبيقية على مدار السنين، ولا أشك البتة أن هدفهم في يوم ما هو «صناعة» إنسان كامل لأغراض العنف والحرب.
أما من الجانب الآخر فلاشك أن هذا الإنجاز العلمي سيتم تحقيقه وإعادة صناعته مرة أخرى في عدد من الدول والمعاهد والجامعات حول العالم، وتبادل الخبرات هذا سيحقق تطورات مهمة جداً جداً، لعل أبرزها معرفة المراحل الأولى في دورة حياة الجنين، والتعرف على الأمراض في مراحل مبكرة، للاستخدامات المتعددة للخلايا الجذعية وغيرها من أمور.
ولكن هناك نقطة محورية يقف العلم أمامها عاجزاً وغير قادر على التطور، وهي المسألة القانونية التي أوقفت التجربة بعد أسبوعين، فمن الجانب الآخر بدأ المشرعون في الغرب بمراجعة الأطر القانونية لتسهيل الأعمال على العلماء والباحثين ليتمكنوا من ممارسة أعمالهم بحرية أكبر وفسحة قانونية أوسع. هذا تماماً عكس الحال في العالم العربي حيث تتم محاربة أي شيء له علاقة بالحداثة والتطور، ولنا أن نتخيل لو أن مثل هذا الخبر صدر من دولة عربية، لتم وصمه بـ«مجموعة باحثين تحارب نواميس الكون والرب»، وبعدها تبدأ الجوقة في وسائل التواصل بإثارة البلبلة لينتهي المطاف بسن قوانين تكبل الحريات العلمية أكثر وأكثر، وتعمل على تضييق الخناق على الباحثين.
وجب فك الخناق عن أي عمل إبداعي وعلمي، وإعطاء فسحة للتطور والحداثة ومعرفة أن التعامل مع الكيانات العلمية له خصوصية وواقع مغاير لأي كيان آخر في عالمنا العربي، ففي يوم ما أتمنى أن أرى مثل هذه الإنجازات في عالمنا العربي، ولا نترك للصهاينة حتى المجال في التفوق العلمي، فلا تنقصنا العقول ولا الموارد.
على الهامش:
تزايدت المطالبات بإلغاء قانون الجرائم الإلكترونية مؤخراً، وإن كنت أتفهم أن بعض العقوبات (السجن) لا تتناسب مع بعض الجرائم إلا أن إلغاء هذا القانون هو أمر أراه غير مستحسن بتاتا لإمكانية التقاضي وحفظ الحقوق في المعاملات الإلكترونية. ربما، وأقول ربما، وجب الوقوف عند العقوبات المتصلة بالجرائم المتعلقة بوسائل التواصل الاجتماعي.