في المحصلة السياسية لزيارة المبعوث الرئاسي الفرنسي إلى لبنان جان إيف لودريان، لا بد من تسجيل رسالة وداع الرجل. وكأن المسؤول الفرنسي أراد توديع مهمته في لبنان على طريقته وبدون الإعلان عن ذلك، فوضعها بين يدي رئيس مجلس النواب نبيه بري.
بدا لودريان وكأنه يسلّم مهامه إلى بري، من خلال تأييده الواضح والصريح لمبادرته الحوارية، وهو عملياً يتعارض مع ما كان قد اتفق عليه في الاجتماع الخماسي الذي ضم، الولايات المتحدة والسعودية وفرنسا ومصر وقطر والذي عقد في الدوحة قبل أسابيع، عندما عارضت الدول الأربع باستثناء فرنسا مبدأ الحوار، لكن لودريان عاد وأعلن تأييده له.
والنتيجة، أن المبعوث الفرنسي سيغادر لبنان ليشارك في الاجتماع الخماسي المقبل والذي سيعقد في نيويورك على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة وبعدها يلتحق بعمله الجديد كرئيس لهيئة تطوير العُلا في السعودية، ما يعني أن بري سيتسلم الراية الفرنسية من خلال إصراره على عقد الحوار، المرفوض من قوى متعددة لاسيما حزب القوات اللبنانية وحزب الكتائب اللبنانية، وكتلة تجدد، ونواب مستقلين.
وكان لافتاً موقف وليد جنبلاط بعد لقائه لودريان الذي أكد فيه دعمه للحوار، معتبراً أن «المبادرة الفرنسية لا تزال قائمة». وإذ نفى تبلغه بأي موعد للحوار في 21 الجاري، قال جنبلاط رداً على سؤال حول إذا كان لودريان يدعم رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية للرئاسة، «لم ندخل بالأسماء»، وأضاف: « لدى القوات اللبنانية وجهة نظر مختلفة عن وجهة نظرنا، نحن نفضّل وجهة نظر برّي ولودريان القائمة على الحوار». يظهر التناقض في هذه المواقف، حجم الضياع الذي تعانيه القوى السياسية المختلفة.
إلى ذلك، تتجه الانظار الى اللقاء الذي دعا اليه السفير السعودي وليد البخاري اليوم تكريماً لمفتي الجمهورية عبداللطيف دريان بعد تجديد ولايته، حيث سيشهد اللقاء اجتماعاً للنواب السنّة بحضور لودريان، وهي خطوة أثارت استغراب العديد من القوى كما اثارت تفسيرات متعددة ومتناقضة، إذ ان البعض سيعتبر الاجتماع إيحاء سعوديا بدعم المملكة لمبادرة لودريان وبمثابة إعطاء ضوء أخضر للمشاركة في الحوار.
في المقابل، برز تفسير آخر، يعتبر أن دعوة البخاري مخصصة لمصارحة النواب السنّة بموقف المملكة خصوصاً لجهة تكريس مبدأ انتخاب رئيس متوازن لا يشكل استفزازاً لطرف على حساب الطرف الآخر وذلك بحضور لودريان.
لن تخرج زيارة لودريان بنتيجة واضحة، وسط انقسام مواقف القوى اللبنانية، بين من يتمسك بترشيح فرنجية، ومن لا يزال يعارض هذا الترشيح، ويريد الانتقال إلى المرشح الثالث وهو قائد الجيش جوزيف عون، لكن محاولة تلمس المسار الجديد يمكن أن تظهر في نتائج اللقاء السعودي- الفرنسي مع النواب السنّة الذين لم يحسموا حتى الآن خياراتهم الرئاسية.