الأزمة الدستورية الأولى (الصِّدام بين المجلس والحكومة... أزمة المادة 131) (4-8)
«عبدالعزيز حمد الصقر... ذو الرئاستين بين السياسة والاقتصاد»
كتاب تستعرض فيه نور الحبشي محطات حافلة من تاريخ رمز وطني لا يختلف عليه كويتيان
استطاعت الدكتورة نور الحبشي، أستاذة التاريخ بجامعة الكويت، أن تحول سيرة العم عبدالعزيز حمد الصقر الذاتية إلى دراسة أكاديمية شاملة لأحد أهم رجالات الكويت، فهو يعد أبرز وجوه المؤسسة التشريعية، حيث بينت علاقته بتلك المؤسسة والقرارات الحاسمة التي اتخذت في عهد توليه رئاسة البرلمان عام 1963.
وتكمن أهمية هذه الدراسة التي ضمنتها الحبشي في كتاب بعنوان «عبدالعزيز حمد الصقر... ذو الرئاستين بين السياسة والاقتصاد»، في تطرقها إلى جملة معطيات لم يلتفت إليها أحد من الباحثين أو المهتمين بتاريخ الكويت الحديث والمعاصر، فهو سليل عائلة من النخب التجارية، وكان صمام الأمان لتلك النخب في فترات مخاض عسير من بينها «دواوين الاثنين» على سبيل المثال، فهو الرقم الصعب نظراً للحكمة والحنكة اللتين تحلى بهما، لاسيما في مؤتمر جدة الشعبي عام 1990.
وتطرق الكتاب إلى تلك الشخصية الكويتية ذات الثقل في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فقد ترأس أول مجلس أمة بعد «التأسيسي»، وغرفة التجارة في سنوات صعبة، ومواقفه لا تزال حاضرة في الذاكرة الكويتية.
وقد أعطى الكتاب صورة لنموذج من رجالات الكويت ممن عاصروا الحكام وكانوا على مقربة منهم في دائرة صنع القرار، وكان مثالاً للزهد في المنصب، ولم يكن اختياره للتنحي والترجل عن المشهد السياسي إلا لأنه كان يدرك متانة الأساس والتاريخ الذي تركه.
عملت د. نور الحبشي على الاستعانة بالوثائق البريطانية المنشورة وغير المنشورة، وكذلك الوثائق العربية والموجودة في الجامعة الأميركية في بيروت، ومحاضر المجلس التأسيسي ومجلس الأمة والمجلس التشريعي، إضافة إلى كثير من المراجع والمذكرات الشخصية والدراسات والبحوث والصحف والكتب، كما هو مبين بقائمة المراجع.
ولجأت المؤلفة إلى إخضاع المعلومات لعملية استقصاء وتحليل ونقد، من أجل التطور الزمني للموضوع أولاً، وتتبع الأحداث، وطرح رؤية جديدة، لتكون ذات معنى ومغزى.
جاء هذا الكتاب نتيجة عمل بحثي طويل ولقاءات مطولة مع رئيس غرفة تجارة وصناعة الكويت الأستاذ محمد جاسم الصقر، والمستشار في الغرفة الأستاذ ماجد جمال الدين.
ويتضمن الكتاب تمهيداً ومقدمة، وأربعة فصول وخاتمة وملاحق، فضلاً عن قائمة بالمصادر والمراجع، وهو صادر عن دار ذات السلاسل للنشر والتوزيع... وفيما يلي تنشر «الجريدة» تفاصيل الحلقة الثانية بتصرف.
وتكمن أهمية هذه الدراسة التي ضمنتها الحبشي في كتاب بعنوان «عبدالعزيز حمد الصقر... ذو الرئاستين بين السياسة والاقتصاد»، في تطرقها إلى جملة معطيات لم يلتفت إليها أحد من الباحثين أو المهتمين بتاريخ الكويت الحديث والمعاصر، فهو سليل عائلة من النخب التجارية، وكان صمام الأمان لتلك النخب في فترات مخاض عسير من بينها «دواوين الاثنين» على سبيل المثال، فهو الرقم الصعب نظراً للحكمة والحنكة اللتين تحلى بهما، لاسيما في مؤتمر جدة الشعبي عام 1990.
وتطرق الكتاب إلى تلك الشخصية الكويتية ذات الثقل في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فقد ترأس أول مجلس أمة بعد «التأسيسي»، وغرفة التجارة في سنوات صعبة، ومواقفه لا تزال حاضرة في الذاكرة الكويتية.
وقد أعطى الكتاب صورة لنموذج من رجالات الكويت ممن عاصروا الحكام وكانوا على مقربة منهم في دائرة صنع القرار، وكان مثالاً للزهد في المنصب، ولم يكن اختياره للتنحي والترجل عن المشهد السياسي إلا لأنه كان يدرك متانة الأساس والتاريخ الذي تركه.
عملت د. نور الحبشي على الاستعانة بالوثائق البريطانية المنشورة وغير المنشورة، وكذلك الوثائق العربية والموجودة في الجامعة الأميركية في بيروت، ومحاضر المجلس التأسيسي ومجلس الأمة والمجلس التشريعي، إضافة إلى كثير من المراجع والمذكرات الشخصية والدراسات والبحوث والصحف والكتب، كما هو مبين بقائمة المراجع.
ولجأت المؤلفة إلى إخضاع المعلومات لعملية استقصاء وتحليل ونقد، من أجل التطور الزمني للموضوع أولاً، وتتبع الأحداث، وطرح رؤية جديدة، لتكون ذات معنى ومغزى.
جاء هذا الكتاب نتيجة عمل بحثي طويل ولقاءات مطولة مع رئيس غرفة تجارة وصناعة الكويت الأستاذ محمد جاسم الصقر، والمستشار في الغرفة الأستاذ ماجد جمال الدين.
ويتضمن الكتاب تمهيداً ومقدمة، وأربعة فصول وخاتمة وملاحق، فضلاً عن قائمة بالمصادر والمراجع، وهو صادر عن دار ذات السلاسل للنشر والتوزيع... وفيما يلي تنشر «الجريدة» تفاصيل الحلقة الثانية بتصرف.
كانت بداية الأزمة عندما تكونت ملامحها الأولى قبيل استقالة ثانية للتشكيلات الوزارية بعد الاستقلال، وهي التشكيلة الأولى في ظل العهد الدستوري، التي كان يرأسها ولي العهد حينذاك الشيخ صباح السالم، وفي 30 نوفمبر 1964م قدم رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الشيخ صباح السالم الصباح استقالته التي قبلت، إلا أنه صدر في اليوم ذاته أمر أميري بإعادة تعيين ولي العهد رئيسا لمجلس الوزراء.
وفي إطار المشاورات التقليدية السابقة على تشكيل الوزارة الجديدة طلب رئيس مجلس الوزراء المكلف الشيخ صباح السالم من رئيس مجلس الأمة السيد عبدالعزيز حمد الصقر تزكية أعضاء من مجلس الأمة ومن خارجه، فأبلغه الصقر بأنه لا يوجد أحد من المعارضة بما في ذلك الدكتور أحمد الخطيب وجاسم القطامي يرغب في ذلك، واقترح عليه سبعة مرشحين، هم: حمود الزيد الخالد، ومحمد يوسف النصف، ومحمد أحمد الغانم، وعبدالعزيز حسين، وعبدالعزيز الشايع، وخالد المضف، وخليفة الغنيم، وعبد اللطيف محمد ثنيان الغانم.
وقد اعتذر النائبان الدكتور أحمد الخطيب، وجاسم القطامي، واختار الشيخ صباح السالم ستة وزراء من قائمة الرئيس عبدالعزيز الصقر، وطلب منه إبلاغهم شخصيا بمشاركتهم في الوزارة، فأبلغهم ولكنه علم لاحقا أن أحد المرشحين السبعة استبعد، وتم إحلال آخر مكانه مما أثار استغرابه، واختير خالد المضف بديلاً عن عبدالعزيز الشايع، واستفسر من الشيخ صباح السالم، وسأله عن حقيقه الأمر، فأكد الشيخ صباح السالم ما ورد للسيد عبدالعزيز الصقر من استبعاد أحد مرشحيه بعد أن تم اعتماده، فرد عليه بأنه أبلغ الأسماء المرشحة من قبله بتوزيرها، واعتمادها، ولذلك يجب عدم إبعادها إذا لم تكن هناك أسباب قاهرة تمنع دخول أي منها، وهذه غير موجودة، وبالتالي فإما أن تبقى هذه الأسماء التي تم اعتمادها للمناصب الوزارية، وإلا فالواجب يحتم عليه احتراما للمبادئ والتزاما بها أن يتخلى عن موقعه كرئيس لمجلس الأمة، وبالفعل قدم استقالته لكنه عدل عنها بعد تدخل الشيخ عبدالله السالم الصباح والطلب منه التراجع عنها.
كما استشار رئيس مجلس الوزراء المكلف آخرين غير رئيس مجلس الأمة، وكان أبرزهم الشيخ جابر العلي، ونائب رئيس مجلس الأمة السيد سعود العبد الرزاق الذي رشح له النائبين خالد المضف، وعبدالباقي النوري، وتمت الموافقة على توزيرهما، وأبلغا بذلك، ثم جرى استبعادهما أيضا!
وقد تشكلت الوزارة الجديدة في 6 ديسمبر 1964م، وضمت كلاً من السادة: الشيخ صباح السالم رئيسا لمجلس الوزراء، وجابر الأحمد وزيرا للمالية، وجابر العلي السالم وزيرا للإرشاد والأنباء، وحمود اليوسف النصف وزيرا للصحة العامة، وخليفة خالد الغنيم وزيرا للتجارة، وخالد الأحمد الجسار وزيرا للأوقاف، وخالد المسعود الفهيد وزيرا للتربية والتعليم، وسعد العبدالله السالم وزيرا للداخلية والدفاع، وصباح الأحمد الجابر وزيرا للخارجية، وعبدالله المشاري الروضان وزيرا للشؤون الاجتماعية والعمل، وعبداللطيف محمد ثنيان الغانم وزيرا للأشغال العامة، وعبدالعزيز حسين وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء، وعبدالعزيز محمد الشايع وزيرا للكهرباء والماء، ومحمد أحمد الغانم وزيرا للعدل، ويوسف هاشم الرفاعي وزيرا للبرق والبريد والهاتف. ونلاحظ هنا أن عدد الوزراء من أفراد أسرة آل الصباح قد تقلص من ثمانية إلى خمسة بخروج الشيخ محمد الأحمد وزير الدفاع، والشيخ عبدالله الجابر وزير التعليم، وقبلهما الشيخ سالم العلي وزير الأشغال، بينما زاد تمثيل الوزراء من النخبة التجارية، وكانوا اثنين في الوزارة السابقة، فأصبحوا خمسة.
وفي اليوم ذاته، أدى رئيس مجلس الوزراء والوزراء القسم الدستوري أمام الشيخ عبدالله السالم، حيث غادر البلاد صباح 8 ديسمبر 1964م إلى مدينة بومباي بالهند، وفي ذلك اليوم عقد مجلس الأمة جلسته، إلا أن رئيس مجلس الوزراء بالنيابة الشيخ جابر الأحمد، والوزراء لم يتمكنوا من تأدية اليمين الدستورية مرة ثانية أمام مجلس الأمة بعد تأديتها أمام الأمير؛ حيث انسحب 26 نائبا، وتغيب عن الجلسة بعذر خمسة نواب آخرين، وكان من بين المنسحبين أحد الوزراء، هو خالد المسعود الفهيد (وزير التربية)، بينما حضر الجلسة نواب كتلة المعارضة بقيادة د. أحمد الخطيب، والنائب جاسم القطامي.
وفي بداية الأمر برر نواب الأغلبية انسحابهم من جلسة مجلس الأمة المنعقدة يوم 8 ديسمبر عام 1964م المخصصة لتأدية الوزارة اليمين الدستورية؛ باتهامهم رئيس مجلس الأمة بعدم استشارة زملائه النواب قبل تقديمه الأسماء التي اقترحها للمشاركة في الوزارة، مع أنه لم يكن ملزما بذلك؛ إذ جرت استشارته بوصفه رئيسا لمجلس الأمة، لا لأنه يمثل آراء نواب الأمة واقتراحاتهم، إلا أن النواب المنسحبين سرعان ما تراجعوا عن طرح هذا المبرر بعدما أعلن السيد عبدالعزيز الصقر استعداده للاستقالة من رئاسة المجلس، وبعدها ركز النواب المنسحبون اعتراضهم على مشاركة الأستاذ عبدالعزيز حسين في الحكومة؛ حيث اتهمه بعضهم بأنه كان يقف وراء التراجع عن توزير النائبين خالد المضف، وعبدالباقي النوري، وهنا قدم عبدالعزيز حسين استقالته، إلا أن الشيخ صباح السالم رفض قبولها من باب التضامن، وبالطبع يحق للنواب أن يعلنوا اعتراضهم، وكان بإمكانهم سحب الثقة منه لاحقا، ولكن هذا بالطبع لم يكن الهدف الأوحد، ولم يكن أيضا الهدف الأول لديهم!
وبعد ذلك تم تحديد موعد الجلسة المقبلة في 15 ديسمبر لتأدية رئيس مجلس الوزراء بالنيابة، والوزراء اليمين الدستورية أمام مجلس الأمة، وقد حضر النواب المنسحبون من جلسة 8 ديسمبر، وتحدث باسمهم النائب عبدالباقي النوري مؤكدا عدم دستورية التشكيل الحكومي الجديد لمخالفة المادة 131، التي كان سببها الجمع بين الوزارة والتجارة من وجهة نظرهم، وهو حكم دستوري صحيح، ولكنه لا يمنع من توزير التجار، وإنما يمنع استمرار اشتغالهم بالتجارة بعد توليهم المناصب الوزارية، فعليهم أن يسووا أوضاعهم بعد مشاركتهم في الوزارة، وأن يتوقفوا عن ممارسة العمل التجاري، وليس القصد منها فرض حظر دستوري على مشاركة التجار في الحكومة خصوصا أن التشكيلة الوزارية السابقة كانت تضم اثنين من التجار، ولم يكن هذا موضع اعتراض لدى المعترضين.
ولم يسمح بالكلام لرئيس مجلس الوزراء بالنيابة الشيخ جابر الأحمد، ولا لأعضاء الحكومة بحجة أنهم لم يكونوا قد أدوا بعد اليمين الدستورية، وهذا تصرف فيه تجاوز واضح على حكم المادة 116 من الدستور التي توجب أن يستمع لرئيس مجلس الوزراء والوزراء في مجلس الأمة كلما طلبوا الكلام، وأعلن رئيس مجلس الأمة، يسانده في ذلك المستشار القانوني عثمان خليل عثمان، وزعيما المعارضة الدكتور أحمد الخطيب، وجاسم القطامي، أنه يجب السماح لرئيس الوزراء بالوكالة بأداء اليمين، ويمكن لنواب المجلس بعد ذلك التصويت بطرح الثقة إذا رغبوا، وحاول رئيس مجلس الأمة التدخل بقوله: نحن حريصون على عدم مخالفة أي نص دستوري، والحكومة تشكلت بمرسوم أميري، وهو أمر غير قابل للطعن، لكن أمام المجلس أن يمنح الحكومة الثقة، أو يحجبها وفق الدستور، وكيف يدافع رئيس الوزراء عن وجهة نظره قبل أداء اليمين الدستورية.
وبعد ساعة من المناقشة الحادة انسحب النواب الـ 31 من الجلسة؛ ففقدت النصاب، ونلاحظ هنا أن المبرر المطروح للانسحاب من الجلسة الثانية، ومنع الوزراء من تأدية اليمين الدستورية أمام مجلس الأمة قد تغير عما كان عليه في الجلسة الأولى، بعدما تبين ضعف المبررين السابقين، وهما: عدم تشاور رئيس مجلس الأمة مع النواب قبل تقديم ترشيحاته إلى رئيس مجلس الوزراء، والاعتراض على توزير الأستاذ عبدالعزيز حسين!
وإزاء ما شهدته جلستا 8 و15 ديسمبر 1964م من انسحاب واعتراضات، ومنع رئيس مجلس الوزراء بالنيابة، والوزراء من أداء القسم الدستوري مرة ثانية أمام مجلس الأمة، وكذلك منعهم من الكلام، فقد استقالت الحكومة وحلت محلها حكومة جديدة، وبادر رئيس مجلس الأمة السيد عبدالعزيز الصقر يوم الثـامن عشر من ديسمبر إلى تقديم كتاب استقالته من رئاسة المجلس، وهو زعيم كتلة التجار داخل المجلس، وأرسل نسخة منه إلى الأمير بوصفه رئيس السلطات، وكان ذلك قبل استقالة الحكومة، ولكنه فضل تأجيلها إلى ما بعد تأدية الحكومة الجديدة القسم الدستوري أمام مجلس الأمة، وبالفعل أعاد طرحها، وهنا تدخل صاحب السمو الأمير الشيخ عبدالله السالم، والتقى رئيس المجلس، وطلب منه العدول عنها إلى أن تهدأ الأمور، وبالفعل كان له ما طلب، فأرجأ رئيس مجلس الأمة عبدالعزيز الصقر الاستقالة إلى أن تستقر الأمور.
وقد ألقت الأزمة الدستورية بظلالها على الحكومة؛ حيث تسببت بانقسام وانشقاق في مجلس الوزراء بشأن معالجتها، ورفض رئيس الوزراء بالنيابة الشيخ جابر الأحمد استقالة بعض الوزراء؛ لأن مطالب الكتلة النيابية تعدت طلب استقالة بعض الوزراء إلى حجب الثقة عن الحكومة.
بينما واصل الشيخ جابر الأحمد رئيس مجلس الوزراء بالنيابة ووزير المالية اتصالاته مع النواب المنسحبين، وتردد حينها أنه كاد أن يتوصل معهم لاتفاق، وفي يوم 21 ديسمبر سافر الشيخ جابر الأحمد إلى بومباي لعرض الأمر على الشيخ عبدالله السالم، حيث قطع الأمير إجازته، وعاد إلى الكويت يوم 27 ديسمبر، وكان أمامه خياران لمعالجة الأزمة: إما حل مجلس الأمة، وإما إقالة الوزارة، ورجحت كفة الخيار الثاني، فقدمت الحكومة استقالتها مساء الاثنين 28 ديسمبر، وقبلها الأمير، وسرت وقتها شائعات عن ترشيح الشيخ جابر الأحمد، أو الشيخ عبدالله الجابر لرئاسة الحكومة، ولكن الأمير أعاد تكليف الشيخ صباح السالم بتشكيل الحكومة، حيث رفع رئيس مجلس الوزراء في الثاني من يناير عام 1965م كتاب تشكيل الحكومة الجديدة، وصدر مرسوم تشكيلها في اليوم التالي، وكان يوافق الأول من شهر رمضان المبارك عام 1384هـ، وعقد مجلس الأمة جلسته في 5 يناير، حيث أدت الحكومة الجديدة، وهي الرابعة بعد الاستقلال، والثالثة في العهد الدستوري، اليمين أمام مجلس الأمة، بعدما أدتها أمام الأمير على الرغم من أنها ضمت في صفوفها وزيرين جديدين من التجار.
وقد خرج ستة وزراء من أعضاء الحكومة السابقة التي لم تتمكن من أداء اليمين الدستورية أمام مجلس الأمة، وهم السادة: حمود النصف، وخليفة الغنيم (كان عضوا في الحكومة السابقة)، وعبدالعزيز الشايع، وعبداللطيف محمد ثنيان الغانم (كان عضوا في الحكومة السابقة)، ومحمد أحمد الغانم، وعبدالعزيز حسين، بينما شارك في الحكومة الجديدة خمسة وزراء جدد، هم السادة: خالد العيسى الصالح، وصالح عبدالملك، وعبدالعزيز الصرعاوي، وعبدالعزيز الفليج، وعبدالله السميط.
وبعدما أدت الحكومة الجديدة اليمين الدستورية أمام مجلس الأمة في 5 يناير عام 1965م، أصر السيد عبدالعزيز الصقر على قبول استقالته من رئاسة مجلس الأمة، غير أن سفر صاحب السمو الأمير يوم 7 يناير إلى خارج الكويت مرة أخرى؛ لاستئناف علاجه حال دون حسم الأمر، خصوصا أن نائب الأمير قد وجه خطابا إلى الصقر يشير فيه إلى تكليف الأمير له قبل سفره بضرورة «تغليب الصالح العام على أي اعتبار آخر أيا كان، وأن الصالح العام لوطننا العزيز في هذه الآونة، والذي هو أمانة في أعناقنا جميعا يتطلب تعليق أمر هذه الاستقالة إلى حين عودة سموه من الخارج بعد استكمال علاجه، حتى تتاح لسموه فرصة أوسع لتدبير الأمور جميعا لما فيه خير البلاد، وتوطيد أركان الشورى والديموقراطية، وإني على يقين من أنكم بما عرف عنكم من إخلاص وتفانٍ في خدمة وطننا سوف تستجيبون لهذه الرغبة من حضرة صاحب السمو الأمير المعظم، لا بوصفه رئيسا للدولة فحسب، بل باعتباره أباً باراً بأبناء هذا الوطن جميعا»، وقد استجاب السيد عبدالعزيز الصقر لتلك الرغبة الأميرية الأبوية، وأعلن تعليق استقالته في كلمة له خلال جلسة لمجلس الأمة.
استقالة عبدالعزيز الصقر من رئاسة مجلس الأمة 1965م
بعدما عاد الأمير، وقد كان مريضا، من رحلته، تقدم عبدالعزيز الصقر بكتاب استقالته، التي كان متمسكا بها، وضمن هذا الكتاب الموجه إلى أعضاء مجلس الأمة، تأكيد اتهامه أطرافا حكومية متحالفة مع أطراف نيابية بافتعال الأزمة، ويشير في الكتاب إلى أن «الأمر لم يكن فقط وليد الخطأ، أو الإصرار عليه، وإنما كانت هناك أياد من بعض أعضاء الحكومة السابقة – وما تزال – وراء هذا التعنت، ومن فئة منتخبة كان من المفروض فيها أن ترحب قبل غيرها بالتطور الشعبي الواضح في تشكيل تلك الوزارة، حيث زاد عدد أعضاء مجلس الأمة المشتركين في الوزارة من جهة، وزاد عدد الوزراء الشعبيين في جملته من جهة أخرى.
ولكن للأسف الشديد تبين أن هذه الضجة التي افتعلت داخل مجلس الوزراء، لم ترتض التشكيل الوزاري الشعبي المذكور، ولها من الصلة بفريق من النواب المنسحبين ما يجعلها وراء الضجة برمتها.
وقد تعذر عليَّ وجود وسيلة لعودة الأمور إلى مجراها الدستوري الصحيح، ولتجنيب الكويت عواقب هذه الضجة المفتعلة، جرت الأمور على عكس المنطق الدستوري والروح الديموقراطية، وجاءت على هوى الانحراف في تفسير الدستور... وإزاء ذلك كله استحال عليّ الاستمرار في القيام بواجبي رئيسا للمجلس في هذا الجو المشحون بالمخالفات دون توخ للعواقب، ومن ثم أطلب من المجلس الموقر قـبول استقالتي».
لذلك لم يكن بد من قبول الاستقالة، حيث وافق المجلس على استقالة الرئيس في 16 فبراير عام 1965م، وانتخب السيد سعود العبدالرزاق رئيسا له.
استقالته من عضوية مجلس الأمة عام 1967م
حذرت صحيفة «أخبار الكويت»، التي يترأسها عبدالعزيز فهد الفليج، من تزوير الانتخابات قبل انطلاقها؛ مما جعل المجاميع السياسية تراقب عملية الاقتراع، وتترصد وقائعها ونتائجها، وقد عقدت الانتخابات النيابية لمجلس الأمة للمجلس التشريعي الثاني عام 1967م، وقد شاب عملية فرز النتائج بعض الشوائب، وكان من نتيجتها تدخل السلطة في النتائج، وخسارة بعض أبرز الوجوه، مثل الدكتور أحمد الخطيب، وجاسم القطامي، وهما من القوميين العرب، لمقعديهما، على الرغم من حصولهما في الانتخابات السابقة على أكثر من ألف صوت، وتحديدا انتخابات 1963م.
وقد تم الاتفاق بين مجموعة من الأعضاء الفائزين في الانتخابات بعد إعلان النتائج على تقديم الاستقالة، وكان عبدالعزيز حمد الصقر أحد أبرز تلك الوجوه؛ احتجاجا على ممارسات السلطة، وكانت معارضة تتميز بالرقي، وتسجيل الموقف للتاريخ أولاً، وفي سجل تاريخ أعضاء مجلس الأمة ثانيا، فامتنعوا عن الحضور، وكان التغيب من دون عذر مقبول لخمس جلسات متتالية، يعني إسقاطاً لعضويتهم، وإعلاناً لخلو مقاعدهم في جلسة 4 أبريل 1967م، وفيما يأتي أسماء النواب الذين امتنعوا عن حضور الجلسات، وهم: عبدالعزيز حمد الصقر، وعبدالرزاق الخالد، ومحمد عبدالمحسن الخرافي، وراشد عبدالله الفرحان، ومحمد يوسف العدساني، وخالد المسعود الفهيد، وعلي عبدالرحمن العمر.
وجرت بعدها عملية انتخابات تكميلية، ونجح بدلاً منهم عدد من المرشحين، وبذلك أسدل الستار على المسار البرلماني والتشريعي في حياة عبدالعزيز حمد الصقر، ولم يترشح بعدها للبرلمان، ولم يخض انتخابات مجلس الأمة؛ مكتفيا بمسيرة ومواقف، ولحظات خالدة في التاريخ، جعلت نظافة اليد، والإصرار على القرار، والاحتفاظ بقيمة الكلمة نهجا له عرف به على مدار أعوام كثيرة، وظلت السلطة تقدره، وتعي أن القرارات تأتي بهمم أصحابها.
وفي إطار المشاورات التقليدية السابقة على تشكيل الوزارة الجديدة طلب رئيس مجلس الوزراء المكلف الشيخ صباح السالم من رئيس مجلس الأمة السيد عبدالعزيز حمد الصقر تزكية أعضاء من مجلس الأمة ومن خارجه، فأبلغه الصقر بأنه لا يوجد أحد من المعارضة بما في ذلك الدكتور أحمد الخطيب وجاسم القطامي يرغب في ذلك، واقترح عليه سبعة مرشحين، هم: حمود الزيد الخالد، ومحمد يوسف النصف، ومحمد أحمد الغانم، وعبدالعزيز حسين، وعبدالعزيز الشايع، وخالد المضف، وخليفة الغنيم، وعبد اللطيف محمد ثنيان الغانم.
وقد اعتذر النائبان الدكتور أحمد الخطيب، وجاسم القطامي، واختار الشيخ صباح السالم ستة وزراء من قائمة الرئيس عبدالعزيز الصقر، وطلب منه إبلاغهم شخصيا بمشاركتهم في الوزارة، فأبلغهم ولكنه علم لاحقا أن أحد المرشحين السبعة استبعد، وتم إحلال آخر مكانه مما أثار استغرابه، واختير خالد المضف بديلاً عن عبدالعزيز الشايع، واستفسر من الشيخ صباح السالم، وسأله عن حقيقه الأمر، فأكد الشيخ صباح السالم ما ورد للسيد عبدالعزيز الصقر من استبعاد أحد مرشحيه بعد أن تم اعتماده، فرد عليه بأنه أبلغ الأسماء المرشحة من قبله بتوزيرها، واعتمادها، ولذلك يجب عدم إبعادها إذا لم تكن هناك أسباب قاهرة تمنع دخول أي منها، وهذه غير موجودة، وبالتالي فإما أن تبقى هذه الأسماء التي تم اعتمادها للمناصب الوزارية، وإلا فالواجب يحتم عليه احتراما للمبادئ والتزاما بها أن يتخلى عن موقعه كرئيس لمجلس الأمة، وبالفعل قدم استقالته لكنه عدل عنها بعد تدخل الشيخ عبدالله السالم الصباح والطلب منه التراجع عنها.
كما استشار رئيس مجلس الوزراء المكلف آخرين غير رئيس مجلس الأمة، وكان أبرزهم الشيخ جابر العلي، ونائب رئيس مجلس الأمة السيد سعود العبد الرزاق الذي رشح له النائبين خالد المضف، وعبدالباقي النوري، وتمت الموافقة على توزيرهما، وأبلغا بذلك، ثم جرى استبعادهما أيضا!
وقد تشكلت الوزارة الجديدة في 6 ديسمبر 1964م، وضمت كلاً من السادة: الشيخ صباح السالم رئيسا لمجلس الوزراء، وجابر الأحمد وزيرا للمالية، وجابر العلي السالم وزيرا للإرشاد والأنباء، وحمود اليوسف النصف وزيرا للصحة العامة، وخليفة خالد الغنيم وزيرا للتجارة، وخالد الأحمد الجسار وزيرا للأوقاف، وخالد المسعود الفهيد وزيرا للتربية والتعليم، وسعد العبدالله السالم وزيرا للداخلية والدفاع، وصباح الأحمد الجابر وزيرا للخارجية، وعبدالله المشاري الروضان وزيرا للشؤون الاجتماعية والعمل، وعبداللطيف محمد ثنيان الغانم وزيرا للأشغال العامة، وعبدالعزيز حسين وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء، وعبدالعزيز محمد الشايع وزيرا للكهرباء والماء، ومحمد أحمد الغانم وزيرا للعدل، ويوسف هاشم الرفاعي وزيرا للبرق والبريد والهاتف. ونلاحظ هنا أن عدد الوزراء من أفراد أسرة آل الصباح قد تقلص من ثمانية إلى خمسة بخروج الشيخ محمد الأحمد وزير الدفاع، والشيخ عبدالله الجابر وزير التعليم، وقبلهما الشيخ سالم العلي وزير الأشغال، بينما زاد تمثيل الوزراء من النخبة التجارية، وكانوا اثنين في الوزارة السابقة، فأصبحوا خمسة.
وفي اليوم ذاته، أدى رئيس مجلس الوزراء والوزراء القسم الدستوري أمام الشيخ عبدالله السالم، حيث غادر البلاد صباح 8 ديسمبر 1964م إلى مدينة بومباي بالهند، وفي ذلك اليوم عقد مجلس الأمة جلسته، إلا أن رئيس مجلس الوزراء بالنيابة الشيخ جابر الأحمد، والوزراء لم يتمكنوا من تأدية اليمين الدستورية مرة ثانية أمام مجلس الأمة بعد تأديتها أمام الأمير؛ حيث انسحب 26 نائبا، وتغيب عن الجلسة بعذر خمسة نواب آخرين، وكان من بين المنسحبين أحد الوزراء، هو خالد المسعود الفهيد (وزير التربية)، بينما حضر الجلسة نواب كتلة المعارضة بقيادة د. أحمد الخطيب، والنائب جاسم القطامي.
وفي بداية الأمر برر نواب الأغلبية انسحابهم من جلسة مجلس الأمة المنعقدة يوم 8 ديسمبر عام 1964م المخصصة لتأدية الوزارة اليمين الدستورية؛ باتهامهم رئيس مجلس الأمة بعدم استشارة زملائه النواب قبل تقديمه الأسماء التي اقترحها للمشاركة في الوزارة، مع أنه لم يكن ملزما بذلك؛ إذ جرت استشارته بوصفه رئيسا لمجلس الأمة، لا لأنه يمثل آراء نواب الأمة واقتراحاتهم، إلا أن النواب المنسحبين سرعان ما تراجعوا عن طرح هذا المبرر بعدما أعلن السيد عبدالعزيز الصقر استعداده للاستقالة من رئاسة المجلس، وبعدها ركز النواب المنسحبون اعتراضهم على مشاركة الأستاذ عبدالعزيز حسين في الحكومة؛ حيث اتهمه بعضهم بأنه كان يقف وراء التراجع عن توزير النائبين خالد المضف، وعبدالباقي النوري، وهنا قدم عبدالعزيز حسين استقالته، إلا أن الشيخ صباح السالم رفض قبولها من باب التضامن، وبالطبع يحق للنواب أن يعلنوا اعتراضهم، وكان بإمكانهم سحب الثقة منه لاحقا، ولكن هذا بالطبع لم يكن الهدف الأوحد، ولم يكن أيضا الهدف الأول لديهم!
وبعد ذلك تم تحديد موعد الجلسة المقبلة في 15 ديسمبر لتأدية رئيس مجلس الوزراء بالنيابة، والوزراء اليمين الدستورية أمام مجلس الأمة، وقد حضر النواب المنسحبون من جلسة 8 ديسمبر، وتحدث باسمهم النائب عبدالباقي النوري مؤكدا عدم دستورية التشكيل الحكومي الجديد لمخالفة المادة 131، التي كان سببها الجمع بين الوزارة والتجارة من وجهة نظرهم، وهو حكم دستوري صحيح، ولكنه لا يمنع من توزير التجار، وإنما يمنع استمرار اشتغالهم بالتجارة بعد توليهم المناصب الوزارية، فعليهم أن يسووا أوضاعهم بعد مشاركتهم في الوزارة، وأن يتوقفوا عن ممارسة العمل التجاري، وليس القصد منها فرض حظر دستوري على مشاركة التجار في الحكومة خصوصا أن التشكيلة الوزارية السابقة كانت تضم اثنين من التجار، ولم يكن هذا موضع اعتراض لدى المعترضين.
ولم يسمح بالكلام لرئيس مجلس الوزراء بالنيابة الشيخ جابر الأحمد، ولا لأعضاء الحكومة بحجة أنهم لم يكونوا قد أدوا بعد اليمين الدستورية، وهذا تصرف فيه تجاوز واضح على حكم المادة 116 من الدستور التي توجب أن يستمع لرئيس مجلس الوزراء والوزراء في مجلس الأمة كلما طلبوا الكلام، وأعلن رئيس مجلس الأمة، يسانده في ذلك المستشار القانوني عثمان خليل عثمان، وزعيما المعارضة الدكتور أحمد الخطيب، وجاسم القطامي، أنه يجب السماح لرئيس الوزراء بالوكالة بأداء اليمين، ويمكن لنواب المجلس بعد ذلك التصويت بطرح الثقة إذا رغبوا، وحاول رئيس مجلس الأمة التدخل بقوله: نحن حريصون على عدم مخالفة أي نص دستوري، والحكومة تشكلت بمرسوم أميري، وهو أمر غير قابل للطعن، لكن أمام المجلس أن يمنح الحكومة الثقة، أو يحجبها وفق الدستور، وكيف يدافع رئيس الوزراء عن وجهة نظره قبل أداء اليمين الدستورية.
وبعد ساعة من المناقشة الحادة انسحب النواب الـ 31 من الجلسة؛ ففقدت النصاب، ونلاحظ هنا أن المبرر المطروح للانسحاب من الجلسة الثانية، ومنع الوزراء من تأدية اليمين الدستورية أمام مجلس الأمة قد تغير عما كان عليه في الجلسة الأولى، بعدما تبين ضعف المبررين السابقين، وهما: عدم تشاور رئيس مجلس الأمة مع النواب قبل تقديم ترشيحاته إلى رئيس مجلس الوزراء، والاعتراض على توزير الأستاذ عبدالعزيز حسين!
وإزاء ما شهدته جلستا 8 و15 ديسمبر 1964م من انسحاب واعتراضات، ومنع رئيس مجلس الوزراء بالنيابة، والوزراء من أداء القسم الدستوري مرة ثانية أمام مجلس الأمة، وكذلك منعهم من الكلام، فقد استقالت الحكومة وحلت محلها حكومة جديدة، وبادر رئيس مجلس الأمة السيد عبدالعزيز الصقر يوم الثـامن عشر من ديسمبر إلى تقديم كتاب استقالته من رئاسة المجلس، وهو زعيم كتلة التجار داخل المجلس، وأرسل نسخة منه إلى الأمير بوصفه رئيس السلطات، وكان ذلك قبل استقالة الحكومة، ولكنه فضل تأجيلها إلى ما بعد تأدية الحكومة الجديدة القسم الدستوري أمام مجلس الأمة، وبالفعل أعاد طرحها، وهنا تدخل صاحب السمو الأمير الشيخ عبدالله السالم، والتقى رئيس المجلس، وطلب منه العدول عنها إلى أن تهدأ الأمور، وبالفعل كان له ما طلب، فأرجأ رئيس مجلس الأمة عبدالعزيز الصقر الاستقالة إلى أن تستقر الأمور.
وقد ألقت الأزمة الدستورية بظلالها على الحكومة؛ حيث تسببت بانقسام وانشقاق في مجلس الوزراء بشأن معالجتها، ورفض رئيس الوزراء بالنيابة الشيخ جابر الأحمد استقالة بعض الوزراء؛ لأن مطالب الكتلة النيابية تعدت طلب استقالة بعض الوزراء إلى حجب الثقة عن الحكومة.
بينما واصل الشيخ جابر الأحمد رئيس مجلس الوزراء بالنيابة ووزير المالية اتصالاته مع النواب المنسحبين، وتردد حينها أنه كاد أن يتوصل معهم لاتفاق، وفي يوم 21 ديسمبر سافر الشيخ جابر الأحمد إلى بومباي لعرض الأمر على الشيخ عبدالله السالم، حيث قطع الأمير إجازته، وعاد إلى الكويت يوم 27 ديسمبر، وكان أمامه خياران لمعالجة الأزمة: إما حل مجلس الأمة، وإما إقالة الوزارة، ورجحت كفة الخيار الثاني، فقدمت الحكومة استقالتها مساء الاثنين 28 ديسمبر، وقبلها الأمير، وسرت وقتها شائعات عن ترشيح الشيخ جابر الأحمد، أو الشيخ عبدالله الجابر لرئاسة الحكومة، ولكن الأمير أعاد تكليف الشيخ صباح السالم بتشكيل الحكومة، حيث رفع رئيس مجلس الوزراء في الثاني من يناير عام 1965م كتاب تشكيل الحكومة الجديدة، وصدر مرسوم تشكيلها في اليوم التالي، وكان يوافق الأول من شهر رمضان المبارك عام 1384هـ، وعقد مجلس الأمة جلسته في 5 يناير، حيث أدت الحكومة الجديدة، وهي الرابعة بعد الاستقلال، والثالثة في العهد الدستوري، اليمين أمام مجلس الأمة، بعدما أدتها أمام الأمير على الرغم من أنها ضمت في صفوفها وزيرين جديدين من التجار.
وقد خرج ستة وزراء من أعضاء الحكومة السابقة التي لم تتمكن من أداء اليمين الدستورية أمام مجلس الأمة، وهم السادة: حمود النصف، وخليفة الغنيم (كان عضوا في الحكومة السابقة)، وعبدالعزيز الشايع، وعبداللطيف محمد ثنيان الغانم (كان عضوا في الحكومة السابقة)، ومحمد أحمد الغانم، وعبدالعزيز حسين، بينما شارك في الحكومة الجديدة خمسة وزراء جدد، هم السادة: خالد العيسى الصالح، وصالح عبدالملك، وعبدالعزيز الصرعاوي، وعبدالعزيز الفليج، وعبدالله السميط.
وبعدما أدت الحكومة الجديدة اليمين الدستورية أمام مجلس الأمة في 5 يناير عام 1965م، أصر السيد عبدالعزيز الصقر على قبول استقالته من رئاسة مجلس الأمة، غير أن سفر صاحب السمو الأمير يوم 7 يناير إلى خارج الكويت مرة أخرى؛ لاستئناف علاجه حال دون حسم الأمر، خصوصا أن نائب الأمير قد وجه خطابا إلى الصقر يشير فيه إلى تكليف الأمير له قبل سفره بضرورة «تغليب الصالح العام على أي اعتبار آخر أيا كان، وأن الصالح العام لوطننا العزيز في هذه الآونة، والذي هو أمانة في أعناقنا جميعا يتطلب تعليق أمر هذه الاستقالة إلى حين عودة سموه من الخارج بعد استكمال علاجه، حتى تتاح لسموه فرصة أوسع لتدبير الأمور جميعا لما فيه خير البلاد، وتوطيد أركان الشورى والديموقراطية، وإني على يقين من أنكم بما عرف عنكم من إخلاص وتفانٍ في خدمة وطننا سوف تستجيبون لهذه الرغبة من حضرة صاحب السمو الأمير المعظم، لا بوصفه رئيسا للدولة فحسب، بل باعتباره أباً باراً بأبناء هذا الوطن جميعا»، وقد استجاب السيد عبدالعزيز الصقر لتلك الرغبة الأميرية الأبوية، وأعلن تعليق استقالته في كلمة له خلال جلسة لمجلس الأمة.
استقالة عبدالعزيز الصقر من رئاسة مجلس الأمة 1965م
بعدما عاد الأمير، وقد كان مريضا، من رحلته، تقدم عبدالعزيز الصقر بكتاب استقالته، التي كان متمسكا بها، وضمن هذا الكتاب الموجه إلى أعضاء مجلس الأمة، تأكيد اتهامه أطرافا حكومية متحالفة مع أطراف نيابية بافتعال الأزمة، ويشير في الكتاب إلى أن «الأمر لم يكن فقط وليد الخطأ، أو الإصرار عليه، وإنما كانت هناك أياد من بعض أعضاء الحكومة السابقة – وما تزال – وراء هذا التعنت، ومن فئة منتخبة كان من المفروض فيها أن ترحب قبل غيرها بالتطور الشعبي الواضح في تشكيل تلك الوزارة، حيث زاد عدد أعضاء مجلس الأمة المشتركين في الوزارة من جهة، وزاد عدد الوزراء الشعبيين في جملته من جهة أخرى.
ولكن للأسف الشديد تبين أن هذه الضجة التي افتعلت داخل مجلس الوزراء، لم ترتض التشكيل الوزاري الشعبي المذكور، ولها من الصلة بفريق من النواب المنسحبين ما يجعلها وراء الضجة برمتها.
وقد تعذر عليَّ وجود وسيلة لعودة الأمور إلى مجراها الدستوري الصحيح، ولتجنيب الكويت عواقب هذه الضجة المفتعلة، جرت الأمور على عكس المنطق الدستوري والروح الديموقراطية، وجاءت على هوى الانحراف في تفسير الدستور... وإزاء ذلك كله استحال عليّ الاستمرار في القيام بواجبي رئيسا للمجلس في هذا الجو المشحون بالمخالفات دون توخ للعواقب، ومن ثم أطلب من المجلس الموقر قـبول استقالتي».
لذلك لم يكن بد من قبول الاستقالة، حيث وافق المجلس على استقالة الرئيس في 16 فبراير عام 1965م، وانتخب السيد سعود العبدالرزاق رئيسا له.
استقالته من عضوية مجلس الأمة عام 1967م
حذرت صحيفة «أخبار الكويت»، التي يترأسها عبدالعزيز فهد الفليج، من تزوير الانتخابات قبل انطلاقها؛ مما جعل المجاميع السياسية تراقب عملية الاقتراع، وتترصد وقائعها ونتائجها، وقد عقدت الانتخابات النيابية لمجلس الأمة للمجلس التشريعي الثاني عام 1967م، وقد شاب عملية فرز النتائج بعض الشوائب، وكان من نتيجتها تدخل السلطة في النتائج، وخسارة بعض أبرز الوجوه، مثل الدكتور أحمد الخطيب، وجاسم القطامي، وهما من القوميين العرب، لمقعديهما، على الرغم من حصولهما في الانتخابات السابقة على أكثر من ألف صوت، وتحديدا انتخابات 1963م.
وقد تم الاتفاق بين مجموعة من الأعضاء الفائزين في الانتخابات بعد إعلان النتائج على تقديم الاستقالة، وكان عبدالعزيز حمد الصقر أحد أبرز تلك الوجوه؛ احتجاجا على ممارسات السلطة، وكانت معارضة تتميز بالرقي، وتسجيل الموقف للتاريخ أولاً، وفي سجل تاريخ أعضاء مجلس الأمة ثانيا، فامتنعوا عن الحضور، وكان التغيب من دون عذر مقبول لخمس جلسات متتالية، يعني إسقاطاً لعضويتهم، وإعلاناً لخلو مقاعدهم في جلسة 4 أبريل 1967م، وفيما يأتي أسماء النواب الذين امتنعوا عن حضور الجلسات، وهم: عبدالعزيز حمد الصقر، وعبدالرزاق الخالد، ومحمد عبدالمحسن الخرافي، وراشد عبدالله الفرحان، ومحمد يوسف العدساني، وخالد المسعود الفهيد، وعلي عبدالرحمن العمر.
وجرت بعدها عملية انتخابات تكميلية، ونجح بدلاً منهم عدد من المرشحين، وبذلك أسدل الستار على المسار البرلماني والتشريعي في حياة عبدالعزيز حمد الصقر، ولم يترشح بعدها للبرلمان، ولم يخض انتخابات مجلس الأمة؛ مكتفيا بمسيرة ومواقف، ولحظات خالدة في التاريخ، جعلت نظافة اليد، والإصرار على القرار، والاحتفاظ بقيمة الكلمة نهجا له عرف به على مدار أعوام كثيرة، وظلت السلطة تقدره، وتعي أن القرارات تأتي بهمم أصحابها.