كلها زوبعة في فنجان، فالغضب والحنق على وزير التربية من معظم صحف الأمس، ومن «ليبرال» الكويت، لأن الوزير بصم دون تردد على طلب النائب محمد هايف بمنع الاختلاط في الشعب الدراسية، هي زوبعة في فنجان، لأن مثل هذا الاعتراض على تدروش الدولة وتزمتها تأسس عبر سنوات طويلة من ممالأة الحكم للقوى الدينية التي نشأت وترعرعت في الأحضان الدافئة للسلطة، وتحديداً منذ منتصف السبعينيات، وبعد الحل الأول لمجلس الأمة وإغلاق نادي الاستقلال وفتح الأبواب للجماعات الدينية المسيسة وتشجيعها على ترسيخ قواعدها في الوقت ذاته.
الغضب على سياسة البصم الحكومية لرغبات النواب المحافظين لن يكون مجدياً، فهؤلاء سيقولون بحق «ماذا يهم الذئب من... النعجة»، وتدرك تلك الجماعات القوية بيقين ثابت أن الدولة مركبة من شيوخ ومشايخ ولا شيء غير ذلك، وأن شرعية الأوليين تعتمد بصفة أصلية على فتاوى ورضى الثانيين أي مشايخها، ماذا يهم بعد ذلك إن اعترض فلان وعلان... فكل ذلك رغي وزبد سيزول في النهاية.
من غير المجدي تذكير السلطة السعيدة بشعبيتها الجديدة والعريضة مع نواب «ويحك» بحكم المحكمة الدستورية عام 2015، الذي حدد مفهوم الاختلاط بكراسي الدراسة، فقبل هذا الحكم بسنوات طويلة صدر في عهد الوزير التقدمي ذلك الوقت المرحوم د. أحمد الربعي عام 96 قانون منع الاختلاط في الجامعة، وصوتت الحكومة معه ولم ترده السلطة على المجلس بل باركته، وكان ذلك دليلاً على واقع تحالف المصالح السياسي بين الشيوخ والمشايخ، والآن يمكن تصور أن مثل التحالف الذي حوط الدولة بقلاع العصور الوسطى ازداد قوة بعد نتائج الانتخابات الأخيرة، فمن يكترث اليوم لقضايا التحديث والتقدم والانفتاح والحريات والإصلاح، الدولة ليست ماشية «سماري» هي تائهة تماماً في ظلام دامس ولا أحد يبدو مكترثاً عند أهل البخاصة.