«الشال»: غياب التعامل الاستباقي مع «الجليب» حوّلها ورماً مستعصياً
• الحكومة قفزت إلى الحلول السهلة عبر العلاج بالمال دون الانتباه للعواقب المستقبلية
• شخص من كل 17.5 في الكويت يقطنون داخل «علبة سردين»
• الرؤى الحكومية جميلة ورقياً والواقع يمكَِن الوزارات من مخالفتها بالاتجاه لأولوياتها الخاصة
• تأجيل مواجهة مشكلات كالتعليم والبطالة والرواتب الاستثنائية يصل بالبلاد لمرحلة الخراب
قال التقرير الأسبوعي لمركز «الشال» الاقتصادي، إن وزير الدولة لشؤون البلدية صرح ما معناه بأن منطقة جليب الشيوخ باتت في حالة يستعصي علاجها، ويتجه تفضيل اللجنة المشكلة لدراسة أوضاعها إلى الحل الجذري، أو مقترح استملاك غير المستملك منها بتكلفة بحدود 1.432 مليار دينار.
في التفاصيل، بلغ عدد سكان منطقة جليب الشيوخ نحو 274.025 نسمة، وفي آخر تقرير صادر عن الهيئة العامة للمعلومات المدنية يغطي حتى 30/06/2023، بلغ عدد سكان الكويت نحو 4.824 ملايين نسمة، أي أن منطقة مساحتها 8.281 كم² فقط، أو نحو 1% من المساحة المأهولة للبلد وهي بحدود 15% من مساحتها الكلية، يقطنها 5.7% من سكان كل الكويت، أي أن شخصاً من كل 17.5 شخصاً في الكويت، يقطن في علبة السردين تلك.
وخطيئة التعامل مع تلك القضية تكمن في محورين، الأول، هو ذلك القفز إلى الحلول السهلة، أو العلاج بالمال، وخطورته تكمن في أنه هروب وقصور لدفن الظاهر من المشكلة على المدى القصير فقط بدلاً من مواجهة مخالفاتها الجسيمة.
خطيئة التعامل مع التكدس السكاني تكمن في القفز إلى الحلول السهلة أو العلاج بالمال
فالمقدر لاستملاكها نحو 1.432 مليار دينار كان الإجراء المفضل من دون أي مقاربة على مستوى الدولة للاستخدامات البديلة لتلك الأموال، ولا ما يتطلبه استكمال مشروعها بعد الاستملاك من أموال طائلة أخرى، ولا ما يمكن أن تفتحه من أبواب للمطالبة بالمثل.
ولا نعتقد أن هناك خطة مسبقة للتعامل مع إعادة استيعاب نحو 5.7% من سكان الكويت حال إخلاء تلك المنطقة، غير ما ذكر عن مشروعات مدن عمالية قد يطول وقت إنجازها حالها حال مبنى الجامعة والمطار وحتى مشروع دروازة العبد الرزاق، أو مجرد البدء في إصلاح الشوارع وحفرها.
المحور الثاني وهو الأخطر، هو أن قضية جليب الشيوخ كانت منذ زمن بعيد معروفة بكل مشكلاتها عندما كانت تلك المشكلات صغيرة، وغياب التفكير والتعامل الاستباقي مع تلك المشكلات في الكويت ينفخها تدريجياً حتى تتحول إلى أورام يستعصي حلها.
ولو كانت هي المشكلة الوحيدة، لهان الأمر، لكنها مشكلات تبدأ صغيرة وتهمل وتنمو على كل الجبهات، ولن نقوم بحصرها، ولكن من أمثلتها التوسع الأفقي في السياسة الإسكانية واستمراره مستحيل، ومن نماذجها التركيبة السكانية وتحديداً في النوع، ومن أمثلتها التعليم المتخلف 4.8 سنوات، ومن أمثلتها سوق العمل المواطن ببطالته المقنعة التي تفوق نصف أعداده، ومن أمثلتها عجز المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية المحتمل عن مواجهة مستحقات المستقبل للمتقاعدين، ومن أمثلتها التسامح مع تزوير الجنسية وشهادات التعليم العالي، وآخرها فضيحة الرواتب الاستثنائية.
كلها وعشرات غيرها، تحتاج إلى مفاضلة حول أولويتها ومتطلبات حلولها، وبين قرار استملاك جليب الشيوخ، وكلها تحتاج إلى مواجهة استباقية حتى لا تبلغ مرحلة الخراب المستعصي لجليب الشيوخ، وكلها في الطريق إلى بلوغ ذلك المستوى من الخراب إن استمر تأجيل مواجهتها، ومن ضمنها استحالة استدامة المالية العامة واستدامة الاقتصاد.
عندما تعلن دولة عن رؤية أو تعلن حكومة عن برنامج، لابد وأن تكون كل قضاياها على الطاولة مع مفاضلة تحدد الأولويات وفقاً للأهمية ووفقاً لوفرة الموارد المالية والبشرية المتاحة لمواجهتها، ما يحدث في الكويت، هو أن الرؤى والبرامج جميلة على الورق، بينما الواقع أن كل وزارة، أو حتى لجنة، قادرة على الاتجاه في البلد إلى أولويتها حتى لو كانت مناقضة لكل ما كتب على أوراق الرؤى والبرامج.