أكد وزير العدل الأسبق د. نواف الياسين أن مسؤولية عضو مجلس إدارة أي شركة تتركز في محورين مهمين، أولهما اقتراح وإقرار موضوعات لأنشطة تجارية واقتصادية تسهم في تحقيق أغراض الشركة، والثاني في التحقق من مدى سلامة الإجراءات التي تقوم بها الإدارة التنفيذية للشركة، بحيث لا يكون هناك ضرر بمصلحتها، أو تجاوز القواعد القانونية أو المالية، وألا تكون لها تبعات سلبية على مركز الشركة القانوني.
وقال الياسين، في دراسة خص بها «الجريدة»، بعنوان «المسؤولية القانونية بين عضو مجلس الإدارة ومراقب الحسابات الخارجي» إنه إعمالاً لقواعد الحوكمة يجب ألا تفهم هذه النصوص بالسماح لعضو مجلس الإدارة بالتغول على الإدارة التنفيذية وسلب اختصاصاتها، أو مزاحمتها في مسائل لا تدخل من ضمن اختصاص وأعمال مجلس الإدارة، ومن هذا الباب يبرز دور مراقب الحسابات الخارجي والذي يقوم على فكرة الرقابة الشاملة التفصيلية لعمل الشركة. وفيما يلي نص الدراسة:
إنه من المسلم به أن مسؤولية عضو مجلس إدارة الشركة تتركز حول موضوعين، الأول وهو اقتراح وإقرار موضوعات لأنشطة تجارية واقتصادية تسهم بتحقيق أغراض الشركة، والتي هي بالمحصلة النهائية تحقيق أعلى قدر من الأرباح، وهو ما قررت المادة الثالثة من قانون الشركات رقم 1/2016 في معرض تعريفها للشركة، أما المسؤولية الأخرى لعضو مجلس الإدارة، فهي التحقق من مدى سلامة الإجراءات التي تقوم بها الإدارة التنفيذية للشركة والأجهزة المعاونة لها، أي ألا تكون هناك تعاملات ضارة بمصلحة الشركة أو تجاوز للقواعد القانونية أو المالية، ويكون لها تبعات سلبية على مركز الشركة القانوني.
صلاحيات واسعة
وفي سبيل تحقيق ذلك منح المشرع صلاحيات واسعة لعضو مجلس الإدارة ومكنه من التتبع والتحقق عن كل الموضوعات ذات العلاقة بالشركة في إطار دوره الرقابي على الإدارة التنفيذية، فقد نص في (بند 3)، 7-2 من الكتاب الخامس عشر (حوكمة الشركات) على «التأكد من أن أعضاء مجلس الإدارة يمكنهم الوصول بشكل كامل وسريع إلى كل المعلومات والمستندات الخاصة بالشركة»، ويضاف لذلك أن المشرع مكن عضو مجلس الإدارة بأن يتخذ موقفا قانونيا منفردا قد يتعارض مع توجه مجلس الإدارة إذا كانت قناعاته تختلف مع ما اتفق عليه بين أعضاء مجلس الإدارة الآخرين إذا رأى منفردا أنه لا يصب في مصلحة الشركة، أو أن ذلك يتعارض مع مقتضيات حسن الإدارة والرشد في تسخير موارد الشركة لخدمة أغراضها.
لكن إعمالاً لقواعد الحوكمة يجب ألا تفهم هذه النصوص على أنها تسمح لعضو مجلس الإدارة بالتغول على الإدارة التنفيذية وسلب اختصاصاتها، أو مزاحمة الإدارة النفيذية في مسائل لا تدخل من ضمن اختصاص وأعمال مجلس الإدارة، أي أن هناك حدودا لسلطان مجلس الإدارة وفصلا لمكونات الشركة، لكن يجب التأكيد أن مجلس الإدارة صاحب المسؤولية الأكبر لتحقيق أهداف المساهمين ومتابعة أعمال الإدارة التنفيذية وهذا ما قررته المادة 1-3 من الكتاب الخامس عشر (حوكمة الشركات).
رقابة شاملة
ومن هذا الباب لمساعدة مجلس الإدارة للقيام بالدور المناط به بشكل فعال، يبرز دور مراقب الحسابات الخارجي والذي يقوم على فكرة الرقابة الشاملة التفصيلية لعمل الشركة ومن ثم إخطار مجلس الإدارة بنتائج اعماله. فرغم أن الدور الأساسي الذي يقوم به مراقب الحسابات هو دور للرقابة المالية، فإنه بتتبع المسائل المالية تبرز لهذه الجهة (أي مراقب الحسابات) مسائل إدارية وفنية أخرى مرتبطة بنشاط الشركة، لذلك يعتبر مراقب الحسابات الخارجي هو المؤتمن على الوضع المالي «وغير المالي» للشركة ومدى سلامته القانونية قبل مجلس الإدارة وأعضاء الجمعية العامة للمساهمين وهيئة أسواق المال بصفتها الجهة الرقابية، بمعنى آخر لن يتسنى لعضو مجلس الإدارة من الناحية «العملية» القيام بواجبات العضوية فيما يتعلق بالرقابة على مالية الشركة والعديد من الجوانب الفنية في عملها، إلا بمساندة ودعم المراقب الخارجي للشركة وبغياب هذا الدعم أو إذا ما كان هناك تضليل لعضو المجلس فيما يصل إليه من تقارير من مراقب الحسابات الخارجي فإن قدراته بالرقابة على أعمال الشركة تكون محدودة ولن يستطيع الاستفادة الحقيقية من الصلاحيات التشريعية الممنوحة له.
مخالفات مالية أو قانونية
وعليه يمكن التقرير أن مراقب الحسابات الخارجي هو الذراع الاستشارية الرقابية الأهم التي تمكن عضو مجلس الإدارة من تقييم الاعوجاج الذي قد تقع به الادارة التنفيذية أو حتى مجلس الادارة ذاته، ومن ثم يكون من المقبول الدفع بتضليل مراقب الحسابات الخارجي وعدم إمداده لعضو مجلس الادارة بالمعلومات الصحيحة من خلال التقارير التي يقدمها لمجلس الادارة كسبب لدرء مسؤولية العضو في مواجهة الغير في حالة وجود مخالفات مالية أو قانونية تقع ضمن نطاق مسئوليات مراقب الحسابات الخارجي وذلك وفقا للقانون رقم 103 لسنة 2019 ولائحته التنفيذية في شأن مراقبة الحسابات (ايضا المادة/232230 من قانون الشركات و125 من اللائحة التنفيذية للقانون)، وما يتطلبه قانون الهيئة ولائحته التنفيذية من انه يجب على مراقب الحسابات الإلتزام بالأصول المحاسبية والتدقيق والمراجعة، وتقديم تقارير فنية بصورة أمينة وصحيحة لمجلس الإدارة تعكس حقيقة المسائل التفصيلية المحاسبية التي تقدم بشكل مختصر من خلال الميزانيات المجمعة التي يقرها مجلس الإدارة.
مواجهة الغير
وبغير ذلك نعتقد أنه يكون لعضو مجلس الإدارة الاحتجاج في مواجهة الغير بإنتفاء العلم دفعا للمسؤولية، فالمنطق القانوني يقرر أنه ليس على عضو مجلس الإدارة البحث في المسائل المالية التفصيلية والتي هي من صلب عمل مراقب الحسابات، والقول بخلاف ذلك يعني عدم الحاجة لهذا المراقب، لكن يستثنى من ذلك إذا كانت هناك مؤشرات على وجود شبهة مخالفات مالية وصلت لعلم العضو والمسؤول الأول علـى إبرازها للعضو هو مراقب الحسابات بصفته المتعاطي الأول عن هذه الموضوعات المالية التي تصل اليه من الإدارة التنفيذية.
باختصار إن كانت قواعد الحوكمة توجب ان يكون هناك سلطات موزعة داخل الشركة ورقابة متعددة، فإن ذلك يستتبع بالضرورة أن يقوم كل طرف بمسؤولياته وذلك بقدر الصلاحيات الممنوحة له، وإلا كان مسؤولاً منفردا عن الضرر المترتب على هذا القصور فلا يقبل الدفع بشيوع الخطأ وإلا انتفت المسؤولية عن الجميع.