بدا أمس أن الشارع الإيراني لم يتجاوب مع الدعوات، خصوصاً تلك القادمة من معارضة الخارج، للتحرك في الذكرى السنوية الأولى لمقتل الشابة الإيرانية الكردية مهسا أميني، لدى احتجازها من قبل شرطة الأخلاق، بسبب لباسها، وهو ما أطلق أقوى موجة احتجاجات ضد نظام الجمهورية الإسلامية منذ الثورة، في وقت تمكّنت طهران من تحقيق اختراقات خارجية، أبرزها اتفاق المصالحة مع السعودية، والإفراج عن بعض أرصدتها المالية المجمّدة في الخارج، بموجب صفقة مع واشنطن، وهو ما قد يكون انعكس برودةً لدى الشارع الذي يترقّب انعكاسات هذه الاختراقات على الأوضاع المعيشية والسياسية.

ويمكن اختصار أسباب عدم تحرُّك الشارع الإيراني، بـ 7 محاور، تتمثل في الإنجازات الخارجية، والإجراءات التي اتخذتها السلطات، بما في ذلك تشديد الأمن، وتزامن ذكرى مهسا أميني مع ذكرى وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، والإمام الرضا، واقتراب موعد العودة إلى المدارس، وخلافات المعارضة الخارجية، وحسابات المعارضة الداخلية الانتخابية وصراع الأجيال، وتمكُّن السلطات الإيرانية من ضبط الحدود.

Ad

فعلى مدى أسابيع، اتخذت السلطات الإيرانية إجراءات متعددة في محاولة لمحاصرة الشارع ومنع انفلاته، في ظل استمرار التململ من تردّي الاقتصاد وتشديد العقوبات على مخالفي قانون الحجاب الإلزامي، وحملة تطهير استهدفت المعارضين داخل المؤسسات بمن فيهم الإصلاحيون المؤيدون للنظام، كما جرى لاحقاً مع بعض أساتذة الجامعات.

وفي حين طالب والد مهسا، الذي أفادت تقارير بأنه احتُجز لمدة وجيزة، بإحياء ذكرى وفاة ابنته، فإن التحركات انحصرت في عدد قليل من المسيرات والإضرابات في المدن الكردية الإيرانية التي شهدت انتشارا أمنياً واسعاً، مثلها مثل المدن الإيرانية الأخرى كالعاصمة طهران التي شهدت حضوراً لقوات الشرطة والتعبئة الشعبية (الباسيج) وعناصر أجهزة الاستخبارات بلباسهم المدني.

وصادفت ذكرى أميني قرب حلول ذكرى وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم والإمام الرضا، وجاءت وسط العطلة الرسمية التي تزامنت مع نهاية الأسبوع، وهي آخر عطلة قبل بدء العام الدراسي، الأمر الذي دفع بالعديد من الإيرانيين إلى السفر خارج المدن.

ومن الأسباب الأخرى التي أدت إلى عدم تحرُّك الشارع، هو الخلاف الذي اندلع بين أطراف المعارضة الإيرانية في الخارج خلال العام الماضي، بعد أن فشلت محاولات تشكيل مجلس سياسي موحّد بسبب الصراعات على قيادة العارضة، خصوصاً بين رضا بهلوي (نجل آخر شاه لإيران) وشخصيات مستقلة، وهو ما تسبب في إحباط لدى عدد كبير من الإيرانيين الرافضين للنظام الديني الحاكم.

وفشلت المعارضة بالخارج في كسب ثقة الداخل، لعدم قدرتها على تقديم أي مشروع بديل للنظام، ففي حين كان بعض قادة الفصائل الكردية الانفصالية يصرّون على مشاريعهم الانفصالية، تمسّك أنصار الملكية بمطلبهم بإعادة النظام الملكي، سواء الدستوري أو غيره، وطالبت القوى المدنية والديموقراطية بنظام مدني ديموقراطي علماني، في وقت كانت بعض فصائل «مجاهدي خلق» لا تزال تتمسك بضرورة تشكيل حكومة اشتراكية.

من جهة أخرى، فإن معظم المجموعات السياسية الداخلية رفضت التعاون مع معارضة الخارج، بسبب السقف العالي لبعض أطرافها، ومطالبة البعض بمحاسبة جميع المتعاونين مع النظام الإسلامي في حال فشلت مساعي إطاحته.

ووفق مصادر في مكتب المرشد الإيراني علي خامنئي، فإن الأخير وعد قادة المعارضة الداخلية، مثل الإصلاحيين على مختلف فصائلهم وأنصار الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد بإفساح مجلس صيانة الدستور لأنصارهم للترشح للانتخابات النيابية المقبلة.

ويمكن القول إن أحد أسباب عدم تحرّك الشارع، أيضاً، هو الفرق في المطالب بين جيل الشباب والجيل المخضرم الذي تعود مطالبه إلى عقود.

في المقابل، يركّز الشباب على ضرورة تعزيز الحريات السياسية والاجتماعية وتحسين عمل المؤسسات والحوكمة واعتماد أساليب الإدارة الرشيدة والالتحاق بقطار التنمية والحداثة الذي التحقت به عدة دول إقليمية، دون الانزلاق إلى حرب أهلية.

وإضافة إلى ذلك، لم تتحقق مخاوف من تسللات كبيرة لفصائل معارضة من الحدود مع إقليم كردستان العراق وأذربيجان وباكستان، لإشغال القوات الأمنية بالتزامن مع الذكرى. وكانت إيران قد أعلنت الخميس حال استنفار على جميع الجبهات، بسبب هذه المخاوف، ودفعت بقوات أمن كبيرة إلى المناطق الحدودية.