ما الذي يجعل الصحافة الاستقصائية مختلفة؟
أسوأ ما يفتقده الصحافيون الاستقصائيون عدم وجود حماية لهم، وفي الغالب يتعرضون للاغتيال، نظراً لخطورة التحقيقات التي يجرونها وينشرونها في العلن، إذ يشكو المختصون من غياب التشريعات اللازمة والضرورية لحمايتهم، وهذا أمر ملح وضروري لكي يشعر هذا «الصحافي الاستقصائي» بنوع من الطمأنينة.
بيئة الصحافة الاستقصائية تحتاج إلى التحصين والتعزيز، فالحصول على المعلومات ليس سهلاً، وغالبية الدول العربية تفتقد إلى هذا النوع من القوانين، أضف إلى ذلك يجد الصحافي الاستقصائي نفسه محاصراً وغير مرغوب فيه.
ومثل أي مهنة صاعدة يتطلب نجاحها وجود ورش تدريب ومراكز إعداد وتهيئة مسبقة، وربما كانت محدودية هذا الجانب عائدة إلى حداثة هذا النوع في عالمنا العربي، ومن المراكز الناجحة في المنطقة شبكة «أريج» ومقرها في الأردن، ولديها مكتب في بيروت، فقد رعت تأسيس جيل في مجال التحقيقات الاستقصائية المتلفزة، واستطاعت أن تجمع جيلين الأول القادم من الصحافة الورقية، والثاني الناشئ في بيئة العالم الرقمي والافتراضي، ساهمت في الارتقاء بمستوى الصحافة الاستقصائية وتثبيت مناهجها العلمية، بعدما أصبح لديها خبرة بالتعامل مع الأوضاع الصعبة لإنتاج التحقيقات، وبالتالي تمكنت من رفع الصوت بأهمية الصحافة الاستقصائية، وعمرها اليوم زاد على الـ17 عاماً، دعمت خلاله 900 تحقيق استقصائي وتقرير معمق.
وكان لشبكة الجزيرة القطرية حضور قوي بتأسيس وحدة التحقيقات الاستقصائية عام 2012 استهلت عملها في بحث مضن في وثائق المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، والكشف عن أدلة دامغة تثبت وفاة ياسر عرفات مسموماً بمادة البولونيوم المشعة.
إلى جانب «أريج» وهي الأعرق، هناك «الشبكة العراقية للصحافة الاستقصائية» ويرمز إليها بـ«نيريج» عجّل بولادتها بيئة سياسية فاسدة وقمع للحريات ومصادرة للآراء الحرة، وفي العراق هناك صحافيون استقصائيون دلوفان برواري، وأسعد الزلزلي، وسامان نوح، وميادة داود، ومنتظر ناصر، وتحسين الزركاني ووحيد الجنابي.
كذلك رائد الصحافة الاستقصائية العربية يسري فودة عبر برنامجه «سري للغاية» و«السلطة الخامسة» وأسامة الديب، ومحمود الواقع، ومحمد أبو العينين من مصر، ومن تونس حنان زبيس، ومن اليمن أصيل سارية، ومن الجزائر إلياس حلاس، ومن الأردن مصعب الشوابكة ومحمد غباري، ومن لبنان رنا نجار، ومن فلسطين ربى عنتاوي، ومن سورية لينا الجودي وفراس فياض، ومن البحرين باسل الحمدو، ومن المغرب حسان العيادي فضلاً عن صحافيين عرب آخرين.
أطلقوا عليهم تسمية «المنقبون عن الفساد»، نذكر أشهرهم، عبدالمنعم سليمان (سوداني)، و«برنامج يسقط حكم الفاسد»، من تلفزيون الجديد في لبنان بقيادة، رياض قبيسي وهادي الأمين وليال بوموسى، أما على المستوى العالمي فهناك الصحافي الاستقصائي الأميركي الذي فضح الكثير من مشاريع الغرب والأتراك في سورية، تعرض للاغتيال قبل عامين في تركيا.
ومن أوائل الصحافيين الاستقصائيين في العالم «بوب ودورد» مفجر فضيحة ووترغيت، التي أدت إلى استقالة الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون، وكان حقاً من الصحافيين المحترمين ذائع الصيت.
ومن أبرز الصحافيين الاستقصائيين الذين كانوا هدفاً للتصفية الجسدية بسبب تحقيقاتهم ما يلي:
1- دورتي كيلغالن، أميركية اغتيلت عام 1965، توصلت إلى معلومات مهمة من شأنها أن تعيد ملف اغتيال جون كنيدي.
2- نوربرت زونغو، من بوركينا فاسو، اغتيل عام 1968، نشر تحقيقات استقصائية عن فساد وأبرز وجوه السلطة.
3- آنا بوليتكوفسكايا روسية اغتيلت عام 2006 بسبب كشفها انتهاكات إبان الحرب الروسية في الشيشان.
4- تشونسي بيلي أميركي، اغتيل 2007 كشف عن مطاعم ومخابز شهيرة تخفي وراء عملها التجاري جرائم عدة.
5- دافني كارونا، مالطية اغتيلت عام 2017 بسبب كشفها فضائح فساد ومتورطين من المسؤولين والمقربين من رئيس الوزراء، وهناك آخرون بالطبع لا تسعفنا المساحة لنشر أسمائهم.
في هذا الإطار توسعت دائرة المنظمات والرابطات ذات العلاقة، ومنها رابطة الصحافة الاستقصائية، ومنظمة المحررين والصحافيين، أما أشهر ست جهات دولية عملت على تسريب وثائق سرية هزت عروش ملوك ورؤساء، وأحدثت زلازل لأصحابها فهي: «ويكيليكس، وثائق سويس ليكس، وثائق بنما، وثائق برادايس (أوراق الجنة) تسريبات فينسن، وثائق باندورا»، ووراء كل مجموعة عدد من الصحافيين الاستقصائيين والاتحادات الدولية التي اشتركت وتعاونت بتتبع وكشف الأسرار.