يواصل الاقتصاد العالمي صموده بشكل أفضل من المتوقع، في ظل مساهمة مرونة الإنفاق الاستهلاكي وانخفاض العرض في أسواق العمل في تعزيز نمو الأسواق المتقدمة، خاصة في الولايات المتحدة، هذا لجانب انحسار مخاوف الركود.

وحسب تقرير صادر عن بنك الكويت الوطني، تراجعت معدلات التضخم مقارنة بأعلى مستوياتها المسجلة، مما ساهم في دعم ثقة المستهلكين والشركات، وعزز التوقعات بأن تشديد السياسة النقدية من كبريات البنوك المركزية قد وصل إلى نهايته.

Ad

إلا أن الارتفاع الأخير لأسعار النفط والمواد الغذائية العالمية وبقاء معدلات التضخم الأساسية أعلى بكثير من المستوى المستهدف في الولايات المتحدة وأوروبا، قد يؤديان لاستبعاد خفض أسعار الفائدة في وقت مبكر من عام 2024، مما قد يؤجج الرياح المعاكسة لنمو الاقتصاد الأميركي العام المقبل.

وفي ذات الوقت، فإن بيانات النمو الاقتصادي الضعيفة في الصين حفزت الحكومة لتقديم دعم أقوى في الآونة الأخيرة. وإذا نجح ذلك المسار في تعزيز النمو، فسوف يؤثر بصورة إيجابية على الصادرات الأوروبية واليابانية، على الرغم من المجازفة أيضاً بدفع التضخم العالمي للارتفاع.

وقد تخطّى أداء الاقتصاد الأميركي التوقعات، إذ سجل الناتج المحلي الإجمالي نمواً مفاجئاً تبددت على أثره إمكانية الركود هذا العام.

وتسارعت وتيرة نمو الناتج المحلي هامشياً إلى 2.1 بالمئة على أساس ربع سنوي (معدلة على أساس سنوي) في الربع الثاني من العام الحالي مقابل 2 بالمئة في الربع السابق بفضل زيادة الاستثمار في أنشطة الأعمال وقوة الإنفاق الأسري نسبياً.

واستمر الزخم الإيجابي في الربع الثالث من العام في ظل النمو القوي للإنتاج الصناعي وزيادة مبيعات التجزئة خلال شهري يوليو وأغسطس.

كما انتعشت مبيعات المنازل الجديدة بفضل قلة المعروض من الوحدات القائمة المخصصة لأسرة واحدة.

ومن جهة أخرى، ارتفع مؤشر مديري المشتريات لقطاع الخدمات الصادر عن معهد التوريد الأميركي في أغسطس إلى 54.5 نقطة، كما وصل مؤشر قطاع التصنيع إلى 47.6 نقطة، مما يشير إلى تباطؤ وتيرة الانكماش.

وتشير مسوحات الآراء لتسجيل الناتج المحلي نمواً قوياً مرة أخرى بنسبة 2.8 بالمئة في الربع الثالث من العام، على الرغم من أن النمو في الربع الرابع قد يتأثر باستئناف سداد ديون الطلاب المستحقة في أكتوبر.

وما يزال ضعف العرض في سوق العمل يلعب دوراً جوهرياً في مرونة الاقتصاد الأميركي. وعلى الرغم من تراجع نمو الوظائف الشهرية عن معدلاتها غير المستدامة التي تم تسجيلها العام الماضي، فإن معدل البطالة البالغ 3.8 بالمئة أصبح قرب أدنى مستوياته التاريخية، كما وصل نمو الأجور الحقيقية الآن للمنطقة الإيجابية.

وما لم يشهد سوق العمل تقلبات واسعة النطاق، فمن المتوقع أن يستمر صمود الإنفاق الاستهلاكي وآفاق النمو الاقتصادي، مما قد يخفض من أثر ارتفاع أسعار الفائدة.

كما أن مؤشر أسعار المستهلكين ما زال يتحرّك ضمن مسار متباطئ، إذ بقي معدل التضخم الأساسي وفقاً لمؤشر أسعار المستهلكين أعلى من المستوى المستهدف بوصوله إلى 4.3 بالمئة على أساس سنوي في أغسطس، إلا أنه أصبح بعيداً عن مستوى الذروة البالغ 6.5 بالمئة والذي سجله العام الماضي، ومن المتوقع أن نشهد المزيد من التباطؤ في المستقبل مع ظهور التأثير المتأخر للانخفاضات السابقة لتكاليف المأوى.

ومع وصول سعر الفائدة المستهدف على الأموال الفدرالية الآن إلى 5.25-5.50 بالمئة، تكون بذلك أسعار الفائدة الحقيقية في المنطقة الإيجابية.

ويتوقع أن يرفع مجلس الاحتياطي الفدرالي سعر الفائدة مرة أخيرة بمقدار 25 نقطة أساس في نوفمبر.

إلا أنه نظراً لنمو الاقتصاد بمعدل يساوي أو يتخطى متوسط مستوياته المسجلة في هذه الفترة، وفي ظل استمرار نمو الأجور، وارتفاع أسعار السلع الأساسية مرة أخرى، وعدم ثبات بعض المؤشرات الأخرى الضيقة للتضخم، لن يتمكن الاحتياطي الفدرالي من إعلان انتصاره في معركة التضخم بسرعة كبيرة، وقد يتم تأجيل خطوة خفض أسعار الفائدة حتى النصف الثاني من العام المقبل.