مَن يُلقِ نظرة عامة لدول العالم العربي برمّته، يُذهله عدم خلوّ أي دولة فيه من دستور ينظم شؤون الحكم والسلطات وحقوق الشعب بالدولة، بل يذهل أكثر لكون طبيعة تلك الدساتير متطورة في نصوصها، وأحكامها تضاهي أفضل الدساتير المعروفة في الديموقراطيات المتقدمة، سواء بنظمها الرئاسية أو البرلمانية الملكية التقليدية، أو البرلمانية غير التقليدية. وينطبق هذا الأمر على دولتنا الحبيبة الكويت، التي سطرت في العقود الثلاثة الأولى من عمر دستورها تجربة رائدة ورائعة.
إلّا أن المتمعن في وضع الأنظمة الدستورية العربية عامة، والنظام الدستوري الكويتي اليوم خاصة، يدرك أننا أمام قصة مختلفة، وتهميش للدستور ورَكْن لأحكامه، من خلال قوانين وممارسات أفسدت نظامه وخرّبت أحكامه ونصوصه.
وتتلخص القصة بما سأسطره في هذه المقالة، بكل أسف.
نرى ذلك أولاً حينما تصبح الدساتير ديكوراً أو تحفة أو لوحة أوعِقداً يتم اقتناؤها لغرض التجمّل والتباهي بها، ويتم فعلياً وواقعياً وضعها على الأرفف وعدم الالتزام بها!
الكل يدّعي وصلاً وتمسُّكاً بالدستور، والكل يقسم على احترامه، والكل يرفع صوته يومياً بادّعاء حمايته والحفاظ عليه، وواقعياً وفي الحقيقة أن وزراء ونواباً ومسؤولين هم أول من يخالف الدستور وينتهك أحكامه، والدستور بالنسبة إليهم مطيّة يتم ركوبها من أجل التجمّل والظهور بمظهر الإنسان الملتزم والحريص على القانون ودولة المؤسسات!
والحقيقة أنهم يعطّلون أحكامه بالواسطات غير المشروعة! وهم ينتهكون نصوصه بالتدخل في أعمال السلطات بعضها البعض بأعمال أقرب إلى الفوضى أو «البلطجة»!
إنهم يفرّغون مبادئه بتزوير الجناسي ومنحها لمن لا يستحق، والتوسط بالأمور السيادية والأمنية الخطيرة، وبتغيير صفة الكويتي، والعبث بجنسية الوطن خلافاً للدستور ويعبثون بالهوية الوطنية!
وهم ينقضون أحكامه ويحنثون بقسمهم عليه لهثاً وراء مصالحهم الشخصية بمناقصات أو عقود أو تكسّبات وعطاءات بعيداً عن مصلحة الدولة، بل وعلى حساب المال العام أو الوظائف في الدولة، أو تفريطاً بمبادئ العدالة والمساوة وتكافؤ الفرص!
وهم - أو على الأقل معظمهم - قد ملأوا سجلات الناخبين بما يقارب نصفهم أو ربما أكثر بمزوّرين أو متجنسين من دون وجه حقّ أو مزدوجين أو مغيّرين لبياناتهم، (ولذا فهم يخشون فتح ملفات الجنسية وقيام هيئة عامة مستقلة للجنسية من رجالات الكويت الثقات) خوفاً على أنفسهم، وطمعاً بكراسيهم، وتفريطاً بالدولة ومصالحها العليا وتكوينها وسيادتها، وبما يجعل إرادة الأمة مزوّرة، ويدّعون بعد ذلك أنهم يمثّلون الأمة، والحقيقة أنّ المادتين 91 و108 من الدستور براءٌ منهم!
فالدستور ليس عِقد زينة، بل هوعَقدٌ سياسي واجتماعي، ينبغي أن تعلو أحكامه وتسمو على الجميع حكاماً ومحكومين، أعضاء وناخبين، وزراء ومواطنين! فمتى كان الدستور مجرد تحفة أو لوحة أو عِقْدٍ يتم اقتناؤه أو التغنّي به للتجمل به أو الضحك على الناس؟ والحقيقة أن مَن يُفترض بهم حماية الدستور هم مَن يعطلونه وينتهكونه ويفرّغونه من أحكامه وينقضونه ولا يلتزمون به، ولذا فإن وجودهم يصبح عبثاً وضرباً بالدستور والنظام!
فما بالكم حينما تكون هيئة الناخبين - التي يمثّلونها بل وينفخون فيها - مشوبة بالآلاف ممن هناك شك في جنسياتهم وسلامتها قانونياً، ما بين تزوير وازدواج وتغيير للبيانات؟ حينها تصبح إرادة الأمة - حتماً - فيها خلل جسيم، يستدعي عدم إجراء أية انتخابات حتى يُغربل ملف الجنسية، وهي ضرورة من ضرورات الأمن الوطني، والضرورات تبيح المحظورات، حفاظاً على سيادة الدولة ودستورها!
أيها السادة، ويا كل مَن يهمه الأمر:
الدستور ليس عِقداً للزينة، بل هو عَقدٌ اجتماعي وسياسي لحماية الدولة وسيادتها ومكوناتها، صوناً لها من العبث والتشويه والتزوير والادّعاء.