هل تنقذ اللامركزية لبنان من التقسيم؟
• نقاشات تحت مظلة «الطائف» بين وفد سنّي ورهبان الكسليك
تتجدد المساعي للعودة إلى أسس الالتقاء بين السنّة والمسيحيين على رؤية موحدة ومشتركة للبنان. ففي ظل تنامي الحملات الداعية إلى التقسيم والفدرالية والخروج من اتفاق الطائف، لا تزال بعض الدوائر تنشط في سبيل العمل على تطبيق اتفاق الطائف، ومن ضمنه اللامركزية الإدارية.
ولا تبدو أن طروحات التقسيم و«الفدرلة» تلقى تأييدا سياسياً أو دينياً على الساحة المسيحية، وعلى الرغم من أن هناك موجة شعبية تؤيد مثل هذه الخيارات، فإن الكنيسة المارونية ترفض مثل هذه الطروحات، وتتمسك بالحفاظ على لبنان الموحد، وعلى المناصفة مع تعزيز اللامركزية الإدارية، وفق ما نص عليه اتفاق الطائف.
ولا ينفصل الموقف المسيحي في لبنان عن موقف الفاتيكان، فمنذ سنوات شدد البابا فرنسيس على ضرورة اندماج أبناء المشرق العربي في دولهم ومجتمعاتهم ورفض الهجرة أو الانزواء، وهذا ما شدد عليه البابا في وثيقة الأخوة الإنسانية التي أقرت بين الفاتيكان والأزهر الشريف في دولة الإمارات عام 2019. ولا يزال الفاتيكان والبطريركية المارونية يعملان وفق هذه التوجيهات.
وتحت هذا السقف، شهد لبنان تحركاً لافتاً قام به وفد سنّي من خلال زيارة جامعة الكسليك للقاء الرهبان الموارنة الذين عملوا على إعداد مشروع للامركزية الإدارية. وقد ترأس وفد الجامعة الرئيس فؤاد السنيورة، يرافقه وزراء ونواب سابقون هم خالد قباني، وسمير الجسر، وأحمد فتفت ومصطفى علوش، حيث عقدوا لقاءات مع رجال الدين المسيحيين.
وخاض الطرفان غمار الحوار حول اللامركزية، وضمناً، غمار اكتشاف «الآخر»، كما يقدّم نفسه من دون أحكام مسبقة.
وبحسب المعلومات، فإن السنيورة والوفد المرافق له، عبّروا عن الرضا عمّا سمعوه من الرهبان والخبراء من تأكيد بأن مشروعهم للامركزية مستوحى من اتفاق الطائف وتحت سقفه. وسُرّ الرهبان والخبراء بتفهُّم الوفد لوجوب البحث جديّاً بتطبيق اللامركزية، والانفتاح على نقاش «فعّال»، كما وصفه السنيورة.
ولمس الوفد أن «الجامعة والرهبنة ضد كل مشاريع التقسيم والفدرلة. وهي تبدي حرصاً واضحاً للعمل على الحفاظ على وحدة لبنان»، لذلك اتفقا على استكمال النقاش.
كما شرحت الجامعة أنها «ستستكمل العمل على اللامركزية وتفصّل بنودها وآليات تطبيقها، آخذة بعين الاعتبار المصلحة الوطنية اللبنانية أولاً، وملاحظات كل الأطراف السياسيين. المهم أن نصل إلى تفعيل وحدات لامركزية قادرة على النهوض بالمهام التي تخدم الناس وتطور الإنماء».
وتؤكد مصادر الرهبانية المارونية أن انزواء المسيحيين في مناطق معيّنة هو نهاية دورهم، أما تقنياً فتشير المعلومات إلى أن اللامركزية المقترحة تستند إلى اتحادات البلديات، وهذا ما يأتي في صلب اتفاق الطائف. فيما الأمر الذي يحتاج إلى نقاش معمق يرتبط بكيفية توفير التمويل وإدارته.
وبالتزامن مع انعقاد هذا الاجتماع، كان البطريرك الماروني بشارة الراعي يؤكد من أستراليا أن «فلسفة لبنان هي أن نعيش معاً كمسيحيين ومسلمين، وعلينا أن نكون واقعيين، إذ لا يجوز عند كل صعوبة أن تطرح الفدرالية كحلّ بديل. اتفاق الطائف ينص على اللامركزية الإدارية، فلنطبّقها. من قال إننا لا نستطيع العيش معاً، لا بل بالعكس أن انفصالنا عن بعضنا البعض كمسيحيين ومسلمين سيؤدي إلى انهيار لبنان، نحن بلد متنوع، ولكن بوحدة، فلنبدأ بتطبيق اللامركزية الإدارية التي تُلزم الجميع بدفع الضرائب والرسوم بشكل مُنصف».