«ويسألونك عني»... بن عادل تواصل الحنين للوطن
• ديوان جديد للشاعرة الجزائرية يمنح القارئ مساحات تخييل لا يمكن تجاوزها
تحت عنوان «ويَسأَلُونَك عَنِّي»، صدر ديوان جديد للشاعرة الجزائرية المقيمة في فرنسا، خديجة بن عادل، وذلك عن دار الأمير للنشر والتوزيع في مرسيليا. يتكوّن الديوان من 35 قصيدة نثرية، بغلاف بديع من تصميم الفنان التشكيلي السوري عبدالبصير طرون. وتواصل الشاعرة في هذا الديوان إلقاء هالة ضوء على رحلة اغترابها في فرنسا وحنينها المستمر إلى وطنها، مستخدمة لغة بديعة شفافة تصل إلى فؤاد المتلقي سريعاً من دون استئذان.
في الإهداء الذي كتبته لديوانها، تعبِّر بن عادل عن روحها التي ترتفع عاليا في عرش القصيدة ومعانيها التي تتوهج كالشمس. وتقول إنها لا تملك سوى قلمها الذي يكون موطناً لها وسراً أرق من النسيم إذا سرى: (الإهداء للّذين يسألون عنِّي، عن روح علت عرش القصيدة ومضّت كُلُومُها مهجة للشّمس).
وفي هذا العمل الإبداعي المميز، تستجيب الشاعرة للزمن وتراكماته بشكل إيجابي، حيث تزداد شدة ردود فعلها كلما اعتمدت على مضامين النصوص. وكلما تعمق القارئ في فهم تلك النصوص، يدرك كيف يزداد الاغتراب الذي تشعر به الشاعرة بشكل أكبر. وكأنها تحاول دائما مقاومة الشعور بالغربة ولا تستطيع – أبدًا – الابتعاد بروحها عن وطنها.
وتصوّر الشاعرة هذا التفاعل الداخلي للذات بوصف الغراب المترقب الذي يبحث عن وطن في فوّهات الغروب. كما أنها تصف الفقراء بعدم القدرة على البكاء بما يشير إلى الواقع القاسي المؤلم الذي يعيشونه: (الغُرَابُ مُتَرَقِّبٌ... يَبْحَثُ عَنْ وَطَنٍ... فِي فُوَّهَاتِ الغُرُوبِ... حَنْجَرَتِي كُثْبَانٌ... لا تَحْسَبِي السِّنِينَ عِجَافاً... الأَفْوَاهُ جَوْعَى...).
وتلجأ الشاعرة إلى تنبؤاتها للتصدي للتحولات اللامعقولة، وتجد في الأم، أي الأرض، مصدرا لتلك التنبؤات. ونجدها تصف أمها بالكف الخضيب والحقل الخصيب، وتعبر عن ضياع قلبها مع الجياع. تذكر أيام وداعها لأمها ومغادرتها وطنها الجزائر، وتصف نفسها بنبرة حزن تكاد يسمعها قارئ النص بأنها مهاجرة: (أُمِّي الكَفُّ الخَضِيبُ، أُمِّي حَقْلٌ خَصِيبٌ... أُمِّي: يَا أَرْضَ الأَحْرَارِ وَالحَرَائِرِ... قَلْبِي ضَاعَ مَعَ الجِياعِ... يَوْمَ وَدَّعْتُ أُمِّي، وَغَادَرْتُ الجَزائِرَ... وَأْصْبَحَ اسْمِي مُهَاجِرا).
وفي هذا السياق، يقول الناقد العراقي، جوتيار تمر: «حالة الاستلاب هذه لا تتكرر كثيرا في النصوص الشعرية بهذا العمق، وهذا التأثير، وهذا المخاض، لكنه مخاض طبيعي للذات الشاعرة، لأنها لا تعيش وقع تأثيرها من خلال الكلمات فقط، إنما تعيشه واقعا عيانيا ملموسا وكأنها في صيرورتها تستسلم لمعطياته (أَسْمَعُ نِداءً بَعِيداً: إِنَّهُ القَدَرُ... إِنَّهُ القَدَرُ... أَشْبَاحُ الطُّغَاةِ تُوصِدُ أَبْوابَ القَدَاسَةِ بِأَسْرارِ اللَّعْنَةِ... حِينَ صَفَّقَ اللَّيْلُ لِلرِّيحِ... وَنَاغَى الظُّلْمَةَ تَسَابِيحا... جَنَّ اللَّيْلُ حِينَها يُرَمِّمُ جُرْحاً... يُوَثِقُ المشَانِقَ مِنْ رَحِمِ الأَرْضِ... هَا نَحْنُ نَشْهَدُ صَمْتَنَا، مَوْتَنا... وَتَنْقُشُ أَسْمَاءَنَا عَلَى الصُّخُورِ شَاهِدَةٌ... وَالجُدْرانُ تَحْكِي الرِّواياتِ اليَتِيمَةَ... وَالْفُصُولُ تَقْرَعُ الرِّيحَ كَأَجْراسٍ... لاحْتِمَالِ بُزُوغِ فَجْرٍ جَدِيدٍ... مِنْ بَيْنِ الأَصَابِعِ، مِنْ خَلْفِ التِّلالِ)».
جوتيار تمر: حالة الاستلاب هذه لا تتكرر كثيرًا في الشعر بهذا العمق
تعطينا الشاعرة في ديوانها مساحات تخييل لا يمكن تجاوزها دون الخوض في الماورائيات التي تنتجها ضمن مساراتها سواء على المستوى البلاغي، أو التشكيلي، فقد نجحت في فرض منطقها المخصوص وجعلتنا نتبعها للنهاية دون أن نحيد درجة عن دوائرها التي رسمتها بدقة ومهنية وشعرية حداثية احترافية.
ورغم إقامة بن عادل في فرنسا منذ سنوات، فإن روحها لا تنفصل عن وطنها الأم، وتظل الجزائر حاضرة في كل أعمالها، ومنها ديوان «غياهب الدجى» الصادر في الأردن عام 2017، ويشتمل على 79 قصيدة نثرية، وقد استهلت الشاعرة الديوان بقصيدة وطنية تتغنى بحبها وفخرها بانتمائها للجزائر.
ومن أهم كتبها أيضا، مجموعة قصصية بعنوان «هكذا نعبرُ إلينا» (2021)، تحتوي على 104 قصص قصيرة جدًا، أغلبها من واقعنا المعاش. ولها كتاب يندرج تحت السيرة الذاتية بعنوان «أسماء لامعة في سماء المدينة» صدر عن دار أمارجي العراقية في يوليو الماضي، يضم مجموعة من المقالات، والحوارات، والقراءات النقدية والدراسات التحليلية، التي تناولت أعمالها.