من صيد الخاطر: «إنَّ الرَّثيئَةَ تَفْثَأُ الغَضَبَ»
«إنَّ الرَّثيئَةَ تَفْثَأُ الغَضَبَ» فالرثيئة هنا هي اللبن الحامض المخلوط بالحلو، أما تفثأ فهي تعني تُسكن، أي أن اللبن الحامض عند تناوله يُسكن الغضب ويُهدّئ من غضب صاحبه.
وراء هذا المثل قصة بسيطة تدور حول رجل نزل على قوم كان ساخطا عليهم، وكان مع سخطه جائعا، فما إن سَقوهْ الرثيئة حتى تفثأ غضبه، وهو مثل ظريف يضرب في الهدية التي تؤدي الى الوفاق بعد الخصام وإن قلّت ورخصت.
وقد قيل الكثير عن الغضب، كقول النبي، صلى الله عليه وسلم، للرجل الذي قال له: أوصني، قال: لا تغضب، ورددها عليه مراراً قائلا: لا تغضب، وفى حديث آخر، أن ابن عمر رضي الله عنهما سأل النبي: ماذا يباعدني من غضب الله عز وجل؟ قال: لا تغضب، وقوله عليه الصلاة والسلام: ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب.
ومن جميل ما قيل عن الغضب: السيد الذي يملك نفسه عند الغضب ولا يغلبه غضبه، واتقوا الغضب، فإنه يفسد الإيمان كما يفسد الخل العسل، فالغضب عدو العقل، وكقول عبدالملك بن مروان: إذا لم يغضب الرجل لم يحلم، لأن الحليم لا يُعرف إلا عند الغَضَب، وقول لقمان الحكيم: ثلاثٌ من كنّ فيه فقد استكمل الإيمان، من إذا رضي لم يخرجه رضاه إلى الباطل، وإذا غضب لم يخرجه غضبه من الحق، وإذا قدر لم يتناول ما ليس له، وقال: إن أردت أن تؤاخي رجلاً فأغضبه، فإن أنصفك في غضبه وإلا فدعه.
وهناك حكم ووصايا قيلت عن الغضب، فسليمان بن داود عليهما السلام قال لولده: يا بني، إياك وكثرة الغضب، فإن كثرة الغضب تستخف فؤاد الرجل الحليم، وسئل حكيم: ما أملك فلانا لنفسه، قال: إذا لا تذله الشهوة، ولا يصرعه الهوى، ولا يغلبه الغضب، ولكن هل هناك أفضل من إطفاء غضب الرب بصدقة، فهي هدية المقتدر للمحتاج؟
إلا أن هناك غضباً محموداً، كالغضب لله ورسوله ودينه، ووطنه وشرفه، فعافانا الله من الغضب المذموم، وجعلنا من الغاضبين على كل فاسد سارق ومزور.
ملحوظة: المثل من التراث العربي.