كشف ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عن تقارب يزداد يوماً بعد آخر، في مفاوضات غير مباشرة بوساطة أميركية، للتوصل إلى اتفاق تطبيع بين السعودية وإسرائيل، في وقت أكد أن «القضية الفلسطينية مهمة وأساسية بالنسبة لنا، ويجب الوصول إلى حل بشأنها لرفع المعاناة وجعل حياة الفلسطينيين أسهل، وجعل إسرائيل تلعب دوراً في المنطقة».
وقال بن سلمان، خلال مقابلة مع كبير المذيعين السياسيين في شبكة فوكس نيوز الأميركية بريت باير، في مدينة نيوم: «لدينا مفاوضات جيدة ولا تزال مستمرة حتى الآن، سنرى إلى أين سنصل»، في وقت نفى تعليق المملكة للمفاوضات غير المباشرة التي تتوسط فيها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، لافتاً إلى استعداد بلاده للتعامل مع أي مسؤول يحكم إسرائيل في حال نجح «البيت الأبيض» في إبرام صفقة تاريخية ستكون الأكبر منذ انتهاء الحرب الباردة.
وردّاً على سؤال بشأن احتمال حصول المملكة على ضمانات أمنية من الولايات المتحدة على غرار الممنوحة لحلفاء واشنطن الآسيويين لتحفيز السعودية على إبرام اتفاق التطبيع، قال بن سلمان إنّ العلاقات بين الرياض وواشنطن ترجع بالزمن ثمانية عقود إلى الوراء، وإن اتفاقاً أمنياً محتملاً بين البلدين من شأنه أن يعزّز تعاونهما العسكري والاقتصادي وأمن المنطقة والعالم.
ولفت إلى أن «الشيء الوحيد الذي لا يتغير في السياسة هو التغيير نفسه، واليوم لدينا عمل عظيم مع الرئيس بايدن، ونعمل على الشبكة الواسعة التي نقوم ببنائها بين الهند والمملكة وأوروبا»، مضيفاً «نعمل على ترتيبات السلام بين إسرائيل وفلسطين. لدينا أطول وقف لإطلاق النار في اليمن، ولدينا الكثير من العمل الإقليمي وفيما هو أبعد، في أوكرانيا».
وبينما وصف بن سلمان الرئيس الأميركي بأنه «دقيق وذو تركيز، ويحضر جيداً»، أشار إلى أن المملكة من بين أكبر 5 مشترين للسلاح الأميركي، معتبراً أنه ليس في مصلحة الولايات المتحدة أن تشتري المملكة أسلحتها من جهة أخرى.
من جهة ثانية، حذّر بن سلمان من أنّه في حال حازت إيران السلاح الذري، فإنّ المملكة ستجد نفسها مضطرة لأن تفعل الأمر نفسه للحفاظ على توازن القوى في المنطقة، مرحباً في الوقت ذاته بالبداية الجيدة للعلاقة مع طهران، واستقبال جمهورها لفريق النصر السعودي، ومعرباً عن أمله دفع ذلك لحركة التنمية.
وشدّد على أن انضمام المملكة إلى مجموعة دول «بريكس» لا يمثل أي نوع من المنافسة الجيوسياسية للولايات المتحدة أو الغرب، وقال: «لا أحد يريد أن يرى الصين ضعيفة، إن انهارت الصين فدول العالم أجمع معرضة للانهيار بما فيها أميركا». واستطرد: «حاولنا الانضمام إلى مجموعة الدول السبع لكن بعض الدول أرادت إملاء شروطها علينا»، مشيراً إلى أن «الصين هي من اختارت أن تتوسط بيننا وبين الإيرانيين».
وبشأن خطط المملكة الاقتصادية، أوضح بن سلمان أن السعودية هي الدولة الأسرع نمواً حالياً في جميع القطاعات، و»ستكون من أقوى اقتصادات العالم»، مبيناً أن «المملكة حققت أسرع نمو في الناتج المحلي من بين مجموعة العشرين لعامين مُتتاليين».
وأكد للمترددين في زيارة المملكة، أن «السعودية أعظم قصة نجاح في القرن الـ21»، مضيفاً أن «الشعب السعودي مؤمن بالتغيير، وهو من يدفع لذلك، وأنا واحد منهم».
وفي تفاصيل الخبر:
في تصريحات غير مسبوقة بشأن عدة قضايا رئيسية للمملكة والمنطقة، أكد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في مقابلة مع شبكة «فوكس نيوز»، أن بإمكان إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن التوصل إلى اتفاق بين المملكة وإسرائيل لتطبيع العلاقات، واصفاً الخطوة بحال نجاحها بأنها ستكون أضخم اتفاق منذ انتهاء الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق.
ونفى بن سلمان تعليق المملكة للمفاوضات غير المباشرة التي تتوسط بها إدارة بايدن بشأن إقامة علاقات مع إسرائيل، وقال:«المحادثات بشأن إقامة العلاقات مستمرة وجيدة، ونصبح أقرب كل يوم بشأن ذلك».
وأضاف «نقترب كل يوم من اتفاق مع إسرائيل ويبدو الأمر جدياً لأول مرة». وتابع: «علينا أن نرى كيف ستسير الأمور».
ورداً على سؤال متعلق بالتعامل مع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، قال بن سلمان إن «سياسة المملكة هي أن لا تتدخل بمن يرأس الدولة. أي دولة». وأضاف: «إذا نجحت إدارة بايدن في إبرام صفقة تاريخية، عندها ستبدأ علاقتنا بإسرائيل وستستمر بغض النظر عمن يرأسها».
ولفت إلى أن «حل القضية الفلسطينية بالغ الأهمية لمسألة تطبيع العلاقات مع إسرائيل»، وأعرب عن أمله أن تؤدّي مفاوضات التطبيع إلى «نتيجة تجعل الحياة أسهل للفلسطينيين وترفع المعاناة عنهم وتسمح لإسرائيل بأن تلعب دوراً في الشرق الأوسط».
وردّاً على سؤال بشأن احتمال حصول المملكة على ضمانات أمنية من الولايات المتحدة على غرار الممنوحة لحلفاء واشنطن الآسيويين لتحفيز الرياض على إبرام اتفاق التطبيع، قال وليّ العهد، إنّ العلاقات بين الرياض وواشنطن ترجع بالزمن ثمانية عقود إلى الوراء وإنّ اتّفاقاً أمنياً محتملاً بين البلدين من شأنه أن يعزّز تعاونهما العسكري والاقتصادي.
وتحدث ولي العهد عن العلاقات مع الولايات المتحدة، وقال «بيننا وبين واشنطن روابط أمنية مهمة... لدينا علاقة مميزة مع الرئيس بايدن وهو شديد التركيز ويحضّر نفسه جيداً، ونعمل سوياً في العديد من الملفات المُشتركة»، وأضاف: «الاتفاقيات المُرتقبة مع الولايات المُتحدة مُفيدة للبلدين ولأمن المنطقة والعالم»، مشيراً إلى أن أسامة بن لادن كان يخطط للوقيعة بين السعودية وأميركا... وهو عدو مُشترك للبلدين». واشار الى ان السعودية «من أكبر 5 مشترين للأسلحة الأميركية، وانتقالنا لشراء الأسلحة من دول غير الولايات المتحدة ليس من مصلحتها.
السلاح النووي
من جهة ثانية، حذّر بن سلمان من أنّه في حال حازت الجمهورية الإسلامية الإيرانية على السلاح الذري، فإنّ المملكة ستجد نفسها مضطرة لأن تفعل الأمر نفسه للحفاظ على التوازن بالمنطقة.
وقال: «نحن قلقون من احتمال حصول دولة ما على سلاح نووي. هذا أمر سيء». ورأى أنّ الإيرانيين «لا يحتاجون للحصول على سلاح نووي لأنّهم لا يستطيعون استخدامه»، مؤكّداً أنّ مثل هكذا أمر يعني «إشعال حرب مع بقية دول العالم». وشدّد على أن العالم لا يتحمل هيروشيما جديدة، وأن أي سباق تسلح نووي في المنطقة لن يُهدد أمنها فحسب بل هو مُهدد لأمن العالم. إلا أنه شدد على أن العلاقات مع طهران «تتقدم بشكل جيد، ونأمل أن تستمر كذلك لمصلحة أمن واستقرار المنطقة»، مضيفاً: «استقبال الجمهور الإيراني لفريق النصر أمر جيد.. وهو جزء من الحركة التنموية، رأينا ترحيباً جميلاً من الجانب الإيراني للفريق السعودي وأعتقد أننا نأخذ هذا بشكل إيجابي جداً».
الصين وبريكس وممر الهند
وشدّد على أن مجموعة دول «بريكس» لا تُمثل أي نوع من المنافسة الجيوسياسية للولايات المتحدة أو الغرب، وليست ضد أميركا بدليل وجود حلفاء واشنطن داخلها، و«بريكس» ليست تحالفاً سياسياً. وقال «لا أحد يريد أن يرى الصين ضعيفة، إن انهارت الصين فدول العالم أجمع معرضة للانهيار بما فيها أميركا»، واستطرد: «حاولنا الانضمام إلى مجموعة الدول السبع لكن بعض الدول أرادت إملاء شروطها علينا». وأشار إلى أن «الصين هي من اختارت أن تتوسط بيننا وبين الإيرانيين.
ونوّه إلى أن مشروع الممر الاقتصادي الجديد الذي يربط الهند بالشرق الأوسط وأوروبا سيعمل على توفير الوقت والمال، وسيختصر الحركة الاقتصادية إلى ما بين 3 – 6 أيام.
قصة نجاح
وبشأن خطط المملكة الاقتصادية، أوضح الأمير محمد أن السعودية هي الدولة الأسرع نمواً حالياً في جميع القطاعات، وقال إن «هدفنا الوصول بالسعودية إلى الأفضل دائماً، وتحويل التحديات إلى فرص»، وتابع أن «رؤية 2030 طموحة، وحققنا مُستهدفاتها بشكل أسرع، ووضعنا مُستهدفات جديدة بطموح أكبر».
وبين أن «المملكة حققت أسرع نمو في الناتج المحلي من بين مجموعة العشرين لعامين مُتتاليين»، مضيفاً أنه سيجري إعلان «رؤية 2040» بعد 4 سنوات.
وقال للمترددين عن زيارة المملكة، إن «السعودية أعظم قصة نجاح في القرن الـ21»، وأضاف: «أركّز وقتي على مُتابعة ما يخدم مصالح السعودية وشعبها»، مضيفاً أن «الشعب السعودي مؤمن بالتغيير، وهو من يدفع لذلك... وأنا واحد منهم». وقال إن «استثمارنا في السياحة رفع نسبة إسهامها في الناتج المحلي من 3 في المئة إلى 7%».
وزاد أن السياحة في السعودية «جذبت 40 مليون زيارة. ونستهدف من 100 مليون إلى 150 مليوناً في 2030». وقال إن المملكة تقوم بتطوير 22 جزيرة في البحر الأحمر ستكون 5 منها جاهزة العام المقبل.
إصلاح القضاء
من جهة أخرى، لفت بن سلمان إلى عمله على إصلاح منظومة القضاء وقال: «نحن نقوم بأفضل ما لدينا لفعل ذلك لقد أضفنا بالفعل بعض القوانين وغيرنا عشرات القوانين الأخرى وهناك في القائمة أكثر من ألف قانون ولدي 150 محامياً في مجلس الوزراء لذلك أحاول إجراء التغييرات حسب الأولويات بشكل يومي».
وفي زاوية أخرى من الحوار، رد الأمير محمد، على اتهام السعودية بممارسة «الغسيل الرياضي» باستثمار الأموال لتحسين صورتها، حيث قال: «إذا كان الغسيل الرياضي سيزيد من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1%، فسأستمر في ممارسة الغسيل الرياضي».
بايدن ونتيناهو
وجاء ذلك في وقت عبر بايدن عن تفاؤله بشأن آفاق التطبيع في محادثاته مع رئيس الوزراء الإسرائيلي على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة أمس الأول، فيما قال نتنياهو مخاطباً بايدن: «أعتقد أنّه تحت قيادتكم يمكننا إبرام اتفاق سلام تاريخي مع السعودية».
ومن شأن التطبيع بين السعودية وإسرائيل أن يعيد رسم منطقة الشرق الأوسط بشكل كبير حين يجمع رسميا بين شريكين رئيسيين للولايات المتحدة في مواجهة إيران، وهو ما يعد انتصارا للسياسة الخارجية للرئيس الأميركي الذي يسعى إلى إعادة انتخابه في أواخر عام 2024.
لكن الخلاف على قضايا ذات صلة يلوح في الأفق إذ يشكل سعي الرياض لامتلاك برنامج نووي مدنياً اختباراً للسياسة الأميركية والإسرائيلية، كما أن الدعوات السعودية والأميركية لتحقيق مكاسب للفلسطينيين بموجب أي اتفاق غير مستساغة بالنسبة لحكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة.
وأمس، علق وزير المالية الإسرائيلي المتشدد، بتسلئيل سموتريتش، على أنباء تقدم مفاوضات التطبيع بالقول: «إننا لن نوقف الاستيطان ولن نسلم الفلسطينيين الأراضي، ولن تكون هناك أوسلو 2».
اتفاق إطاري
في السياق، توقع وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين، أمس، أن يتبلور الإطار العام لاتفاق إقامة علاقات بين إسرائيل والسعودية بوساطة أميركية بحلول مطلع العام المقبل.
وقال كوهين: «يمكن سد الفجوات. سيستغرق الأمر وقتاً، لكن هناك تقدماً».
وأضاف: «أعتقد أن هناك بالتأكيد احتمال أن نستطيع في الربع الأول من عام 2024، بعد أربعة أو خمسة أشهر، الوصول إلى مرحلة يتم فيها الانتهاء من تفاصيل الاتفاق».
في غضون ذلك، أفادت تقارير عبرية بأن رئيس الوزراء أوعز إلى كبار المسؤولين الأمنيين والنوويين في إسرائيل بالتعاون مع الولايات المتحدة بغية التوصل إلى «حل يسمح للسعودية بتخصيب اليورانيوم لأغراض سلمية».
وأتى ذلك في ظل رفض زعيم المعارضة يائير لابيد وعدد من القادة الأمنيين في الدولة العبرية انهاء معارضة إسرائيل لهذا الأمر، رغم تحذير خبراء من إمكانية لجوء الرياض إلى الصين أو روسيا للحصول على تخصيب اليورانيوم داخل المملكة.
في المقابل، وصف الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الخطوة السعودية الإسرائيلية بحال حدوثها بأنها ستشكّل «طعنة في ظهر» القضية الفلسطينية.