في ظلال الدستور: الكويت بخير طالما كان قضاؤها بخير
عنوان المقال، مأخوذ من كلمة قالها الزعيم البريطاني تشرشل ورئيس الحكومة عند انتهاء الحرب العالمية الثانية، عندما اجتمع في مجلس الوزراء، وسأل الوزراء عن أحوال البلاد، بعد أن دكت طائرات المحور المدن البريطانية وشمل الدمار المدارس والمستشفيات والمصانع وكل مرافق الخدمات في الدولة، فأجابه كل الوزراء بأن الأمور في الحضيض، وأنهم سيبدأون من الصفر، عدا وزير العدل الذي قال له: «القضاء بخير» فعقب على ذلك تشرشل: «طالما أن القضاء البريطاني بخير فبريطانيا بخير».
نعم، «أليس القضاء هو الأمين على الأرواح والأنفس والحريات؟ أليس هو الحارس للشرف والعرض والمال؟ أليس من حق الناس أن يطمئنوا إلى أن كل ما هو عزيز عليهم يجد في كفالة القضاء أمنع حمى وأعز ملجأ؟ أوليس من حق الضعيف إذا ناله ضيم أو لحق به ظلم أن يطمئن إلى أنه أمام القضاء قوي بحقه، عزيز بنفسه مهما كان خصمه قوياً بماله أو جاهه أو سلطانه؟ أوليس من الحق أن يتساوى أمام قدس القضاء الحاكم والمحكوم، وأن ترعى حمى الجميع عين العدالة؟». (من المذكرة الإيضاحية لأول قانون لاستقلال القضاء، صدر في مصر سنة 1943م).
رسالة حب إلى الكويت
أكتب هذا المقال، رسالة حب إلى الكويت، في سياق المرسوم الأميري بتعيين شيخ قضائها، من قلب مفعم بحب أرض عربية عملت فيها ما يقرب من 40 عاماً مستشاراً وخبيراً دستورياً أشاهد وأعايش تجرية ديموقراطية هي الأولى من نوعها في الوطن العربي، أكتب عنها، ما لها وما عليها، وأحلل فيها ما يجري على الساحة السياسية والبرلمانية من جدل ساخن حول تطبيق الدستور، وتفسير نصوصه، وأختلف في هذا التحليل والتفسير مع خبرائها وأساتذتها الدستوريين ومع إعلامها وقادتها السياسيين، الذين كانوا يتقبلون الرأي الآخر بصدر رحب، أرض عربية وجد قلمي فيها متنفسه الذي يكتب بكل صدق وأمانة، ويعبر عن كل خلجات النفس وهموم القلب، أستظل في هذا كله بظل الحرية التي كفلها الدستور والقانون، وأعتصم فيما أكتب بحصن القضاء الحصين، فغمرتني هذه التجربة وهذا الحراك السياسي والدستوري المتجدد فيها دائماً، بما اكتسبت من خبرة دستورية وقانونية، وفوق كل ذي علم عليم.
وقد فزعت وجزعت كما فزع وجزع الكثيرون من أبناء هذا البلد ومحبيه عندما نمى إلى علمي سؤال برلماني وجهه محمد براك المطير نائب رئيس مجلس الأمة إلى وزير العدل ووزير الدولة لشؤون تعزيز النزاهة بتاريخ 16/ 3، فالبرلمان عندهم يحاسب ولا يحاسب، عما نمى إلى علمه من تحقيقات تجري في صرح القضاء، تثير الشبهة حول بعض رجاله، متسائلاً عن صحتها، وهو سؤال لبرلماني نحترمه ونوقر مقدمه، وقد كان السؤال انتصافاً لكرامة القضاء، فولاية القضاء هي أعلى الولايات قدراً وأجلها خطراً وأعزها مكاناً وأعظمها شأنا وأشرفها ذكراً.
ومن هنا كانت الإجابة عن هذا السؤال، ليست من وزير العدل ووزير الدولة لشؤون النزاهة، بل من صاحب السمو الأمير الذي أصدر مرسوماً بتعيين المستشار د. عادل ماجد بورسلي رئيساً لمحكمة التمييز ورئيساً للمجلس الأعلى للقضاء ليعيد للناس الطمأنينة بأن القضاء سيظل حصناً حصيناً للحقوق وملاذاً أميناً للحريات وليسجل القضاء بأحكامه للحق والعدل والحرية والمساواة أنصع الصفحات لتملأ فم التاريخ وتدوي في سمع الزمن شرفاً لقضاة لا تلين لهم قناة ولا تضعفهم رغبة أو تثنيهم رهبة.
وقد تمثل في شيخ قضاة الكويت المستشار د.عادل ماجد بورسلي الذي صدر المرسوم بتعيينه رئيساً لمحكمة التمييز ورئيساً للمجلس الأعلى للقضاء ما سطره سيدنا عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، من خصال وصفات القاضي الجليل النزيه في رسالته إلى أبي موسى الأشعري قاضي الكوفة من أن القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة، وأن القاضي هو من يساوي بين الناس في مجلسه وفي وجهه وقضائه، حتى لا يطمع شريف في حيفه ولا ييأس ضعيف من عدله، وإن القضاء في مواطن الحق مما يوجب الله به الأجر ويحسن به الذكر، فمن خلصت نيته بالحق ولو على نفسه، كفاه الله ما بينه وبين الناس.
فهذه الصفات والخصال تتصدر صفات، شيخ قضاة الكويت د.عادل ماجد بورسلي في أجلّ معانيها، وأسمى مراتبها، فهنيئا للكويت بهذا الاختيار.