موضوع الفصل بين الجنسين في التعليم يطبق منذ القدم في التاريخ العربي والإسلامي، وفيه حكم فقهي معروف، وصدر فيه قانون بإجماع المجلس والحكومة، وحكمت المحكمة الدستورية أن قانون الفصل بين الجنسين قانون دستوري ما دام التعليم مضموناً، كما صدر القانون 30 لسنة 2004 الذي ينص على بناء حرمين منفصلين أحدهما للذكور وآخر للإناث، وكل هذا تم في إطار دستوري وبرلماني سليم، ويعمل الآن بعض النواب على تطبيق القانون بشكل كامل، لكن المعارضين له شنوا حملة مضادة، ولا بأس لو كانت حملتهم تقوم على الحجة والدليل واحترام الآخر، لكن من المؤسف أن ينحرف الخلاف إلى استخدام ألفاظ وعبارات محرمة بذيئة ومسيئة، ولا تعبر عن اختلاف علمي أو فقهي، ولا عن الرأي المجرد الهادف الى إقناع الآخر بل احتقاره.
فقد تم رمي الطرف الآخر بألفاظ مثل الظلامية، والسوداوية، والقرون الوسطى والتخلف، ومجتمع قندهار، وبث الكراهية، والفكر العفن، وأنه محاولة لفرض الوصاية والرأي الشخصي للنائب محمد هايف، كما ذكروا عبارات تخالف الدستور مثل قول بعضهم «إن عمل المجلس عبث وتدخل في استقلالية الجامعة»، ونسوا أن المجلس حسب الدستور يمكنه التشريع والرقابة لكل شؤون البلاد ومؤسساتها، كما زعموا أن ما جاء في حيثيات حكم المحكمة الدستورية «يمكن تطبيق القانون بالفصل داخل قاعة الدرس» أنه يفيد الإلزام! ونسوا أن المحكمة قالت إنه (يمكن الفصل) ولم تقل إنه الأسلوب الوحيد للفصل، مما يتيح للحكومة والأعضاء اقتراح أساليب أخرى أفضل لعدم الاختلاط للوصول إلى جوهر القانون ونصه الحرفي.
وزعموا أيضاً أن الاختلاط موجود في الحرم المكي في جرأة غريبة على الحقيقة الواضحة لأنهم لم يذكروا تفاصيل الضوابط في الحرم مثل التزام الجميع بالحجاب والتزامهم بقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «خير صفوف النساء آخرها وشرها أولها»، (صحيح مسلم)، مع أنه تجمع عابر للصلاة مثله مثل بعض نواحي الحياة، وليس زمالة مستمرة، كما تناسوا أحكام التبرج الشرعية وهو منتشر للأسف رغم أن أحكام الشرع ليست ظلامية أو سوداوية.
هكذا خرج أسلوب الحوار عند البعض من الإطار الشرعي والعلمي إلى ليّ الحقائق والشتائم والتنابز، وهو الأسلوب الذي ساد كثيراً من أوجه خلافاتنا في السنوات الأخيرة، ففي يوم الجمعة الماضي استمعت إلى شريط مصور يرد فيه الشيخ عثمان الخميس على سائل يقول إن الفساد عم على كل البلد، وإن القضاء فاسد أيضاً فرد عليه الشيخ عثمان بشرح حديث: «من قال هلك الناس فهو أهلكهم». (صحيح مسلم)، وأن هذا التعميم لا يجوز، كما دافع الشيخ عن القضاء وبعض مرافق الدولة، وذكر أن اكتشاف فساد بعض الأشخاص لا يعني فساد المرافق التي تعج بالصالحين الذين نعرفهم، ولمصلحة من ترمى جميع مؤسسات الدولة بالفساد؟ وهل هذا طرح علمي؟
وفي اليوم نفسه شاهدت شريطاً مصوراً للإعلامي «بوراشد» يرد فيه على من يتهمه في وسائل التواصل بأنه مرزوقي، ويسبه ويتطاول عليه، في حين يؤكد «بوراشد» أن تغريداته تخلو من أي إساءة أو عبارات استهزاء برئيس الوزراء، وأن أولئك الشبيحة يشنون عليه حملة بقلة أدب.
وما أصاب «بوراشد» أصاب غيره، فكل من انتقد أخطاء المعارضة في المجلس السابق ومخالفاتهم الدستورية الفاضحة اُتهم بأنه مرزوقي، وناله ما ناله من الأذى والتشويه، والأمثلة المشاهدة كثيرة للأسف.
هذا الخروج من قبل أي طرف من الحوار العلمي والنقد البناء والأدلة الشرعية والسلوك البرلماني الملتزم إلى هذا المنزلق اللفظي الخطير وغير الأخلاقي والمثير للكراهية والشحن الفئوي ليؤكد أننا أمام مشكلة أكبر من مجرد الخلافات العادية حول الاختلاط أو غيره التي لا يخلو منها أي مجتمع حر، وأنها قد تهدد مستقبل النظام البرلماني بالفوضى والبغضاء وغياب الحوار العقلاني، كما حدث في دول فاشلة قريبة منا للأسف. قال تعالى «وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ».