أرمن كاراباخ يبدأون «النزوح الكبير»
• قمة شديدة الرمزية بين أردوغان وعلييف في نخجوان
• باشينيان: تحالفاتنا أثبتت أنها غير مجدية
• موسكو تتهم يريفان بصبّ الزيت على النار
في مشهد ذي أبعاد تاريخية، بدأ أمس وصول المئات من أرمن إقليم كاراباخ إلى أرمينيا، بعد أن أدى هجوم أذربيجاني خاطف، استمر أقل من 14 ساعة، إلى نسف الأمر الواقع القائم بهذا الإقليم منذ أكثر من 30 عاماً.
وفي سيارات مكدّسة، عبر مدنيون وعسكريون من القومية الأرمينية الحدود الدولية إلى داخل أرمينيا، بمساعدة من قوات حفظ السلام الروسية، فيما توقّع مستشار رئيس جمهورية أرتساخ الانفصالية الأرمينية، المُعلنة من جانب واحد، أن يغادر جميع الأرمن وعددهم 120 ألف نسمة إقليم كاراباخ، الذي باتت تسيطر عليه عملياً أذربيجان، التي تقول إن مئات الآلاف من الأذربيجانيين أجبروا على مغادرة الإقليم عندما سيطر عليه الأرمن.
يأتي ذلك فيما يخوض رئيس وزراء أرمينيا، نيكول باشينيان، معركة مزدوجة، واحدة مع المعارضين لأسلوب إدارته لأزمة كاراباخ، وقراره بعدم مساعدة الإقليم، والأخرى مع روسيا التي تتجه يريفان إلى قطع حبل العلاقات التاريخية معها، بعد أن اكتشفت أن تحالفهما لم يكن مُجدياً، حسب تعبير باشينيان نفسه.
في المقابل، وفي قمّة شديدة الرمزية، يلتقي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نظيره الأذربيجاني إلهام علييف اليوم في جمهورية نخجوان (ناخيتشيفان) الأذربيجانية الذاتية الحكم، الواقعة بين أرمينيا وإيران والمتاخمة لتركيا.
ويعتقد بعض الخبراء أن أذربيجان يمكن أن تسعى الآن إلى تعزيز تفوّقها وشنّ عمليات في جنوب أرمينيا لخلق تواصل إقليمي مع جيب نخجوان، ويتخوّف مراقبون تحديداً من نيّة أذربيجان احتلال ممر نغزور، وهو عبارة عن محافظة أرمينية تقع بين أذربيجان ونخجوان وإيران.
وفي تفاصيل الخبر:
مع مواصلة القوات الأذربيجانية عمليات بسط نفوذها على منطقة جنوب القوقاز، التي سيطر عليها على مدى قرون الفرس والأتراك والروس والعثمانيون والسوفيات، بدأت قوافل الأرمن الفارين من إقليم كاراباخ في التوافد على أرمينيا في نزوج جماعي لسكان الإقليم.
ودخلت مجموعة أولى من اللاجئين الأرمن، معظمهما نساء وأطفال ومسنون، إلى مركز إيواء أقامته الحكومة في كورنيدزور. ونقلت عدة سيارات مكدسة عشرات المدنيين إلى مركز الإغاثة في القرية الحدودية الأرمنية.
وحذّرت جمهورية أرتساخ الأرمنية الانفصالية المعلنة من جانب واحد، أمس، من أن 120 ألفاً سيغادرون إلى أرمينيا، لأنهم لا يريدون العيش كجزء من أذربيجان ويخشون من التطهير العرقي.
وفيما أبدى رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان، الذي يواجه دعوات متزايدة للاستقالة لفشله في التعامل مع الأزمة، استعداده «المشروط» لاستقبال النازحين الأرمن، قال مستشار جمهورية آرتساخ دافيد بابايان: «شعبنا لا يريد العيش كجزء من أذربيجان، 99.9 بالمئة يفضّلون مغادرة أرضنا التاريخية، مصير شعبنا المسكين سيسطره التاريخ كعار ووصمة على جبين الأرمن والعالم المتحضر بأسره. المسؤولون عن مصيرنا هذا سيحاسبون يوماً ما أمام الله على خطاياهم».
وقالت السلطات الممثلة للأرمن، في بيان، إن قوات حفظ السلام الروسية سترافق كل من شردتهم عملية أذربيجان العسكرية ويريدون المغادرة إلى أرمينيا.
وأضافت، في بيان على «فيسبوك»: «نبلغكم أن الأسر التي باتت مشرّدة نتيجة العمليات العسكرية التي جرت أخيراً وعبّرت عن رغبتها في المغادرة سترافقها قوات حفظ سلام روسية، والحكومة ستقدم قريباً معلومات بشأن نقل مجموعات أخرى من السكان».
وقال باشينيان، في كلمة أمس: «يظل أرمن كاراباخ عرضة للتطهير العرقي والإمدادات الإنسانية وصلت خلال الأيام القليلة الماضية، لكن هذا لا يغيّر الوضع، وإذا لم تتهيأ ظروف المعيشة الحقيقية في منازلهم والآليات الفاعلة للحماية من التطهير العرقي، فالاحتمال يتزايد بأنهم سيُطردون من أرضهم باعتبار هذا السبيل الوحيد للخلاص، وحكومتنا سترحب بكل ود بإخواننا وأخواتنا من كاراباخ».
وفي إشارة للعلاقات الطويلة الأمد مع موسكو الموروثة منذ كانت أرمينيا جزءاً من الاتحاد السوفياتي، قال باشينيان، في كلمة متلفزة: «إن أنظمة الأمن الخارجي التي تنضوي فيها أرمينيا أثبتت أنها غير مجدية لحماية أمنها ومصالحها»، مضيفاً: «لم تتخلّ أرمينيا يوماً عن التزاماتها ولم تخُن حلفاءها، لكن تحليل الوضع يظهر أن الأنظمة الأمنية والحلفاء الذين نعتمد عليهم منذ فترة طويلة حدّدوا لأنفسهم مهمة إظهار ضعفنا وعدم قدرة الشعب الأرمني على أن تكون له دولة مستقلة».
وقد يؤدي النزوح الجماعي من إقليم كاراباخ، الذي يسكنه مزيج من العرقيات وتمرّ بها خطوط أنابيب للنفط وللغاز وتتصارع روسيا والولايات المتحدة وتركيا وإيران على النفوذ فيه، إلى تغيير توازن القوى الدقيق في منطقة جنوب القوقاز.
وبعد سقوط الإمبراطورية الروسية في 1917، طالبت كل من أذربيجان وأرمينيا بالسيادة على كاراباخ، التي تم تصنيفها في العهد السوفياتي منطقة تتمتع بالحكم الذاتي داخل أذربيجان.
ومع انهيار الاتحاد السوفياتي، تخلّص الأرمن من سيطرة أذربيجان الصورية واستولوا على أراض مجاورة في حرب كاراباخ الأولى التي شهدت مقتل نحو 30 ألفاً وتشريد أكثر من مليون معظمهم من أذربيجان في الفترة من 1988 إلى 1994.
ودخلت أول قافلة مساعدات دولية، أمس الأول، وعرض الجيش الأذربيجاني أمام صحافيين مئات الأسلحة المصادرة من الانفصاليين، على مرتفعات «العاصمة» ستيباناكيرت.
لقاء نخجوان
ويلتقي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اليوم نظيره الأذربيجاني إلهام علييف في جمهورية نخجوان (ناخيتشيفان) الذاتية الحكم، الواقعة بين أرمينيا وإيران، والمتاخمة لتركيا، في وقت تبادلت روسيا وأرمينيا الاتهامات.
وفي تأكيد لمخاوف بعض الخبراء من أن أذربيجان تسعى الآن إلى تعزيز تفوّقها وشنّ عمليات في جنوب أرمينيا لخلق تواصل إقليمي مع جيب ناخيتشيفان، قالت الرئاسة التركية، في بيان أمس، إن الزعيمين سيناقشان «آخر التطورات» في كاراباخ.
وفي حين بدا أن نصر أذربيجان الأسبوع الماضي وضع نهاية حاسمة وسريعة لواحد من «الصراعات المجمدة» التي دامت عقوداً بعد تفكّك الاتحاد السوفياتي، قال علييف إن قبضته الحديدية جعلت فكرة وجود منطقة مستقلة لعرقية الأرمن في كاراباخ من الماضي، وإن المنطقة ستتحول إلى «فردوس» كجزء من أذربيجان.
وفي يونيو الماضي، أعلن أردوغان وعلييف أنهما يريدان تكثيف الجهود لفتح ممرّ برّي - يسمّى ممر زنغزور - يربط تركيا بالأراضي الرئيسية لأذربيجان عبر ناخيتشيفان وأرمينيا، وهو مشروع طويل الأمد ومعقّد.
ومن المقرر أيضاً أن يلتقي علييف وباشينيان بإسبانيا في الخامس من أكتوبر بغرناطة بمشاركة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتس ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال.
صب الزيت
وفي كلمة ألقاها بالأمم المتحدة، اتهم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أمس الأول، قادة أرمينيا بمفاقمة التوتر في كاراباخ، لكنّه أبدى أمله في أن يبقوا في فلك موسكو رغم الاضطراب الذي تعيشه بعد استعادة أذربيجان السيطرة على الإقليم الانفصالي.
واعتبر لافروف أن القوى الغربية «تحرّك الخيوط» لتقويض النفوذ الروسي، مضيفاً «مع الأسف، القيادة في أرمينيا تصبّ من وقت لآخر بنفسها الزيت على النار».
وأشار لافروف إلى ما قاله أحد كبار السياسيين الأرمنيين حول تسليم الرئيس فلاديمير بوتين كاراباخ إلى أذربيجان بعد حرب عام 2020. وقال لافروف «من السخافة اتهامنا بذلك»، مضيفاً «نحن مقتنعون بأن الشعب الأرمني يتذكر تاريخه». وأعرب عن ثقته بأن الأرمن سيظلون مرتبطين بـ «روسيا والدول الصديقة الأخرى في المنطقة بدلاً من أولئك الذين يقفزون عليها من الخارج»، مشيراً إلى أن الإعلان الموُقع عام 1991 في كازاخستان، «يعني أن كاراباخ جزء من أذربيجان بكل وضوح وبساطة».
وفي كلمة مماثلة، اتهم وزير خارجية أرمينيا، أرارات ميرزويان، المجتمع الدولي بالتقاعس عن العمل بعد العملية العسكرية التي نفذتها أذربيجان.
وطالب ميرزويان أمام الجمعية العامة بإرسال مهمة أممية «لمراقبة وضع حقوق الإنسان والوضع الإنساني والأمني على الأرض».
من جهة أخرى، أعرب وزير الخارجية الإيراني، حسين عبداللهيان، خلال لقائه نظيره الأذربيجاني، جيحون بيراموف، عن أمله بحدوث عودة قريبة لسفير ودبلوماسيي باكو إلى سفارتهم بطهران، وفتح صفحة من العلاقات، فيما جدد وزير الدفاع الإيراني التحذير من أن بلاده لن تسمح بأي تغيير في الجغرافيا السياسية للحدود بين أرمينيا وإيران.