في حكم قضائي بارز، أكدت محكمة التمييز الإدارية برئاسة المستشار محمد الرفاعي إدراج حالات المصابين بمرض السرطان ضمن الحالات التي يطبق عليها قانون هيئة الاعاقة، لأن القانون عرّف المعاق بأنه كل شخص يعاني اعتلالات دائمة، سواء كانت كلية أو جزئية، وتؤدي إلى قصور في قدراته البدنية أو العقلية أو الحسية، وقد تمنعه من تأمين مستلزمات حياته للعمل أو المشاركة بصورة كاملة وفعالة في المجتمع على قدم المساواة مع الآخرين، وأن هذا الخلل ينطبق على بعض المصابين بمرض السرطان ومن بينها رافعة الدعوى.
وردت المحكمة على سلطة اللجان الفنية في تحديد الأمراض بأنها ليست مطلقة أو تحكمية، وبينت أنه بات مستقراً أن صاحب كل اعتلال دائم كلي أو جزئي يؤدي إلى قصور قدراته البدنية أو العقلية أو الحسية قد يمنعه من المشاركة بصورة كاملة أو فعالة في المجتمع على قدم المساواة مع الآخرين هو صاحب إعاقة، كما أنه لا جدال في أن هذا الشخص قد يمنعه اعتلاله من الحصول على ذات فرص الأصحاء في مختلف شؤون الحياة، فلا تكون له ذات الفرصة في التقدم للكليات العسكرية أو تلك التي تتطلب قدرات بدنية ليس هو من أصحابها، كما من شأنها حرمانه من بعض الوظائف التي تتطلب هيئة معينة لشغلها ليس هو عليها، فضلاً عن تأثير ذلك على كامل فرصته في العلاقات الاجتماعية كالزواج وغيره، أو ممارسة بعض الأنشطة الرياضية وغيرها من مناحي وصنوف الحياة الأخرى التي لا يتسع المجال هنا لحصرها، وخلاصة القول، إن هذا الاعتلال قد يمنع صاحبه من المشاركة بصورة كاملة وفعالة في المجتمع على قدم المساواة مع الآخرين.
وتابعت: لا يقدح في ذلك ولا يغيره، التذرع بأن اللجنة الفنية الطبية المختصة التي عهد إليها المشرع بتحديد من هو الشخص ذو الإعاقة هي المختصة دون غيرها بالنظر في هذا الأمر وتحديد درجة الإعاقة بلا معقب عليها من أي جهة في ذلك، فذلك مردود، أولاً: أن مبنى المسألة المعروضة تتعلق بفهم وتفسير النصوص التشريعية وبالتالي هي مسألة قانونية بحتة وليست فنية - مما يتسع له اختصاص اللجنة الفنية - هذا الى أن الاعتراف بالسلطة الفنية التقديرية للإدارة – اللجنة الفنية المختصة - لا يعني الاعتراف لها بسلطة تحكمية مطلقة لا تخضع لأية رقابة، إذ إن هذه السلطة المطلقة لا وجود لها في الواقع ولا يمكن الاعتراف بها لأية جهة، لأن السلطة التقديرية تتقيد دوماً بالمصلحة العامة وبالضمانات التي يقررها القانون لأصحاب الحقوق المستمدة من المراكز القانونية المشروعة، وناهيك عن ذلك فلو فرضنا جدلاً صحة هذا الفهم وسلامة ذاك الفكر الذى يرسخ لسلطة اللجنة الفنية كسلطة مطلقة لديها الحل والعقد لكان في ذلك تغول على سلطة القضاء وحرمان للخصوم من حق التقاضي، ويضفى على النصوص التي تزعم الجهة الإدارية أنها ترشح لذلك المفهوم شبهة عدم الدستورية، إذ إن المشرع بتقريره عدم إخضاع بعض القرارات للطعن فيها، يكون قد حصنها وحجب القضاء عن نظرها مما يمثل ذلك إخلالاً بحق التقاضي الذي كفله الدستور في المادة (166) منه والتي يتضمن نصها أن حق التقاضي مكفول للناس، ويبين القانون الإجراءات والأوضاع اللازمة لممارسة هذا الحق وذلك لما فيه من حرمان الناس من حق التقاضي والحيلولة بين أصحاب الشأن وبين الالتجاء إلى قاضيهم الطبيعي، كما انه غني عن البيان أن من المسلم به - كأصل عام، أنه لا يكفى تقرير الحقوق للأفراد دون أن يقرن ذلك بحقهم في المطالبة بها والذود عنها وحمايتها والدفاع عنها بالتقاضي بشأنها، وأن هذا الحق إنما هو مستمد من المبادئ الأولية للجماعة منذ أن انتظمتها نظم وأوضاع قانونية وقد تضمنه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، كما لم يخل دستور من دساتير العالم من النص على هذا الحق.
حق التقاضي
وبالتالي فإن كل مصادرة لحق التقاضي تقع باطلة ومنافية لمبادئ حقوق الإنسان، ومخالفة للأصول الدستورية وقواعدها العامة، والمستفاد من هذا المبدأ هو حظر النص في القوانين على تحصين أي عمل أو تصرف أو أي قرار إداري تتخذه الجهة الإدارية في إطار مباشرتها لنشاطها العام من رقابة القضاء، كما أنه من ناحية أخرى فقد تضمن الدستور النص في المادة (29) منه على أن الناس لدى القانون سواء، وأنهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، ولما كان حق التقاضي من الحقوق العامة التي كفل الدستور المساواة فيها بين الناس أجمعين، فإن حرمان طائفة معينة من هذا الحق مع تحقق مناطه، وهو قيام المنازعة على حق من حقوق أفرادها، ينطوي على إهدار لمبدأ المساواة بينهم وبين غيرهم من الأفراد الذين لم يحرموا من هذا الحق، ولا ريب في أنه إذا حدد الدستور وسيلة معينة هي المطالبة القضائية للوصول إلى الحق تعين التزام هذه الوسيلة، ولا يجوز للسلطة التشريعية أن تهدرها.
فالدستور وإذ أنشأ السلطة القضائية وأسند إليها الفصل في الخصومات القضائية، وإقامة العدل بين الناس في حيدة وتجرد مستقلة عن باقي السلطات الأخرى، فإنه لا يتأتى للسلطة القضائية أن تباشر هذ الوظيفة التي أسندها إليها الدستور إلا إذا تمكن الأفراد من ممارسة وسيلة المطالبة القضائية، لاسيما أنها لا تختص بإنزال حكم القانون إلا في منازعات ترفع إليها من أصحاب الشأن، وينبني على ذلك أن كل تقييد لوسيلة المطالبة القضائية هو في حقيقته تقييد لوظيفة السلطة القضائية في مزاولة اختصاصها، بما ينطوي عليه ذلك من تعارض مع مبدأ فصل السلطات المنصوص عليه في المادة (50) من الدستور، وإهدار للحقوق ذاتها التي كفلها الدستور، فضلاً عن أنه ليس من شأن النص في المادة (164) من الدستور، على أن يرتب القانون المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، ويبين وظائفها واختصاصاتها، والذى ينصرف إلى تخويل المشرع اختصاصاً في توزيع العمل بين المحاكم وتقسيمه بحسب نوعه وطبيعته وما يرتبط بذلك من بيان لاختصاصاتها، وفقاً لما يقتضيه صالح العمل ودواعي المصلحة العامة.
اختصاصات القضاء
وليس من شأن ذلك أن ينسحب إلى تخويل السلطة التشريعية في عزل القضاء عن ممارسة اختصاصه الأصيل بنظر الخصومات القضائية، أو تعطيل وظيفة السلطة القضائية، أو حجب الوسيلة القضائية عن الأفراد التي يمكن من خلالها حماية حقوقهم وحرياتهم، وفوق هذا وذاك فإن القول بالاختصاص المطلق للجنة الطبية المشار إليها فيه تقويضاً للاتفاقية الدولية ذاتها سالفة البيان التي ألزمت الدول الأعضاء في المادة 13 منها، وتحت عنوان «إمكانية اللجوء إلى القضاء» على أن:
1 - تكفل الدول الأعضاء سبلاً فعالة للأشخاص ذوي الإعاقة للجوء إلى القضاء على قدم المساواة مع الآخرين، بما في ذلك من خلال توفير التيسيرات الإجرائية التي تتناسب مع أعمارهم، بغرض تيسير دورهم الفعال في المشاركة المباشرة وغير المباشرة، مما في ذلك بصفتهم شهود، في جميع الإجراءات القانونية، مما فيها مراحل التحقيق والمراحل التمهيدية الأخرى.
2 - لكفالة إمكانية لجوء الأشخاص ذوي الإعاقة إلى القضاء فعلياً، تشجع الدول الأطراف التدريب المناسب للعاملين في مجال إقامة العدل، وضمنهم الشرطة وموظفو السجون.
ثانياً: أن المشرع بعد أن حدد مفهوم الشخص المعاق ناط باللجنة الفنية المختصة - المشكلة من ذوي الاختصاصات في المجال الطبي والخبرة في مجال الأشخاص ذوي الإعاقة - دون غيرها اختصاص النظر في المسائل الطبية المتعلقة بهذا المجال، باعتبارها من المسائل الفنية التي تترخص فيها بسلطة تقديرية واسعة تحت رقابة القضاء، وتباشر عملها وفق ضوابط وقواعد حاكمة بشأن صحة اجتماعاتها وآلية مباشرة عملها ومن ترى الاستعانة به، وخولها سلطة في تحديد نوع الإعاقة ودرجتها، ومن ثم يتمتع بالمزايا والحقوق المنصوص عليها في القانون المشار إليه، ولا وجه للنعي عليها إلا إذا شاب قرارها الخطأ في تطبيق القانون أو بإساءة استعمال السلطة.
وبالتالي، فإنه لا يدخل في اختصاص عمل اللجنة تحديد نطاق تطبيق هذا القانون، وذلك لسببين، أولهما أن المشرّع في الاتفاقية الدولية والتشريع المحلي قد حددا مفهوم الإعاقة، ومن ثم ما كان لجهة أخرى دونهما التدخل في ذلك، وثانيهما أن هذه المسألة لم تكن محل تفويض من المشرّع الى أي سلطة أدنى، وما كان لها أن تكون محل تفويض من المشرّع بعد أن حددها تحديداً جامعاً مانعاً.
ركن أساسي
وبيّنت المحكمة أنه ولما تقدّم، وكان المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن قيام قضاء إداري يختص بنظر الخصومات الإدارية، مزوّد بولاية إلغاء القرارات الإدارية المخالفة للقانون، وولاية التعويض عنها، هو ركن أساسي في النظام الدستوري، وقد تضمّنه نص صريح في المادة 169 من الدستور، محدداً بذلك الوسيلة القضائية للمطالبة القضائية، دعماً للضمانة الأصيلة التي يحققها للأفراد إذا تحيّفت بهم تلك القرارات، وكان ما تصدره اللجنة الفنية المختصة بالهيئة العامة لشؤون ذوي الإعاقة من قرارات - بوصفها الجهة القائمة على تحديد المعاقين ودرجة إعاقتهم، وكانت رقابة المحاكم على نحو ما سلف بيانه تنبسط على القرارات الإدارية المطعون فيها، استظهاراً لمدى انضباطها داخل أطر الشرعية، وذلك بوزنها بميزان القانون ومقتضيات المشروعية التي تتمثّل فيها المصلحة العامة، ويتحقق بها استقرار النظام العام، فإذا تبيّن للقضاء الإداري استواء القرار صحيحاً أجازه وثبّته على أصل صحته، أما إذا تبيّن له اختلال أحد أركانه أو مجاوزته مقتضيات المشروعية ألغاه وأزال آثاره، وهي رقابة تقف عند حدها الطبيعي بما ليس فيه تغوّل على سلطة تلك اللجنة أو الحلول محلها فيما تترخص فيه وتستقل بتقديره، مادام قد خلا تقديرها من أي عيب من عيوب القرار الإداري الذي ينال منه.
الطاعنة ووصف الإعاقة
أكدت المحكمة أن أوراق القضية تثبت، بما لا خلاف عليه، أن الطاعنة تعاني سرطان غدة متقدماً، تموضع في الجزء الأسفل من المريء وانتشر في الغدد الليمفاوية والكبد، وحدث استئصال كامل للمعدة نتيجة ذلك، كما أنها مصابة بربو قصبي شعبي مزمن واعتلال في الأعصاب الطرفية، مما يشكل اعتلالاً دائماً لدى الطاعنة يؤدي إلى قصور قدراتها البدنية والحسية قد يمنعها من المشاركة بصورة كاملة أو فعالة في المجتمع على قدم المساواة مع الآخرين، وليس أدل على ذلك من إنهاء خدمتها لدى وزارة الداخلية لذات السبب، ومن ثم تكون الطاعنة قد توافرت في حالتها صفة أنها معاقة.