بناء على تأكيدها أن حرية الرأي والتعبير لم تكن يوماً مطلقة، «فإن جاءت بإساءة أو تضمنت سباً أو قذفاً يمس العلاقات الدولية يقع مرتكبوها تحت طائلة القانون»، أكدت النيابة العامة رفضها الاقتراح بقانون الذي قدمه النائب شعيب المويزري و4 نواب آخرين، بشأن تعديل قانون الجزاء بما ينص على عدم اعتبار حرية الرأي من الأعمال العدائية ضد الدول الأجنبية.
وشددت النيابة، في ردها الذي حصلت «الجريدة»، على نسخة منه، أن قضاء المحكمة الدستورية الذي ركن إليه مقدمو الاقتراح، «فُهِم في غير مرماه»، لافتة إلى أن «الدستورية» والتمييز كلتيهما «لم تُخرجا الآراء والأقوال من مفهوم الأفعال».
ورأت أن المذكرة الإيضاحية للاقتراح اجتزأت من مدونات حكم «الدستورية» عبارة لا علاقة لها بحرية الرأي والتعبير وأخرجتها عن سياقها ليستدل من ذلك على ما يعزز وجهة النظر التي قام عليها التعديل المقترح.
وبشأن مفهوم العمل العدائي ضد دولة أجنبية، استدلت النيابة العامة بقضاء «التمييز» وفقاً لحكم المادة 4 التي تنص على أن العمل العدائي هو «كل فعل يكشف عن المنابذة والانتهاك وينم بطبيعته عن المعاداة أو الامتهان لمصالح الدول الأجنبية، ويكون له خطره في الظروف المختلفة التي يقع فيها، سواء من حيث الزمان أو المكان»، لتُرتب على ذلك قضاءها بأن «الكتابة الصحافية والخطب وما إليها أفعال مادية خارجية وملموسة، يصح أن تكون عدائية، فتدخل في نطاق النص إذا تجاوزت الحدود القانونية لحرية إبداء الرأي».
وقالت النيابة إن حرية الرأي والتعبير لم تكن يوماً حرية مطلقة، بل هي حرية مسؤولة - وفقاً لتعبير مقدمي الاقتراح المعروض بمذكرته الإيضاحية – وعليه فإن تلك الحرية «إن جاءت بإساءة أو تضمنت سباً أو قذفاً، يمس العلاقات الدولية، فلا ريب أنها ستُلحق بدولة الكويت أضراراً بالغة على الصعيد الدولي، وبالتالي يقع مرتكبها تحت طائلة القانون»، وبناءً على ما تقدم ترى النيابة عدم الموافقة على الاقتراح برمته.
وكان النواب المويزري وفلاح الهاجري وأسامة الزيد وعبدالله فهاد وسعود العصفور قدموا هذا الاقتراح لتعديل بعض أحكام القانون 31 لسنة 1970 وبعض أحكام قانون الجزاء رقم 16 لسنة 1960، ونص الاقتراح في مادته الأولى على أن تضاف فقرة أخيرة إلى المادة 4 من القانون 31 المشار إليه تنص على أنه «لا يسري هذا الحكم عند استعمال الفرد لحق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما بأي وسيلة كانت، إعمالاً للنص الدستوري».
وفي تفاصيل الخبر:
أكدت النيابة العامة عدم موافقتها على الاقتراح بقانون المقدم من النائب شعيب المويزري وآخرين، بشأن تعديل قانون الجزاء بما ينص على اعتبار حرية الرأي ليس من الأعمال العدائية ضد الدول الأجنبية، مشددة على أن قضاء المحكمة الدستورية، الذي ركن إليه مقدمو الاقتراح، قد فُهم في غير مرماه، وأنه ومحكمة التمييز لم يخرجا الآراء والأقوال من مفهوم الأفعال.
وشددت النيابة، في ردها الذي أعدته، وحصلت «الجريدة» على نسخة منه، على أن حرية الرأي والتعبير لم تكن يوماً مطلقة، فإن جاءت بإساءة أو سباً أو قذفاً يمس العلاقات الدولية يقع مرتكبوها تحت طائلة القانون.
وكان النواب المويزري وفلاح الهاجري وأسامة الزيد وعبدالله فهاد وسعود العصفور قدموا اقتراحاً بقانون بتعديل بعض أحكام القانون رقم 31 لسنة 1970 بتعديل بعض أحكام قانون الجزاء رقم 16 لسنة 1960، ونص الاقتراح في مادته الأولى على أن تضاف فقرة أخيرة إلى المادة 4 من القانون رقم 31 لسنة 1970 المشار نصها الآتي: «ولا يسري هذا الحكم عند استعمال الفرد لحق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما بأي وسيلة كانت إعمالاً للنص الدستوري».
وقالت المادة الثانية: «يستبدل بنص المادة 15 من القانون رقم 31 لسنة 1970 المشار إليه النص الآتي: يعاقب بالحبس المؤقت الذي لا تقل مدته عن ثلاث سنوات كل كويتي أو مستوطن في الكويت أذاع عمداً في الخارج أخباراً أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو مغرضة حول الأوضاع الداخلية للبلاد، ونتج عن ذلك انهيار الثقة المالية بالدولة أو باشر بأية طريقة كانت نشاطاً نتج عنه الإضرار بالمصالح القومية للبلاد».
خطر الحرب
وجاء في المذكرة الإيضاحية للاقتراح أن من شأنه إطلاق حق التعبير المسؤول، وتلافي السلبيات التي تحد من هذا الحق، لاسيما في ظل الأحكام الجزائية العديدة التي صدرت ضد أصحاب الرأي استناداً لحكم المادة الرابعة من القانون 31 لسنة 1970 - التي تجرم القيام بأعمال عدائية ضد دولة أجنبية من شأنها تعريض الكويت لخطر الحرب أو قطع العلاقات السياسية - وذلك بافتراض سوء مقصدهم... فقد ذهبت الأحكام الجزائية إلى القول بأن الأعمال العدائية تشمل الآراء أياً كان مصدرها، ووسيلتها وطرق نشرها، رغم أن قضاء المحكمة الدستورية في حكمها الصادر رقم 3 لسنة 2016 دستورية بتاريخ 11/ 5/ 2016 قد جرى على خلاف ذلك، لأنه اشترط في العمل العدائي المذكور في المادة 4 آنفة البيان أن يكون فعلاً مادياً وخارجياً وملموساً محسوساً، ومن ثم فإن النص يجرم أفعالاً مادية، ولا علاقة له بحرية الرأي والتعبير التي كفلها الدستور، وعلى ذلك يصبح إبداء الرأي والتعبير سواء كان شفاهة أو كتابة في أي وسيلة كانت، فعلاً غير مجرم.
وحرص التعديل المقترح في الشق الثاني منه ــ استبدال نص المادة 15من القانون 31 لسنة 1970ــ والمرتبط بالشق الأول من التعديل باعتبار أن موضوع النشاط يتعلق بحرية الرأي والتعبير - على التأكيد أن النموذج القانوني للجريمة لا يتحقق الا بتحقق النتيجة الناجمة عن الفعل، وارتباطهما ارتباط السبب بالمسبب، بمعنى أن ينتج عن إذاعة الأخبار أو البيانات أو الإشاعات الكاذبة... حول الأوضاع الداخلية للبلاد.
وأوضحت النيابة العامة أنه سبق أن وافت وزارة العدل - غير مرة - بمذكرات بالرأي حول المقترح السالف، بمناسبة الرد على عدد من الاقتراحات بقانون - تتطابق في جوهرها مع الاقتراح المعروض.
وبناءً على ما تقدم، وبالنظر إلى أن الاقتراح المعروض لم يأت - في جوهره - بجديد يغاير ما كان معروضاً من قبل، فإن النيابة العامة تلتزم رأيها السابق بشأن ذات الموضوع.
الرأي التفصيلي
ورأت النيابة العامة عدم الموافقة على الاقتراح المعروض، بالنظر إلى أن قضاء المحكمة الدستورية التي ركن إليه مقدمو الاقتراح، ربما يكون قد فُهم على غير مرماه، بدلالة القول بأن قضاء «الدستورية» قد أخرج حرية الرأي والتعبير من نطاق الأفعال التي تقوم بها الجريمة المؤثمة بالمادة 4 آنفة البيان، وهذا النظر عار من الصحة، لأن مبنى الطعن بعدم الدستورية بالفقرة الأولى من المادة الرابعة آنفة البيان، كان قائماً على سند مما شاب النص من غموض وإبهام، إذ صيغت عبارات هذه الفقرة من تلك المادة مفتقرة إلى عناصر الضبط والاحكام الموضوعي، ومفتقدة إلى التحديد الجازم لضوابط تطبيقها لانطوائها على خفاء وغموض على نحو قد يفضي إلى تعدد تأويلاتها، ويثار الجدل في شأن حقيقة محتواها مما يجعل هذا التجهيل مخالفا لنصوص المواد 30,36,47 من الدستور.
وأضافت أن «الدستورية» قد قضت برفض الطعن بعدم دستورية النص آنف البيان بقولها ما نصه «أن عبارات الفقرة الأولى من المادة 4 من القانون رقم 31 لسنة 1970 سالف الذكر قد جاءت واضحة جلية ومحددة بصورة يقينية لا التباس فيها ولا غموض، كاشفة - بما لا يدع مجالاً للبس أو الإبهام - عن الركن المادي للجريمة، ببيان ماهية الأفعال المنهي عنها، فقد جاء تحديدها قاطعا بها وجازما لضوابط تطبيقها وفهمها، مستقيما لعباراتها، وفق معايير تتعلق بها وحددها في حدود ضيقة دون انفلات عباراتها... وأن المقصود بأي عمل عدائي آخر هو كل فعل ظاهر الخطورة... ويتعين في هذا العمل المؤثم أن يكون فعلاً مادياً وخارجياً ملموساً محسوساً... ومتى كان ذلك، وكان النص على النحو المتقدم إنما يتناول تجريم أفعال مادية لا علاقة لها بحرية الرأي والتعبير المكفولة في الدستور والمنظمة قانوناً، ولا يستفاد من هذا النص ما يغير هذا النظر ولا تماس معه على أي وجه من الوجوه، وبالتالي فإن بيان الأفعال المؤثمة التي عينها النص التشريعي المطعون فيه، لا يكون في ذلك مناهضاً لأحكام الدستور الذي خوّل للمشرع في مجال تنظيم الحقوق والواجبات أن يحدد وفقاً لأسس موضوعية ومن خلال النظم الجزائية التي يقرها، أركان كل جريمة دون أن يفرض عليه الدستور طرائق بذاتها لضبطها تعريفا بها... وبالترتيب على ما تقدم، فإن قالة التجهيل بالأفعال المؤثمة تكون لا محل لها».
وتابعت: يبين مما تقدم بجلاء أن الاقتراح المعروض، اجتزأ من مدونات حكم «الدستورية» عبارة لا علاقة لها بحرية الرأي والتعبير وأخرجها من سياقها ليستدل من ذلك على ما يعزز وجهة النظر التي قام عليها التعديل المقترح.
المنابذة والانتهاك
وأكدت أن قضاء المحكمة الدستورية، و«التمييز»، لم يخرجا الآراء والأقوال من مفهوم الأفعال التي تقوم بها الجريمة المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة 4 من القانون رقم 31 لسنة 1970، بما يجعل التعديل المقترح - سواء بإضافة فقرة أخيرة للمادة 4 آنفة البيان - أو باستبدال نص المادة 15 من القانون المشار إليه بالنص المقترح، بالنظر إلى ارتباط التعديلين في الغاية النهائية لهما، وهي إطلاق حرية الرأي والتعبير دون أي ضابط قانوني - مخالفا للمبادئ القضائية المستقرة التي درج عليها القضاء الجزائي.
وتابعت: ومن نافلة القول، أن حرية الرأي والتعبير لم تكن يوماً حرية مطلقة، إنما هي الحرية المسؤولة - وفقا لتعبير مقدمي الاقتراح المعروض بمذكرته الإيضاحية - لذا فإن حرية الرأي والتعبير إن جاءت بإساءة أو تضمنت سباً أو قذفاً، يمس العلاقات الدولية، لاريب تُلحق بدولة الكويت أضرارا بالغة على الصعيد الدولي، وبالتالي يقع مرتكبها تحت طائلة القانون.
وغني عن البيان أن قانون المطبوعات والنشر رقم 3 لسنة 2006 ينص في المادتين (3/27,9/21)، وكذا قانون الإعلام المرئي والمسموع رقم 61 لسنة 2007 في المادتين (2/13,13/11) على تجريم «الإضرار بالعلاقات بين الكويت وغيرها من الدول الشقيقة أو الصديقة إذا تم عن طريق الحملات الإعلامية».
كما ينص قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 63 لسنة 2015 في المادة 6 على تجريم ذات الأفعال المنصوص عليها في قانون المطبوعات والنشر «إذا ارتكبت عن طريق الشبكة المعلوماتية أو باستخدام وسيلة من وسائل تقنية المعلومات...».
وعلى ما تقدم - وللأسباب المار بيانها - ترى النيابة العامة عدم الموافقة على الاقتراح المعروض برمته.
«التمييز»: الآراء أفعال ملموسة يصح أن تكون عدائية
في معرض مبرراتها لرفض اقتراح تعديل المادة الرابعة من قانون الجزاء، استدلت النيابة العامة بحكم سابق لمحكمة التمييز.
وفي هذا السياق قالت النيابة العامة: لقد قال قضاء محكمة التمييز بشأن مفهوم العمل العدائي ضد دولة أجنبية، في حكم نص المادة 4 سالفة الذكر من انه «كل فعل يكشف عن المنابذة والانتهاك وينم بطبيعته عن المعاداة أو الامتهان لمصالح الدول الأجنبية، ويكون له خطره في الظروف المختلفة التي يقع فيها، سواء من حيث الزمان أو المكان، أو من حيث مدى حساسية ونوع العلاقات بين دولة الكويت والدولة التي يرتكب الفعل ضدها، ومن ثم حق اعتبار كل فعل متى توافرت له العناصر المتقدمة عملاً عدائياً، ومن أمثلته المساس بسلامة رئيس دولة أجنبية أو قذفه أو إسناد أمور شائنة إليه أو إلى دولته، للتقليل من هيبتها أو احترامها، أو الدعوة إلى قلب نظام الحكم فيها، ويتعين في هذا العمل أن يكون فعلاً مادياً وخارجياً وملموساً، لأن الأعمال غير المادية التي يبطنها الشخص ولا يلمسها الغير لا ينالها التجريم والعقاب، وكان تقدير ما إذا كانت الأفعال محل الاتهام تدخل في عداد الأعمال العدائية التي يجرمها القانون هو من شؤون القاضي.
وأضافت أن «التمييز» رتبت على ما تقدم قضاءها برفض الطعن، وتأييد الحكم الصادر بإدانة الطاعن على سند من القول بأن «الكتابة الصحفية والخطب وما إليها أفعال مادية خارجية وملموسة، يصح أن تكون عدائية فتدخل في نطاق النص إذا تجاوزت الحدود القانونية لحرية إبداء الرأي».