عبدالعزيز الصقر والتطور التاريخي لإنشاء غرفة التجارة والصناعة في الكويت ودورها الاقتصادي والسياسي(5-8)
«عبدالعزيز حمد الصقر... ذو الرئاستين بين السياسة والاقتصاد»
كتاب تستعرض فيه نور الحبشي محطات حافلة من تاريخ رمز وطني لا يختلف عليه كويتيان
استطاعت الدكتورة نور الحبشي، أستاذة التاريخ بجامعة الكويت، أن تحول سيرة العم عبدالعزيز حمد الصقر الذاتية إلى دراسة أكاديمية شاملة لأحد أهم رجالات الكويت، فهو يعد أبرز وجوه المؤسسة التشريعية، حيث بينت علاقته بتلك المؤسسة والقرارات الحاسمة التي اتخذت في عهد توليه رئاسة البرلمان عام 1963. وتكمن أهمية هذه الدراسة التي ضمنتها الحبشي في كتاب بعنوان «عبدالعزيز حمد الصقر... ذو الرئاستين بين السياسة والاقتصاد»، في تطرقها إلى جملة معطيات لم يلتفت إليها أحد من الباحثين أو المهتمين بتاريخ الكويت الحديث والمعاصر، فهو سليل عائلة من النخب التجارية، وكان صمام الأمان لتلك النخب في فترات مخاض عسير من بينها «دواوين الاثنين» على سبيل المثال، فهو الرقم الصعب نظراً للحكمة والحنكة اللتين تحلى بهما، لاسيما في مؤتمر جدة الشعبي عام 1990. وتطرق الكتاب إلى تلك الشخصية الكويتية ذات الثقل في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فقد ترأس أول مجلس أمة بعد «التأسيسي»، وغرفة التجارة في سنوات صعبة، ومواقفه لا تزال حاضرة في الذاكرة الكويتية. وقد أعطى الكتاب صورة لنموذج من رجالات الكويت ممن عاصروا الحكام وكانوا على مقربة منهم في دائرة صنع القرار، وكان مثالاً للزهد في المنصب، ولم يكن اختياره للتنحي والترجل عن المشهد السياسي إلا لأنه كان يدرك متانة الأساس والتاريخ الذي تركه. عملت د. نور الحبشي على الاستعانة بالوثائق البريطانية المنشورة وغير المنشورة، وكذلك الوثائق العربية والموجودة في الجامعة الأميركية في بيروت، ومحاضر المجلس التأسيسي ومجلس الأمة والمجلس التشريعي، إضافة إلى كثير من المراجع والمذكرات الشخصية والدراسات والبحوث والصحف والكتب، كما هو مبين بقائمة المراجع. ولجأت المؤلفة إلى إخضاع المعلومات لعملية استقصاء وتحليل ونقد، من أجل التطور الزمني للموضوع أولاً، وتتبع الأحداث، وطرح رؤية جديدة، لتكون ذات معنى ومغزى. جاء هذا الكتاب نتيجة عمل بحثي طويل ولقاءات مطولة مع رئيس غرفة تجارة وصناعة الكويت الأستاذ محمد جاسم الصقر، والمستشار في الغرفة الأستاذ ماجد جمال الدين. ويتضمن الكتاب تمهيداً ومقدمة، وأربعة فصول وخاتمة وملاحق، فضلاً عن قائمة بالمصادر والمراجع، وهو صادر عن دار ذات السلاسل للنشر والتوزيع... وفيما يلي تنشر «الجريدة» تفاصيل الحلقة الخامسة بتصرف.
بعد ابتعاده عن المناصب السياسية، تفرّغ عبدالعزيز الصقر للشؤون الاقتصادية، فقد كان عضواً أو رئيساً في عدد من مجالس إدارات وشركات كويتية، ويعد الحديث عن غرفة تجارة وصناعة الكويت ونشأتها وتطورها هو حديث عن صرح، ومَعْلَم كبير، كان شاهداً على تطور خطة اقتصادية واسعة النطاق، بدأت منذ زمن مبكر من ستينيات القرن المنصرم؛ لتكون دعامة أساسية في سياقها الطبيعي لدعم الاقتصاد الكويتي الذي تطور، بلا شك، في حقبة ما بعد النفط، وقد لعب الصقر دوراً كبيراً فيه، وساعد ببناء اقتصاد مستقل تمثل بمشاريع كثيرة ساهمت في تنوع الدخل القومي، وأكّد، من خلال رئاسته غرفة التجارة على مدى ثلاثين عاماً، أن الغرفة تعد واحدة من الغرف الرائدة في منطقة الخليج العربي؛ إذ تبوأت دوراً رياديّاً على المستويين الإقليمي والدولي.
أما ما تعرّضت له الغرفة أثناء الغزو العراقي الغاشم على الكويت عام 1990م فيجب التطرق إليه؛ لأنها بوعي من القائمين عليها، وتحديداً من رئيسها، قامت أثناء محنة الاحتلال بالنهوض، ومحاولة السير ومسايرة الأحداث، والتأكيد على شموخ قطاع الاقتصاد الكويتي، ولم تنأَ بنفسها عن دعم الشرعية الكويتية إبان الاحتلال من خلال دعم الحكومة، وتقديم كل ما يعزز من موقف الحق الكويتي، وكانت شخصية رئيس الغرفة التي اجتمع حولها الكويتيون، لعبت دوراً مميزاً، فعلى الرغم من مرضه، فإن الخبرة والحكمة والحنكة التي تميّز بها باعتراف كل من عاصره من حكام، وأولياء عهود، وحتى رؤساء وزراء كانت ترجّح كفّته.
وكان اهتمامه بالشأن الاقتصادي واضحاً من قبل أن يتسلم رئاسة الغرفة؛ إذ إن إسهاماته الصادقة دفعت عجلة المشاركة بتأسيس بنوك (البنك الوطني مثال على ذلك) وشركات حتى ما قبل مرحلة الاستقلال عام 1961؛ مما يؤكد استراتيجية اقتصادية مميزة لخط سير المجالات الاقتصادية في الكويت منذ ذلك الوقت المبكر.
ولم يكن الشيخ أحمد الجابر بعيداً عن رؤية التجار المستقبلية فمنذ عام 1938، وإبان قيام المجلس التشريعي الأول كان هذا المطلب موجوداً، ومتفقاً عليه، وهو يعطينا تصوراً لبعد النظر الذي حظي به هؤلاء التجار، كما أن القيمة المعنوية لقيام صرح كبير يحوي في طياته كل ما يرتبط بالسياق التجاري للبلد من منظور أبناء الوطن، فكانت البدايات المطالبة ببرنامج انتخابي لتأسيس غرفة التجارة، ولولا ثقة واهتمام وحرص الشيخ أحمد الجابر، لما قَبِلَ بإدراج هذا البرنامج بنداً رئيساً من قبل الكتلة الوطنية إبان المجلس التشريعي عام 1938.
إن التطور التاريخي الذي واكب صعود غرفة التجارة في الكويت، وساعد على مواكبتها التحديات الجديدة في كل مرحلة من مراحل بناء الوطن، تحقّق بفضل دعم قيادة مستنيرة كانت ترى أن الاقتصاد يشكّل ركيزة أساسية لبلد مثل الكويت، وأن اتفاقيات التعاون الدولية التي دعمتها الغرفة ما هي إلا لتعزيز الجانب السياسي للكويت، وتقويته، والتأكيد مرة أخرى على معادلة «التجار+ الحكم= الاستقرار».
النشاط الاقتصادي في الكويت ما بعد النفط
جاء عام 1946 ليصبح عام النفط بامتياز، إذ تم تصدير أول شحنة نفط كويتية بعد سنوات من الحرب العالمية الثانية، وكان ذلك مصاحباً للعزوف عن المهن البحرية، واندثار كل ما يتعلق بالبحر، واتجاه الكويتيين نحو مرحلة اقتصادية جديدة شهدت تطوراً واسعاً في ذلك السياق، تمثل في بناء أساسي لكل ما يتعلق بالبنية الاقتصادية للكويت، فجاءت الاتفاقيات النفطية، وما صاحبها من تأسيس شركات نفطية، واهتمام القيادة بكل ما يدعم القطاع النفطي في مرحلة بناء الكويت الحديثة، من مشاريع وبنى تحتية تؤدي دورها في مساندة ودعم اقتصاد الكويت، والتقدم بها إلى مصاف الدول المنتجة للنفط، والرائدة في صناعته، ولم يكن ذلك كافياً في الرؤية الاستراتيجية لحاكم مثل الشيخ عبدالله السالم، الذي كان يعي ويدرك أن الخطوط جميعها يجب أن تسير وفق آليه متناسقة، وبخطوات ثابتة في التقدم على الصعد جميعها.
ومن المناسب هنا ذكر قصة بنك الكويت الوطني، وهو أحد أهم قطاعات الكويت المصرفية، التي تلقت الدعم من الحاكم للتجار، وكان ذلك بمنزلة ملحمة وطنية؛ نتيجة إيمان الحاكم، وثقته بشعبه، وبالتجار، وهو من تحالف معهم في عهد الشيخ أحمد الجابر كما سبق الحديث عنه، وهنا تبدأ حكاية جديدة في مسيرة الوطن، التي كان أحد أبرز مؤسسيها عبد العزيز الصقر.
لم يكن في الكويت قبل عام 1952 أيُّ بنكٍ سوى البنك البريطانيِّ للشرق الأوسط، الّذي تمَّ افتتاحه رسميّاً عام 1942، بعد أن سمح له بمزاولة نشاطه المصرفيِّ في الكويت بموجب اتّفاق مع الشيخ أحمد الجابر الصّباح عام 1941، وكانت المدَّة المصرَّح بها لهذا البنك في الكويت خمساً وعشرين سنة، وقد مدّدتْ أربع سنوات، وانتهت عام 1971 عندما أصبحَّ البنك كويتيًّا، وتغيَّر اسمُه إلى «بنك الكويت والشَّرق الأوسط»، وفي عام 1949 رفض مدير البنك وهو بريطاني الجنسية، طلب قرض بقيمة 10000 روبية تقدّم به أحد التجار الكويتيين، وطلب منه إحضار كفيل، فلم تعجب التاجر طريقة تعامل البنك معه، فدعا لعقد اجتماع عاجل مع رفاقه التجار، وقرّروا إنشاء بنك وطني كويتي.
ويؤكد تأسيس بنك الكويت الوطنيّ عام 1952 الحق الوطني للكويتيين في إنشاء بنك كويتي، وكان عبارة عن شركة مساهمة لم يتجاوز رأسمالها ثلاثةَ عشرَ مليونًا، ومئة ألف روبية؛ أي: ما يعادل المليون دينارٍ، وحمل آنذاك اسمُ «بنك الكويت الوطنيّ المحدود»، وفي بدايات عام 1952 عقدَ مؤسّسو البنك الأوائل اجتماعًا معَ الشيخ عبدالله السّالم الصّباح حضره كل من: خالد زيد الخالد، وأحمد سعود الخالد، وخالد عبداللَّطيف الحمد، وخليفة الخالد الغنيم، وسيد علي سيد سليمان الرفاعي، وعبدالعزيز حمد الصّقر، ومحمد عبدالمحسن الخرافيّ، ويوسف أحمد الغانم، ويوسف عبدالعزيز الفليج.
وبارك هذا الاجتماع الشيخ عبدالله السّالم، الذي أكد دعمه وانحيازه لشعبه على الرّغم من التّحديات الكثيرة الّتي كان أبرزها أنَّ عقد تأسيس فرع البنك البريطانيّ مع حكومة الكويت ينصُّ على عدم السَّماح بإنشاء مصارفَ أخرى في البلاد، وعندما حاولت بريطانيا الاحتجاج اتَّضح لها أنَّ الشّرط المُبرَم في العقد يقتصر على المصارف الأجنبيَّة فقط، ولا ينطبق على فكرة تأسيسِ مصارف كويتيّة وطنيّة داخل الكويت؛ علمًا بأنَّ عقد البنك البريطانيَّ للشرق الأوسط الّذي بدأ عام 1941 ينتهي في الستينيات.
وفي 19 مايو 1952 صدر المرسومُ الأميري بتأسيس البنك الوطنيّ. وفي 15 نوفمبر من العام نفسِه افتتح بنك الكويت الوطنيّ للعمل رسميًّا كشركة مساهمةٍ كويتيةٍ لممارسة الأعمال المصرفيّة، وكان عددُ العاملين في البنك عند تأسيسه 17 موظفًا، ثمَّ ارتفع هذا العدد ليصل إلى 50 موظفًا عام 1954، وليصبح البنك الآن علامة فارقة ليس على مستوى الكويت فحسب، بل على المستوى العالمي، هذا البنك الذي كان رئيس مجلس إدارته عبد العزيز الصقر.
ويبدو أن أساسيات القيام بأعمال قانونية من خلال التعاقد مع مجموعة من المحاسبين القانونيين مثل «روسل وشركاؤه»، كانت من أولويات المؤسسين؛ إذ كانت كشوف الميزانيات بعد إعدادها تعتمد من رئيس مجلس الإدارة ونائبه، ويتَّضح من هذه الميزانيات أنَّ البنك كان يزاول منذ البداية أعمالًا تجاريّةً ومصرفيّةً، فقد كانت لدى البنكِ اعتماداتٌ تجاريّةٌ، وكفالاتٌ للعملاء، وكذلك مخزون من النقد يغطي الطَّلب على السُّيولة.
إنشاء غرفة التجارة وتطورها
أُسست غرفة التجارة والصناعة في الكويت بمرسوم أميري، وهو أمر لا يعد جديداً على أي كويتي، بل حرص أعضاء المجلس التشريعي منذ عام 1938 على وضع أهم التنظيمات والتشريعات للائحة المتعلقة بإنشاء غرفة التجارة منذ ذلك الوقت المبكر في تاريخ الكويت؛ مما يعطينا تصوراً للرؤية الثاقبة وبعيدة المدى، والإدراك العميق لمفهوم التجارة والاقتصاد بشكل عام في الكويت كقطاع كبير مهم للدولة.
ولعل من المناسب القول إنه منذ نشأة الكويت تميزت النخبة التجارية بمحاولة تنظيم نفسها، وعمل تكتل خاص بها من أجل الدفاع عن مصالحها، والمساهمة في ازدهار النشاط التجاري، وبناء البلد؛ ولذلك نشأت فكرة تأسيس غرفة تجارية منذ فترة مبكرة قبل الاستقلال؛ حيث تم بحث الموضوع عام 1952 في المجلس البلدي، إلا أنه لم يطبق على أرض الواقع إلا في 12 فبراير من عام 1955، ونص القرار على: «إنشاء غرفة للتجارة بمرسوم أميري، توكل إليها مهمة إصدار الأنظمة والقوانين الخاصة بالشؤون التجارية، بحيث تتلاءم مع الوضع والطابع التجاري في الكويت»، وقد سعت الغرفة منذ نشأتها إلى تحقيق هدفين أساسيين، هما:
1 - المساهمة في تنظيم وتنمية الاقتصاد الوطني، ومحاولة إيجاد بنية مستدامة متجددة لا تركز على النفط كمصدر أساسي للدخل.
2 - إيجاد قطاع خاص قوي يتمتع بالكفاءة في العمل تحت مظلة رؤية الدولة وخططها.
وقد تم وضع القانون الأساسي للغرفة بناء على تطورات كثيرة، أهمها الوضع القانوني للغرفة، ولعل الأهداف الأساسية تمثلت في حماية مصالح الأعضاء المنتسبين إليها، والمحافظة على ثروة البلاد، وتشجيع المنتج الوطني. وبحكم تعدد الأهداف رافقت الغرفة المسيرة التنموية منذ بدايتها، وكان لها الفضل في إبراز الدور الإيجابي للقطاع الخاص في خدمة المجتمع الكويتي، والإسهام في دعم مؤسسات الدولة الاقتصادية من خلال إبرام اتفاقيات التعاون، وتوقيع برتوكولات عديدة كانت، بلا شك، إضافة وإسهامًا في تفعيل دورها، وتأكيد أهميتها من خلال وضع قانون لها ذي توجه وطني كبير.
وكانت لغرفة التجارة، تحت رئاسة أول رئيس لها، وهو الصقر، صلات جيدة بالغرف العربية، وكانت تُدْعى لحضور مؤتمرات الغرف العربية، والإسلامية، والأجنبية، وكانت لها إسهامات فعالة في تحقيق نقلة نوعية في المجالات الاقتصادية المختلفة، من خلال الدعم، والتحفيز، والانضمام إلى كل ما يدعم الاقتصاد الكويتي، ويمثل له إضافة في أي بقعة من بقاع العالم.
وكان للمؤتمر التاسع بين 14 – 18 نوفمبر 1959، الذي عقد في الكويت، أهمية كبيرة جدًا؛ حيث أقرّ المجتمعون تكليف لجنة فنية لوضع مشروع لإنشاء مؤسسة أهلية عربية للاستثمار، يكون هدفها إنشاء، وتمويل المشاريع الاقتصادية والأهلية في البلاد العربية، ودعوة الغرف العربية لإقامة اتصالات وثيقة، والتأكيد على عروبة الخليج، وكان عبدالعزيز الصقر، رئيس الغرفة، حاضرًا فيه ممثلًا عن الكويت، كما شاركت الغرفة تحت رئاسته بكثير من المؤتمرات، التي تؤكد عمق العلاقات الاقتصادية بين البلدان العربية، وغير العربية.
ولعل من الانصاف القول إن المد القومي كان حاضرًا في فترة رئاسة الصقر، الذي صدّق على قرارات المؤتمر العاشر المنعقد في بيروت في الفترة من 21 – 23 نوفمبر 1960، وكان تحت رعاية اللواء فؤاد شهاب رئيس الجمهورية اللبنانية آنذاك؛ إذ اتخذت به قرارات متعددة من بينها تأييد الأماني القومية، ودعم حركة النضال العربي ضد المستعمرين في الجزائر وفلسطين.
وتم تدشين مبنى غرفة التجارة الجديد عام 1968؛ حيث ألقى الصقر خطاباً أكّد فيه أهمية الغرفة، ودورها الرائد، وخدماتها نحو المجتمع، كما بيّن أن تأسيسها جاء لتأكيد أهمية ومكانة التجارة في نفوس الكويتيين، وجاء في تصميم مبنى الغرفة مراعاة ثلاثة أمور رئيسية، هي:
1 - أصالة الفن (فن العمارة العربي الإسلامي).
2 - ملاءمة العوامل المناخية.
3 - الانسجام مع طبيعة عمل الغرفة.
والغرفة لم تكن بعيدة عن حقل العلم والمعرفة؛ حيث شاركت في مؤتمر الكويت لتطوير المناهج المدرسية الذي عقد في 18 – 23 مارس 1972، الذي دعت إليه وزارة التربية؛ بهدف دعوة المتخصصين من رجال التربية، والمهتمين بالسلك التعليمي للمشاركة، وإبداء الرأي في القضايا المتعلقة بمناهج الدراسة في المدارس والمعاهد، وقد دعيت الغرفة للمؤتمر المذكور، وألقى رئيسها الصقر كلمة أعرب فيها أن ثروة الكويت الإنسانية هي المستقبل، وتعتمد على بناء جيل واعٍ قادر على مواجهة التحديات، ومواكبة التقدم في شتى المجالات.
ولعب الصقر دوراً مؤثراً على المستوى العربي في دعم إنشاء اتحاد عام للغرف العربية؛ بهدف وضع الخطوط العريضة لاتحاد الدول العربية، ودعم مجالات التجارة والصناعة والزراعة، وكان ذلك من خلال سلسلة متتالية من الاجتماعات، ووضع صيغة لبرتوكول يعمل من خلاله، ووفق بنوده رئاسة مجلس اتحاد الغرف العربية، حتى إن الكويت ترأسته في فترة من الفترات خلال تولي الصقر رئاسة غرفة التجارة وكان ذلك في الفترة من 1965– 1968.
ويبدو أن السياسة حاضرة في الاقتصاد، وأنها جزء لا يتجزأ منه، فإن غادر الصقر السياسة بمحض إرادته عام 1967، فإنها كانت واقعًا مفروضًا عليه عام 1979، من خلال ترؤسه وفد الكويت لمؤتمر الغرف العربية في الرباط 29 أبريل 1979م، بعد توقيع مصر اتفاقية كامب ديفيد، وقد تألف الوفد المذكور من الصقر رئيساً، وعضوية: عبدالرزاق الخالد، ويعقوب يوسف الحمد، ومحمد عبدالرحمن البحر، وناصر عبدالوهاب القطامي، ويعقوب يوسف الحميضي، وماجد بدر جمال الدين مستشار الغرفة، وقد نبّه إلى خطورة هذه الاتفاقية السياسية على الاقتصاد، وما ستجره من ويلات على عالمنا العربي والإسلامي.
وأكّد مستشار الغرفة ماجد بدر جمال الدين في حديثه على «دقة عمل، وحنكة، والتزام رئيس الغرفة عبدالعزيز الصقر بمواعيده، والانضباط التام الذي يتمثل به عند رئاسته أي وفد رسمي لغرفة التجارة والصناعة الكويتية في شتى الزيارات المختلفة للبلدان الأجنبية، أو العربية على حد سواء»، ومن الجميل ذكر ما قاله عن إعجاب اليابانيين بدقة مواعيد الصقر، وأنه من النادر إيجاد شخصية عربية بذلك الانضباط.
ومن المناسب ذكر ما قامت به الغرفة تحت قيادته من توثيق المجالات الاقتصادية، وتسليط الضوء على حجم المصالح الاقتصادية مع الولايات المتحدة، من خلال تنظيم اللقاءات مع المسؤولين الأميركيين من رجال أعمال، وشركات، ومؤسسات، ومحاولة وضع تصور للأرقام التجارية من استيراد وتصدير، ومقارنتها ومحاولة دفعها للنمو والارتفاع؛ مما يخدم شعبي البلدين.
ويجب هنا التأكيد على أن التعامل مع بلد بحجم الولايات المتحدة، وفي تلك الحقبة كان يمثل تحديًا كبيرًا في ظل نظام عالمي جديد، كانت الولايات المتحدة أحد طرفيه، فكان لموضوع الأزمة المالية التي تبعت وقف النفط عام 1973، في ظل القرار الذي اتخذته الدول العربية المنتجة للنفط، آثار بالغة على الاقتصاد الأميركي، فكان للصقر بصفته رئيساً للغرفة دور على طرح فكرة استخدام الموارد المالية المتاحة للبلاد العربية المصدر للنفط في إقامة أنشطة مشتركة؛ تستفيد بدرجة كبيرة من تنويع اقتصادات هذه البلدان، فكون المعادلة ذات طرفين، فإنه كان يؤكد في مجمل خطاباته التي ألقاها في هذا الشأن على أن الفائدة الفنية والتقنية المقدمة من الجانب الأميركي مهمة في ميزان المدفوعات الأميركية، كما أنها مهمة لاستقرار سعر الدولار كعملة عالمية.
أما ما تعرّضت له الغرفة أثناء الغزو العراقي الغاشم على الكويت عام 1990م فيجب التطرق إليه؛ لأنها بوعي من القائمين عليها، وتحديداً من رئيسها، قامت أثناء محنة الاحتلال بالنهوض، ومحاولة السير ومسايرة الأحداث، والتأكيد على شموخ قطاع الاقتصاد الكويتي، ولم تنأَ بنفسها عن دعم الشرعية الكويتية إبان الاحتلال من خلال دعم الحكومة، وتقديم كل ما يعزز من موقف الحق الكويتي، وكانت شخصية رئيس الغرفة التي اجتمع حولها الكويتيون، لعبت دوراً مميزاً، فعلى الرغم من مرضه، فإن الخبرة والحكمة والحنكة التي تميّز بها باعتراف كل من عاصره من حكام، وأولياء عهود، وحتى رؤساء وزراء كانت ترجّح كفّته.
وكان اهتمامه بالشأن الاقتصادي واضحاً من قبل أن يتسلم رئاسة الغرفة؛ إذ إن إسهاماته الصادقة دفعت عجلة المشاركة بتأسيس بنوك (البنك الوطني مثال على ذلك) وشركات حتى ما قبل مرحلة الاستقلال عام 1961؛ مما يؤكد استراتيجية اقتصادية مميزة لخط سير المجالات الاقتصادية في الكويت منذ ذلك الوقت المبكر.
ولم يكن الشيخ أحمد الجابر بعيداً عن رؤية التجار المستقبلية فمنذ عام 1938، وإبان قيام المجلس التشريعي الأول كان هذا المطلب موجوداً، ومتفقاً عليه، وهو يعطينا تصوراً لبعد النظر الذي حظي به هؤلاء التجار، كما أن القيمة المعنوية لقيام صرح كبير يحوي في طياته كل ما يرتبط بالسياق التجاري للبلد من منظور أبناء الوطن، فكانت البدايات المطالبة ببرنامج انتخابي لتأسيس غرفة التجارة، ولولا ثقة واهتمام وحرص الشيخ أحمد الجابر، لما قَبِلَ بإدراج هذا البرنامج بنداً رئيساً من قبل الكتلة الوطنية إبان المجلس التشريعي عام 1938.
إن التطور التاريخي الذي واكب صعود غرفة التجارة في الكويت، وساعد على مواكبتها التحديات الجديدة في كل مرحلة من مراحل بناء الوطن، تحقّق بفضل دعم قيادة مستنيرة كانت ترى أن الاقتصاد يشكّل ركيزة أساسية لبلد مثل الكويت، وأن اتفاقيات التعاون الدولية التي دعمتها الغرفة ما هي إلا لتعزيز الجانب السياسي للكويت، وتقويته، والتأكيد مرة أخرى على معادلة «التجار+ الحكم= الاستقرار».
النشاط الاقتصادي في الكويت ما بعد النفط
جاء عام 1946 ليصبح عام النفط بامتياز، إذ تم تصدير أول شحنة نفط كويتية بعد سنوات من الحرب العالمية الثانية، وكان ذلك مصاحباً للعزوف عن المهن البحرية، واندثار كل ما يتعلق بالبحر، واتجاه الكويتيين نحو مرحلة اقتصادية جديدة شهدت تطوراً واسعاً في ذلك السياق، تمثل في بناء أساسي لكل ما يتعلق بالبنية الاقتصادية للكويت، فجاءت الاتفاقيات النفطية، وما صاحبها من تأسيس شركات نفطية، واهتمام القيادة بكل ما يدعم القطاع النفطي في مرحلة بناء الكويت الحديثة، من مشاريع وبنى تحتية تؤدي دورها في مساندة ودعم اقتصاد الكويت، والتقدم بها إلى مصاف الدول المنتجة للنفط، والرائدة في صناعته، ولم يكن ذلك كافياً في الرؤية الاستراتيجية لحاكم مثل الشيخ عبدالله السالم، الذي كان يعي ويدرك أن الخطوط جميعها يجب أن تسير وفق آليه متناسقة، وبخطوات ثابتة في التقدم على الصعد جميعها.
ومن المناسب هنا ذكر قصة بنك الكويت الوطني، وهو أحد أهم قطاعات الكويت المصرفية، التي تلقت الدعم من الحاكم للتجار، وكان ذلك بمنزلة ملحمة وطنية؛ نتيجة إيمان الحاكم، وثقته بشعبه، وبالتجار، وهو من تحالف معهم في عهد الشيخ أحمد الجابر كما سبق الحديث عنه، وهنا تبدأ حكاية جديدة في مسيرة الوطن، التي كان أحد أبرز مؤسسيها عبد العزيز الصقر.
لم يكن في الكويت قبل عام 1952 أيُّ بنكٍ سوى البنك البريطانيِّ للشرق الأوسط، الّذي تمَّ افتتاحه رسميّاً عام 1942، بعد أن سمح له بمزاولة نشاطه المصرفيِّ في الكويت بموجب اتّفاق مع الشيخ أحمد الجابر الصّباح عام 1941، وكانت المدَّة المصرَّح بها لهذا البنك في الكويت خمساً وعشرين سنة، وقد مدّدتْ أربع سنوات، وانتهت عام 1971 عندما أصبحَّ البنك كويتيًّا، وتغيَّر اسمُه إلى «بنك الكويت والشَّرق الأوسط»، وفي عام 1949 رفض مدير البنك وهو بريطاني الجنسية، طلب قرض بقيمة 10000 روبية تقدّم به أحد التجار الكويتيين، وطلب منه إحضار كفيل، فلم تعجب التاجر طريقة تعامل البنك معه، فدعا لعقد اجتماع عاجل مع رفاقه التجار، وقرّروا إنشاء بنك وطني كويتي.
ويؤكد تأسيس بنك الكويت الوطنيّ عام 1952 الحق الوطني للكويتيين في إنشاء بنك كويتي، وكان عبارة عن شركة مساهمة لم يتجاوز رأسمالها ثلاثةَ عشرَ مليونًا، ومئة ألف روبية؛ أي: ما يعادل المليون دينارٍ، وحمل آنذاك اسمُ «بنك الكويت الوطنيّ المحدود»، وفي بدايات عام 1952 عقدَ مؤسّسو البنك الأوائل اجتماعًا معَ الشيخ عبدالله السّالم الصّباح حضره كل من: خالد زيد الخالد، وأحمد سعود الخالد، وخالد عبداللَّطيف الحمد، وخليفة الخالد الغنيم، وسيد علي سيد سليمان الرفاعي، وعبدالعزيز حمد الصّقر، ومحمد عبدالمحسن الخرافيّ، ويوسف أحمد الغانم، ويوسف عبدالعزيز الفليج.
وبارك هذا الاجتماع الشيخ عبدالله السّالم، الذي أكد دعمه وانحيازه لشعبه على الرّغم من التّحديات الكثيرة الّتي كان أبرزها أنَّ عقد تأسيس فرع البنك البريطانيّ مع حكومة الكويت ينصُّ على عدم السَّماح بإنشاء مصارفَ أخرى في البلاد، وعندما حاولت بريطانيا الاحتجاج اتَّضح لها أنَّ الشّرط المُبرَم في العقد يقتصر على المصارف الأجنبيَّة فقط، ولا ينطبق على فكرة تأسيسِ مصارف كويتيّة وطنيّة داخل الكويت؛ علمًا بأنَّ عقد البنك البريطانيَّ للشرق الأوسط الّذي بدأ عام 1941 ينتهي في الستينيات.
وفي 19 مايو 1952 صدر المرسومُ الأميري بتأسيس البنك الوطنيّ. وفي 15 نوفمبر من العام نفسِه افتتح بنك الكويت الوطنيّ للعمل رسميًّا كشركة مساهمةٍ كويتيةٍ لممارسة الأعمال المصرفيّة، وكان عددُ العاملين في البنك عند تأسيسه 17 موظفًا، ثمَّ ارتفع هذا العدد ليصل إلى 50 موظفًا عام 1954، وليصبح البنك الآن علامة فارقة ليس على مستوى الكويت فحسب، بل على المستوى العالمي، هذا البنك الذي كان رئيس مجلس إدارته عبد العزيز الصقر.
ويبدو أن أساسيات القيام بأعمال قانونية من خلال التعاقد مع مجموعة من المحاسبين القانونيين مثل «روسل وشركاؤه»، كانت من أولويات المؤسسين؛ إذ كانت كشوف الميزانيات بعد إعدادها تعتمد من رئيس مجلس الإدارة ونائبه، ويتَّضح من هذه الميزانيات أنَّ البنك كان يزاول منذ البداية أعمالًا تجاريّةً ومصرفيّةً، فقد كانت لدى البنكِ اعتماداتٌ تجاريّةٌ، وكفالاتٌ للعملاء، وكذلك مخزون من النقد يغطي الطَّلب على السُّيولة.
إنشاء غرفة التجارة وتطورها
أُسست غرفة التجارة والصناعة في الكويت بمرسوم أميري، وهو أمر لا يعد جديداً على أي كويتي، بل حرص أعضاء المجلس التشريعي منذ عام 1938 على وضع أهم التنظيمات والتشريعات للائحة المتعلقة بإنشاء غرفة التجارة منذ ذلك الوقت المبكر في تاريخ الكويت؛ مما يعطينا تصوراً للرؤية الثاقبة وبعيدة المدى، والإدراك العميق لمفهوم التجارة والاقتصاد بشكل عام في الكويت كقطاع كبير مهم للدولة.
ولعل من المناسب القول إنه منذ نشأة الكويت تميزت النخبة التجارية بمحاولة تنظيم نفسها، وعمل تكتل خاص بها من أجل الدفاع عن مصالحها، والمساهمة في ازدهار النشاط التجاري، وبناء البلد؛ ولذلك نشأت فكرة تأسيس غرفة تجارية منذ فترة مبكرة قبل الاستقلال؛ حيث تم بحث الموضوع عام 1952 في المجلس البلدي، إلا أنه لم يطبق على أرض الواقع إلا في 12 فبراير من عام 1955، ونص القرار على: «إنشاء غرفة للتجارة بمرسوم أميري، توكل إليها مهمة إصدار الأنظمة والقوانين الخاصة بالشؤون التجارية، بحيث تتلاءم مع الوضع والطابع التجاري في الكويت»، وقد سعت الغرفة منذ نشأتها إلى تحقيق هدفين أساسيين، هما:
1 - المساهمة في تنظيم وتنمية الاقتصاد الوطني، ومحاولة إيجاد بنية مستدامة متجددة لا تركز على النفط كمصدر أساسي للدخل.
2 - إيجاد قطاع خاص قوي يتمتع بالكفاءة في العمل تحت مظلة رؤية الدولة وخططها.
وقد تم وضع القانون الأساسي للغرفة بناء على تطورات كثيرة، أهمها الوضع القانوني للغرفة، ولعل الأهداف الأساسية تمثلت في حماية مصالح الأعضاء المنتسبين إليها، والمحافظة على ثروة البلاد، وتشجيع المنتج الوطني. وبحكم تعدد الأهداف رافقت الغرفة المسيرة التنموية منذ بدايتها، وكان لها الفضل في إبراز الدور الإيجابي للقطاع الخاص في خدمة المجتمع الكويتي، والإسهام في دعم مؤسسات الدولة الاقتصادية من خلال إبرام اتفاقيات التعاون، وتوقيع برتوكولات عديدة كانت، بلا شك، إضافة وإسهامًا في تفعيل دورها، وتأكيد أهميتها من خلال وضع قانون لها ذي توجه وطني كبير.
وكانت لغرفة التجارة، تحت رئاسة أول رئيس لها، وهو الصقر، صلات جيدة بالغرف العربية، وكانت تُدْعى لحضور مؤتمرات الغرف العربية، والإسلامية، والأجنبية، وكانت لها إسهامات فعالة في تحقيق نقلة نوعية في المجالات الاقتصادية المختلفة، من خلال الدعم، والتحفيز، والانضمام إلى كل ما يدعم الاقتصاد الكويتي، ويمثل له إضافة في أي بقعة من بقاع العالم.
وكان للمؤتمر التاسع بين 14 – 18 نوفمبر 1959، الذي عقد في الكويت، أهمية كبيرة جدًا؛ حيث أقرّ المجتمعون تكليف لجنة فنية لوضع مشروع لإنشاء مؤسسة أهلية عربية للاستثمار، يكون هدفها إنشاء، وتمويل المشاريع الاقتصادية والأهلية في البلاد العربية، ودعوة الغرف العربية لإقامة اتصالات وثيقة، والتأكيد على عروبة الخليج، وكان عبدالعزيز الصقر، رئيس الغرفة، حاضرًا فيه ممثلًا عن الكويت، كما شاركت الغرفة تحت رئاسته بكثير من المؤتمرات، التي تؤكد عمق العلاقات الاقتصادية بين البلدان العربية، وغير العربية.
ولعل من الانصاف القول إن المد القومي كان حاضرًا في فترة رئاسة الصقر، الذي صدّق على قرارات المؤتمر العاشر المنعقد في بيروت في الفترة من 21 – 23 نوفمبر 1960، وكان تحت رعاية اللواء فؤاد شهاب رئيس الجمهورية اللبنانية آنذاك؛ إذ اتخذت به قرارات متعددة من بينها تأييد الأماني القومية، ودعم حركة النضال العربي ضد المستعمرين في الجزائر وفلسطين.
وتم تدشين مبنى غرفة التجارة الجديد عام 1968؛ حيث ألقى الصقر خطاباً أكّد فيه أهمية الغرفة، ودورها الرائد، وخدماتها نحو المجتمع، كما بيّن أن تأسيسها جاء لتأكيد أهمية ومكانة التجارة في نفوس الكويتيين، وجاء في تصميم مبنى الغرفة مراعاة ثلاثة أمور رئيسية، هي:
1 - أصالة الفن (فن العمارة العربي الإسلامي).
2 - ملاءمة العوامل المناخية.
3 - الانسجام مع طبيعة عمل الغرفة.
والغرفة لم تكن بعيدة عن حقل العلم والمعرفة؛ حيث شاركت في مؤتمر الكويت لتطوير المناهج المدرسية الذي عقد في 18 – 23 مارس 1972، الذي دعت إليه وزارة التربية؛ بهدف دعوة المتخصصين من رجال التربية، والمهتمين بالسلك التعليمي للمشاركة، وإبداء الرأي في القضايا المتعلقة بمناهج الدراسة في المدارس والمعاهد، وقد دعيت الغرفة للمؤتمر المذكور، وألقى رئيسها الصقر كلمة أعرب فيها أن ثروة الكويت الإنسانية هي المستقبل، وتعتمد على بناء جيل واعٍ قادر على مواجهة التحديات، ومواكبة التقدم في شتى المجالات.
ولعب الصقر دوراً مؤثراً على المستوى العربي في دعم إنشاء اتحاد عام للغرف العربية؛ بهدف وضع الخطوط العريضة لاتحاد الدول العربية، ودعم مجالات التجارة والصناعة والزراعة، وكان ذلك من خلال سلسلة متتالية من الاجتماعات، ووضع صيغة لبرتوكول يعمل من خلاله، ووفق بنوده رئاسة مجلس اتحاد الغرف العربية، حتى إن الكويت ترأسته في فترة من الفترات خلال تولي الصقر رئاسة غرفة التجارة وكان ذلك في الفترة من 1965– 1968.
ويبدو أن السياسة حاضرة في الاقتصاد، وأنها جزء لا يتجزأ منه، فإن غادر الصقر السياسة بمحض إرادته عام 1967، فإنها كانت واقعًا مفروضًا عليه عام 1979، من خلال ترؤسه وفد الكويت لمؤتمر الغرف العربية في الرباط 29 أبريل 1979م، بعد توقيع مصر اتفاقية كامب ديفيد، وقد تألف الوفد المذكور من الصقر رئيساً، وعضوية: عبدالرزاق الخالد، ويعقوب يوسف الحمد، ومحمد عبدالرحمن البحر، وناصر عبدالوهاب القطامي، ويعقوب يوسف الحميضي، وماجد بدر جمال الدين مستشار الغرفة، وقد نبّه إلى خطورة هذه الاتفاقية السياسية على الاقتصاد، وما ستجره من ويلات على عالمنا العربي والإسلامي.
وأكّد مستشار الغرفة ماجد بدر جمال الدين في حديثه على «دقة عمل، وحنكة، والتزام رئيس الغرفة عبدالعزيز الصقر بمواعيده، والانضباط التام الذي يتمثل به عند رئاسته أي وفد رسمي لغرفة التجارة والصناعة الكويتية في شتى الزيارات المختلفة للبلدان الأجنبية، أو العربية على حد سواء»، ومن الجميل ذكر ما قاله عن إعجاب اليابانيين بدقة مواعيد الصقر، وأنه من النادر إيجاد شخصية عربية بذلك الانضباط.
ومن المناسب ذكر ما قامت به الغرفة تحت قيادته من توثيق المجالات الاقتصادية، وتسليط الضوء على حجم المصالح الاقتصادية مع الولايات المتحدة، من خلال تنظيم اللقاءات مع المسؤولين الأميركيين من رجال أعمال، وشركات، ومؤسسات، ومحاولة وضع تصور للأرقام التجارية من استيراد وتصدير، ومقارنتها ومحاولة دفعها للنمو والارتفاع؛ مما يخدم شعبي البلدين.
ويجب هنا التأكيد على أن التعامل مع بلد بحجم الولايات المتحدة، وفي تلك الحقبة كان يمثل تحديًا كبيرًا في ظل نظام عالمي جديد، كانت الولايات المتحدة أحد طرفيه، فكان لموضوع الأزمة المالية التي تبعت وقف النفط عام 1973، في ظل القرار الذي اتخذته الدول العربية المنتجة للنفط، آثار بالغة على الاقتصاد الأميركي، فكان للصقر بصفته رئيساً للغرفة دور على طرح فكرة استخدام الموارد المالية المتاحة للبلاد العربية المصدر للنفط في إقامة أنشطة مشتركة؛ تستفيد بدرجة كبيرة من تنويع اقتصادات هذه البلدان، فكون المعادلة ذات طرفين، فإنه كان يؤكد في مجمل خطاباته التي ألقاها في هذا الشأن على أن الفائدة الفنية والتقنية المقدمة من الجانب الأميركي مهمة في ميزان المدفوعات الأميركية، كما أنها مهمة لاستقرار سعر الدولار كعملة عالمية.