• مع حلول الذكرى السنوية لليوم العالمي للمفقودين، ما آخر تطوّرات ملف المفقودين الكويتيين؟ وكيف تتعاملون مع هذا الملف؟

- يعد اليوم العالمي للمفقودين يوماً مهمًا للمئات من عائلات المفقودين الذين يتفاقم حزنهم بسبب طول الانتظار وعدم اليقين حول مصير أحبائهم، ويمكن أن يستمر هذا الانتظار أحيانًا لسنوات وحتى عقود. ولقد حظيت بمقابلة العديد من عائلات الأشخاص المفقودين، حيث رأيت صورًا وممتلكات شخصية لأحبائهم. هذه الصور تعني لهم أكثرمن ذلك بكثير، فهي بمنزلة دليل على وجود أحبائهم. وتقف اللجنة الدولية للصليب الأحمر بثبات إلى جانب هذه العائلات، ونحن نشاطرهم حزنهم ولن يهدأ لنا بال حتى يكتشفوا مصير أحبائهم.

Ad

في الكويت والعراق، لدينا فريق كامل متخصص في عملية البحث، ولدينا فريق من المتخصصين بالطب الشرعي وآخرون يعملون دائمًا على بناء قدرات العراقيين لمواصلة البحث.

لدينا فريق يعمل على الأرشيف الخاص بالمفقودين والبحث باستخدام صور الأقمار الاصطناعية. وأخيرًا، كان هناك دعم كبير من حكومة الكويت للاستثمار في المزيد من التكنولوجيا لمواصلة جهود البحث، وهذا يوضح مدى اهتمام حكومة الكويت بهذا الملف، فالدعم الذي يقدّمونه لنا يساعدنا على جعل عملنا أكثر احترافية.

وفي السنوات القليلة الماضية تمكنّا من إغلاق العديد من قضايا المفقودين، ونأمل أن تكون هذه هي البداية فقط، وأن نشهد يومًا ما إغلاق جميع القضايا.

دولياً، كانت الكويت ومازالت صوتاً قوياً نيابة عن عائلات المفقودين، فالقرار 2474 الذي أيدته الكويت عندما كانت عضوا في مجلس الأمن أصبح اليوم قرارا تاريخيا يمنح الأمل لأسر المفقودين في كل العالم. وفي نهاية المطاف، يجب احترام القانون الدولي الإنساني في جميع الأوقات، لأن لدينا اليوم مئات الآلاف من العائلات يبحثون عن أحبائهم، ولكن إذا تم احترام هذا القانون فسيكون العدد أقل بكثير.

أولوية الأسرى والمفقودين

• هل لا يزال ملف الأسرى والمفقودين يمثّل أولوية بالنسبة لك؟

- اللجنة الدولية للصليب الأحمر تهتم اهتماماً كبيراً بملف المفقودين، لذا أنتهز هذه الفرصة لأعرب عن شكرنا وتقديرنا لجهود فرق العمل بوزارتَي الخارجية والداخلية المتفانية للغاية، حيث نتعاون معهم بشكل وثيق في عملية البحث، كما أن فريق العمل باللجنة الدولية في الكويت ملتزم ومكرّس لملف المفقودين، وسنعمل جاهدين لمواصلة الجهد الذي نقوم به نيابة عن عائلات المفقودين والوقوف بثبات إلى جانبهم.

فالمفقودون أثناء الغزو العراقي هم أولويتنا، نقوم بالبحث في مواقع واعدة عدة بالعراق، ونستدعي الشهود باستمرار، ونحلّل شهاداتهم، ونحلّل صور الأقمار الاصطناعية، للتأكد من أنه في حال وجود أي رفات للشهداء سيتم العثور عليها. فعندما تنتهي الحرب ويتم إطلاق الرصاصة الأخيرة ويحلّ السلام، فإن الأشخاص الذين تأثروا بالحرب يبدأون إعادة بناء حياتهم ومواصلة العيش، لكننا نعلم أن الحرب لا تنتهي بالنسبة إلى عائلات المفقودين حتى يتسلّموا رفات أحبائهم، ويقوموا بدفنهم بشكل لائق، وهذا حقّهم، ولهذا السبب نحن هنا اليوم.

ومن منظور إنساني دولي، شهدنا تنامي دور الكويت كفاعل رئيسي في العمل الجاري بشأن الأشخاص المفقودين، ورغم جائحة «كورونا»، ومع الانتكاسات التي واجهها الجميع، كانت هناك نتائج غير مسبوقة، حيث عمل الجميع، اللجنة الدولية، والسلطات الكويتية والعراقية وأعضاء اللجنة الثلاثية، بلا هوادة، للبحث عن المفقودين خلال حرب الخليج 1990 - 1991.

شراكة استراتيجية

• تعتبر الكويت من أوائل الدول دعماً ومساعدة للجنة الدولية للصليب الأحمر، ما تعليقك على ذلك، وكيف تصف علاقة اللجنة بالكويت؟

- ظلت الكويت، على مر السنين، مركزا للبعثة الإقليمية للجنة الدولية للصليب الأحمر لدول مجلس التعاون الخليجي، وداعماً راسخاً للجنة الدولية ومهمتها الإنسانية، وساعدت في دعم استمرارية عمل اللجنة الدولية الإنساني وولايتها المحددة المتمثلة في حماية ومساعدة المتضررين من النزاعات المسلحة وحالات العنف.

وتربط اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالكويت علاقة مميزة قائمة منذ تحريرها، لكنّها تعززت بشكل كبير على مدى السنوات الـ 31 الماضية. واليوم، نحن نقدّر هذه الشراكة الاستراتيجية المتميزة ونعتبرها مصدرا للقوة، لا سيما على صعيد الجهود الرائدة لتخفيف المعاناة الإنسانية من خلال تقديم المساعدة الإنسانية في جميع أنحاء العالم.

وتعرب اللجنة الدولية عن تقديرها لاستمرار الكويت في إحداث تغيير حاسم في حياة عدد لا يُحصى من الأشخاص المتضررين من الأزمات الإنسانية في المنطقة وخارجها.

ومع امتناننا لهذا الدعم، فإننا نودّ أيضا أن نغتنم هذه الفرصة لنشيد إشادة بالغة بالقيادة الإنسانية لسمو الأمير الشيخ نواف الأحمد، ولنشكر دولة الكويت، وبخاصة وزارة الخارجية، على دورها المحوري في جعل شراكتنا الاستراتيجية تنمو، وأتمنّى أن تشهد هذه العلاقة الاستراتيجية مزيداً من النمو خلال فترة عملي هنا في الكويت، وأتطلع شخصياً إلى تسطير فصل جديد في العلاقة بين الكويت واللجنة الدولية.

اللجنة الثلاثية للمفقودين

•تحدّثتم العام الماضي عن إغلاق 60 ملفاً من ملفات المفقودين... هل ثمّة أي تقدّم حصل خلال هذه السنة؟

- أنشئت الآلية الثلاثية بعد انتهاء النزاع المسلح الدولي في الخليج العربي الذي وقّع بين عامَي 1990 و1991، حيث عقد كل من العراق والكويت والدول الأعضاء الأخرى بالائتلاف (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والسعودية) في الرياض برعاية اللجنة الدولية للصليب الأحمر سلسلة من الاجتماعات أدت إلى توقيع اتفاقية في أبريل 1991 بإنشاء اللجنة الثلاثية للبحث عن المفقودين.

وبعدها بـ 3 سنوات، في ديسمبر 1994، قامت اللجنة الثلاثية بإنشاء اللجنة الفرعية الفنية من أجل تعجيل وتيرة إتمام هذه المهمة. ومنذ البداية، تألفت اللجنتان الثلاثية والفرعية الفنية من العراق والكويت والسعودية وفرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة.

وفي حلول عام 2023، مرت 32 سنة منذ نهاية النزاع المسلح في الخليج ومنذ انعقاد أول جلسة للجنة الثلاثية، و28 سنة منذ إنشاء اللجنة الفرعية الفنية. وحتى أغسطس 2023، بلغ عدد جلسات اللجنة الثلاثية 55 جلسة و126 جلسة للجنة الفرعية الفنية، وذلك من أجل تحقيق هدفهما الرئيسي، وهو ترصّد الأشخاص الذين يعتبرون في عداد المفقودين كنتيجة للنزاع والرد على استفسارات أسرهم.

وللعلم، يُعقد اجتماع اللجنة الفنية الفرعية 5 مرات في السنة، أما اللجنة الثلاثية فتُعقد مرتين في السنة، وعادة مكان الاجتماع يتوزع بين الكويت والعراق والسعودية، أما في بعض الحالات، فيتم عقد الاجتماعات في دول أخرى.

منذ عام 1991، مرت الآلية الثلاثية بمراحل عدة نلخّصها كالتالي: بعد فترة وجيزة من انسحاب القوات العراقية من الكويت، اجتمع أطراف النزاع والتزموا، في مرحلة أولية، بإعادة الأسرى والمحتجزين المدنيين الذين أسروا أو قُبض عليهم أثناء نزاع الخليج، ثم أصبح التركيز على تحديد أماكن ومصير العسكريين والمدنيين الذين لا يزالون مفقودين. وقد بدأت هذه المرحلة الثانية بتوثيق رسمي، من كل الأطراف المعنية، للأشخاص المُبلّغ عنهم باعتبارهم مفقودين من واقع طلبات البحث الرسمية.

ولم تبدأ المرحلة الثالثة الحالية إلا بعد سقوط النظام العراقي السابق عام 2003، وتتمثل هذه المرحلة في البحث عن مواقع الدفن في محاولة من الأطراف لتحديد أماكن رفات المفقودين وانتشالها وإعادتها إلى أوطانها.

وقد بدأ البحث عام 2003 في العراق، حيث تم العثور على رفات تعود لدولة الكويت في مناطق العمارة وكربلاء والرمادي والسماوة، وما زال البحث مستمرا حتى اليوم، مادام الوضع الأمني يسمح بذلك، وهناك معلومات متوافرة ذات مصداقية، إضافة إلى توافر الإمكانات البشرية واللوجستية، واعتبارا من عام 2010 بدأ البحث عن أماكن دفن العسكريين العراقيين المدفونين بالكويت.

ومنذ عام 2003 حتى 2020، تم استخراج عدد من الرفات التي تعود للعراق والكويت والسعودية (وبعض الدول الأخرى)، وبعد التعرف عليهم وإعادتهم إلى ذويهم، أنهت اللجنة الثلاثية متابعة هذه الحالات.

أما اليوم فيوجد 1015 حالة مفقودين قُدمت بصددهم طلبات بحث رسمية لم تُحسم بعد في إطار الآلية الثلاثية، وهذه الحالات تتعامل معها اللجنة الثلاثية في الوقت الحالي بشكل رسمي.

حالياً، وبعد التعرف في نهاية 2021 على 60 من الرفات (56 تعود لطلبات موثقة من الكويت و3 تعود لطلبات موثقة من السعودية وطلب واحد موثق من العراق)، بلغ عدد الحالات الكويتية 309 حالات من المفقودين (من ضمنهم عدد من السعوديين وجنسيات أخرى)، بينما وصل عدد الحالات العراقية إلى 699 حالة فيما يعادل الحالات السعودية 7 حالات، لكي يصبح إجمالي المفقودين حتى الآن 1015 حالة إنسانية.

وهذه الحالات لا تشكّل جميع حالات الأشخاص المفقودين، لكنها تمثّل فقط الحالات الموثقة من خلال الآلية، ولا تزال أسر المفقودين في انتظار الرد على طلباتهم. وللعلم، فإن العائلات وحتى بعد مرور عقود على اختفاء أحبائهم فلا تزال الأولوية لدى تلك الأسر هي حاجتهم لمعرفة مصير أحبائهم، وفي حال موت هؤلاء المفقودين تصبح الأولوية هي تسلّم رفات أحبائهم ودفنهم. ولذلك، فإن العثور على هذه الرفات البشرية هي الأولوية القصوى لأعضاء اللجنة الثلاثية في الوقت الحالي.

• كيف يسهم علم الطب الشرعي والمعلوماتية في الكشف عن المفقودين؟

- في حين تتعدّد المعوّقات التي تعرقل كشف مصير عشرات آلاف المفقودين، وإنهاء معاناة عائلاتهم، تشكّل ثورة العلوم الطبية والتقنية ضمن علوم الأدلة الجنائية والطب الشرعي عاملاً أساسيّاً في مسار التحقيقات، وتتبّع الأثر، وربما تقدم أجوبة لآباء وأمهات وأبناء يتوارثون انتظار الحقيقة. ورغم أن البُعد العلمي والتقني في كشف مصير المفقودين غائب عن تفكير غالبية السلطات الرسمية، فإنه حاضر دائماً لدى الأهالي الطامحين إلى إحقاق العدالة، وتضميد جراحهم بعد أن أنهكهم الانتظار.

وبفضل التقنيات المتطوّرة، أصبح من الممكن استطلاع أماكن ومساحات، إضافة إلى الاعتماد على أجهزة التحسّس عن بُعد، وساهم ذلك في تسليم رفات مفقودين من الحروب بالعراق والكويت وإيران، وتمّ التعرف أخيراً إلى رفات شخص كويتي سُلّم لعائلته. كما جرى التعرّف إلى هياكل عظمية في مختبرات دول عدة، بعد جلسات تدريب ضمّت خبراء في البصمة الوراثية قمنا بتنظيمها.

الإنسانية والصحافة... معاً

رداً على سؤال عن رأيه بدور الصحافة في ملف حساس وإنساني كملف المفقودين والأسرى، قال سو إن الإنسانية والصحافة تسيران جنبًا إلى جنب، فالصحافة هي المسودة الأولى للتاريخ، حيث إنها تخطّ السجل الأول لكل حدث، وتنقل المخاطر والعواقب المترتبة على النزاعات المسلحة في الوقت الفعلي لوقوعها بمعظم الأحيان. وهي قد تعني أيضا التعرّض للمخاطر العظمى وتقديم التضحيات، كما رأينا في المثال الأخير الذي جسّدته الصحافية شيرين أبو عاقلة في فلسطين.

وفي الجهة الأخرى، تعمل الإنسانية على إيجاد النسخة الأولى من الاستقرار في النزاعات المسلحة، حيث توفر المساعدات الإنسانية التي تقدّمها الحد الأول من القدر المثالي من الهدوء والحماية للمدنيين، وأولئك الذين يُفترض تجنيبهم من آثار النزاعات المسلحة. ومن خلال أفضل الأمثلة، نرى أن هذين العنصرين المتضمنين للشفافية، من حيث نقل المعلومات في الوقت الفعلي لورودها وتقديم المساعدة المباشرة من خلال الإغاثة الإنسانية، يعززان بعضهما البعض.

تدريس القانون الدولي الإنساني في دول «التعاون»

أعلن سو أن القانون الدولي الإنساني يشكّل حجر الزاوية في عملنا، وقد شهدنا توسعاً مثيراً للإعجاب في الملف على مدى السنوات الماضية. وتعمل اللجنة الدولية على تعزيز القانون الدولي الإنساني من خلال تدريب الدبلوماسيين، وموظفي السلكين القضائي والعسكري، وكذلك الأوساط الأكاديمية والجامعات، والجمعيات الوطنية واللجنة الوطنية للقانون الدولي الإنساني، والصحافيين.

كما نسعى لزيادة الوعي حول القانون الدولي الإنساني، والذي يهدف بشكل أساسي إلى حماية الأشخاص الذين لا يشاركون أو لم يعودوا يشاركون في الأعمال القتالية خلال النزاعات المسلحة. ونعتقد أنه من خلال توجيه المسؤولين وصانعي القرار في هذه المؤسسات، يمكننا ضمان احترام وتنفيذ هذا القانون على الأرض.

أيضا، التدريب والتوجيه يلعبان دورًا حاسمًا في تطوير القدرات المؤسسية والفردية بما يتعلق بتطبيق القانون الدولي الإنساني، وهذا يمكن أن يسهم في تعزيز حماية المدنيين خلال النزاعات.

ومن ناحية أخرى، نعتبر التعاون مع المؤسسات المحلية في دول مجلس التعاون أمرًا مهمًا لبناء شراكات قوية ودائمة، وهذه الشراكات تعزز من قدرتنا على تنفيذ مهمتنا بفعالية.

وفي النهاية، ومن خلال التعاون المستمر والتدريب، نأمل في تعزيز اندماج القانون الدولي الإنساني في الأنظمة الوطنية والإجراءات المؤسسية بدول مجلس التعاون.