أفضل من كتب عن «الشخصية العراقية المعقّدة» عالم الاجتماع العراقي د. علي الوردي، في كتابه «دراسة في طبيعة المجتمع العراقي» وأبحاث أخرى، حيث يرى الوردي أن العراق بقي بلداً مفتوحاً على الصحراء، كما يعرض ذلك د. صلاح عبدالرزاق، ثم يأخذ بتقسيم العراق إلى مناطق جغرافية ثقافية، ويتوقف عند ظاهرة الازدواجية في الشخصية العراقية ويسميها البعض «الثنائية الثقافية»، ويعد أن هذه الشخصية تميل إلى الجدل والولع به.
كثيرون تناولوا دراسة الشخصية العراقية أمثال، حنا بطاطو، وعبدالجليل الطاهر، وقيس النوري، وأحدثهم د. إبراهيم الحيدري، أول عالم اجتماع تتاح له فرصة دراسة «الشخصية العراقية» التي استكملها بعدد من الإصدارات، حيث يعتقد الحيدري أن الإنسان العراقي يحمل في أعماقه ترسبات ماضية، وبقايا خصائص «رافدينية» نسبة إلى الرافدين، وسمات عربية إسلامية ورواسب من القيم البدوية نسبة إلى البداوة.
أغرب توصيف للشخصية العراقية كتبه الباحث البريطاني فريد هاليداي الذي قال «إن العراقي حتى لو تتفق معه فهو يعارضك».
ما دعاني إلى الخوض في هذه الشخصية، كتاب الدكتور خزعل الماجدي الذي أحضرته لنا الدكتورة نور محمد الحبشي، أثناء زيارتها إلى «أم الدنيا» مصر وحرصها الدائم على شراء أحدث الكتب، وعنوان الكتاب «عراق ما قبل التاريخ... 13 ثقافة رافدية قبل سومر»، صدر تحت سلسلة «عراقولوجي» والكلمة تعني علم دراسة العراق، بتاريخه وحضاراته وثقافاته، وتنتمي إجمالاً للعلوم الإنسانية، خصوصا علم الآثار والاجتماع.
عراقولجي، أحد فروع علم الحضارة المتخصص بحضارات الشعوب، مختص بدراسة حضارات وتراث وتاريخ العراق منذ عصور ما قبل التاريخ حتى الوقت الحاضر.
يبحث الكتاب في تكوين الشخصية العراقية منذ «قرى جرمو» (هو موقع أثري يقع جنوب شرق مدينة كركوك في العراق، يعد أول مجتمع زراعي في العالم يرجع تاريخه إلى سنة 7000 قبل الميلاد)، ولغاية المحافظات الحالية، وفيه التتبع التاريخي لأسماء العراق ومعناها وزمن ظهورها واستعمالها، بدءاً من المرحلة السومرية واسمه «لاراك» وهو اسم واحدة من مدن ما قبل الطوفان الخمس ووصولاً إلى المرحلة ما بعد الفارسية عندما ظهرت كلمة العراق بالشعر الجاهلي واستقراره كاسم (العراق) منذ عام 1918 ومن معانيه «العراقة» وهو جمع العرق، أي الماء الناضح من الأرض بسبب كثرة أنهاره.
موقعه الجغرافي جعله مفتوحاً على غزوات الشعوب والحضارات الأخرى، فهو أحد أكبر معتركات الشرق القديم، ورغم وقوعه في منطقة محاطة بأربعة بحار فإنه اضطر لمتاخمتها في توسعه معتمداً على البحر المتوسط والخليج العربي.
على مدى التاريخ كان بلداً زراعياً، لكن زمن الملوحة وانحسار مياه الأنهر القادمة من خارج حدوده، تركيا وإيران أدت إلى خسارة خصوبته حتى وصلت الأرض الصالحة للزراعة إلى 12% رغم وجود النهرين والروافد والبحيرات والأهوار، اليوم صار يعاني الجفاف والفقر والتصحر وتحول نخيله إلى مناطق صحراوية بعدما كان يملك ثروة نخيلية هي الأولى في المنطقة.
لعل حادثة الطوفان التي حدثت في مدينة «شروباك» بوادي الرافدين وتسمى «تل فاره» هي الآن في محافظة القادسية، مدينة سومرية، تبعد 64 كلم شرق مدينة الديوانية، تطل على نهر الفرات وكانت مدينة للإله «إنليل» وزوجته الإلهة «ننليل» آلهة الهواء، تلك الحادثة الأسطورية دخلت في تكوين الشخصية العراقية، وبما شكلته من أبعاد اجتماعية وثقافية أضفت عليها صبغة دينية.
وكما هي حال الشعوب التي نشأت فيها الحضارات، كالحضارة الفرعونية والحضارة الفينيقية حصل انقطاع بينها وبين تاريخها، فمن نتعامل معهم اليوم انفصلوا عن ماضيهم وبقوا أسرى لذاك التاريخ الموغل في القدم، دون أن يضيفوا شيئاً لتلك الثقافات الحضارية.