أولى مركز البحوث والدراسات الكويتية اهتماماً واضحاً بالتراث البحري الكويتي، وبرعاية خاصة من د. عبدالله الغنيم، الذي وجد من يجاريه بذلك، وهو أستاذ قسم اللغة الإنكليزية بكلية التربية الأساسية، د. يوسف البدر، وزاد حرصاً بعد قيامه بترجمة عملين من أعمال د. يعقوب الحجي البحرية، وهما مشاركة في ترجمة لكتاب «من الفولكلور البحري الكويت» إلى اللغة الإنكليزية عام 2021، وبحث «ألن فاليرز والملاحة العربية» إلى اللغة العربية.

الجديد في هذا الشأن قيام البدر بترجمة بحث إنكليزي إلى اللغة العربية، جمع مادته البروفيسور الإنكليزي توماس جونستون عندما زار الكويت عام 1958، وكان برفقته جون ميور، من المجلس الثقافي البريطاني.

Ad

ويسلّط الكتاب الضوء على المصطلحات البحرية الخاصة بهيكل السفينة الشراعية «المهلب» وأجزائها الداخلية والخارجية وأسماء الأدوات التي تتكون منها السفينة وطاقمها.

يُعد هذا البحث أول معجم كويتي ثنائي اللغة، أي قبل ترجمته ليصبح معجماً أحادي اللغة، مختصا بالمصطلحات البحرية والأقدم في مكتبة التراث اللغوي الكويتي.

ويوضح المترجم أهمية دراسة اللهجات العربية الحية وبدايات الباحثين في دراسة وتوثيق لهجات الكويت دراسة علمية وأكاديمية، مشيراً إلى أن العزلة المعجمية بين العامية والفصحى، دفعت عددا من الباحثين الأجانب إلى تسجيل نماذج من اللهجات العربية الحديثة من عدة مناطق في العالم العربي ودراستها.

ويعتبر أن علم اللهجات يُعدّ نتاجاً غربياً حديثاً، وعندما برز الاهتمام بتوثيق اللهجات العامية، اتجهت بعض الجامعات إلى إدخالها في أقسامها المتخصصة بدراسة اللسانيات، ومنها جامعات الكويت وفرنسا وفيينا ولندن.

وعن الكويت، يُذكر أن هناك دليلاً لغوياً إنكليزياً صدر سنة 1951 تحت عنوان «كتيب اللهجة الكويتية»، تأليف صبري سمعان شماس وزميلة دنس هوفر، وفي عام 1998 أقدم أساتذة من مركز اللغات بجامعة الكويت على تصميم منهج دراسي لتدريس اللهجة الكويتية، وكانت أول محاولة في إدراج مقرر دراسي باللغة العامية لمنتسبي الجامعة من غير الناطقين باللغة العربية.

أطروحة الدكتوراه

ولعل أول من يصف لهجات الكويت وصفاً لغوياً هو توماس جونستون من حيث ظواهرها الصوتية والصرفية والنحوية والدلالية، وكانت أطروحته للدكتوراه، التي حصل عليها من مدرسة الدراسات الشرقية والإفريقية بجامعة لندن سنة 1962م، أول أطروحة إنكليزية تصف اللهجة الكويتية واللهجات المجاورة وصفا دقيقاً، وعليها بُنيت دراسات لاحقة، ففي الغرب والشرق تهتم بوصف بعض اللهجات العربية.

لم يدع جونستون إلى اتخاذ العامية بديلاً عن الفصحى، كما فعل ولهلم سبيتا في كتابه الألماني «قواعد العربية العامية في مصر» سنة 1880م، الذي جهر فيه بالدعوة إلى اتخاذ العامية المصرية لغة أدبية حينما شكا من صعوبة «العربية الفصحى»، بل قام بوضع قواعد للعامية الكويتية لينظمها ويثبت صلاحيتها للاستعمال الكتابي.

وإذا عُدّ بحث جونستون وميور الأول في مجاله، فإنه ليس الأخير، فهناك مَن سبقه في توثيق التراث البحري الكويتي، مثل كتابَي عيسى القطامي سنة 1934م، «دليل المختار في علم البحار»، و»المختصر الخاص للمسافر والطواش والغواص»، وكذلك كتاب «النتيجة الكويتية»، ألفه النوخذة محمد العصفور والنوخذة حسين العسعوسي عام 1933م، إضافة إلى كتاب «الكويت واللؤلؤ» عام 1958م لعلي الشرقاوي.

وهناك كتب أخرى متعلقة بالتراث البحري الكويتي ظهرت بعد دراسة جونستون وميور، نذكر منها: كتاب عيسى أحمد النشمي «الملاحة في الخليج العربي، 1969م»، وكتاب المؤرخ سيف مرزوق الشملان «تاريخ الغوص على اللؤلؤ في الكويت والخليج العربي، 1975م»، وكتاب د. نجاة الجاسم ود. بدرالدين الخصوصي «تاريخ صناعة السفن في الكويت وأنشطتها المختلفة، 1982م» وكتاب د. حصة الرفاعي «أغاني البحر، 1985م»، ومعجم الأديب أحمد البشر الرومي «معجم المصطلحات البحرية في الكويت، 1996م، وكتابَي الباحث خالد سالم محمد «معجم المصطلحات والمسميات البحرية الكويتية ذات الأصول العربية، 2004م»، و»السفن الكويتية القديمة... تاريخها وما قيل فيها من أشعار، 2005م»، فضلا بالطبع عن أعمال د. يعقوب الحجي من روزنامات بحرية وكتب عربية وأجنبية، وأهمها «دليل الروزنامة البحرية، 2003م»، لما احتوى على مصطلحات بحرية يكاد النسيان يطويها.

المهلب، من الأبوام السفارة، ملك ثنيان الغانم، وهو من تصميم وصناعة حجي محمد الأستاذ، وكان نوخذة هذا البوم هو حسين عبدالرحمن العسعوسي، وأيضا ابنه علي الذي كان مساعدا لوالده (أي نوخذة شراع)، واستغرق بناء البوم مهلب حوالي 70 يوماً، كما يروي د. يعقوب الحجي في كتابه «قصة المهلب»، وبني بواسطة 14 نجاراً يعملون بمعدل 10 ساعات يوميا وبتكلفة إجمالية 15.000 روبية هندية، أما الاسم فقد أطلقه عليه عبداللطيف محمد ثنيان الغانم، الذي أراد أن يحيي ذكرى أحد أبطال الإسلام، وهو المهلب بن أبي صفرة، وبدأ إنزال بوم المهلب إلى البحر لأول مرة سنة 1937.

وقد بلغ عدد المفردات التي جمعها جونستون وميور من بوم المهلب وطاقمه 202 مفردة مكونة من أسماء وأفعال حول أجزاء البوم وأنواع الأشرعة وألواح الخشب، وما إلى ذلك.

وتكمن أهمية هذا البحث في تقصّي أصل هذه المفردات البحرية، حيث وجد المؤلفان أن أغلبها ترجع أصوله إلى اللغات الأجنبية، كالبرتغالية والأوردية والهندية والفارسية واليونانية والإنكليزية، وما يميّز هذا البحث أيضا أنه مدعوم بـ 21 رسمة ولوحة نستطيع من خلالها أن نرى مسميات أجزاء السفينة بشكل واضح.