قال أستاذ الاقتصاد القياسي، د. عبدالله الشامي، إن مؤشر التضخم في الكويت غير حقيقي، بسبب عدم الأخذ في الحسبان مسألة العقار ولا التفاوت السلعي، والدليل على ذلك هو أن أسعار المركبات والعقارات لا تنعكس على التضخم، فأسعار السيارات الجديدة ارتفعت إلى الضعف، وأسعار العقارات ارتفعت بنسبة 40 بالمئة.
وأضاف الشامي أن منظومة قياس المؤشر في الكويت كلاسيكية قديمة، على سبيل المثال تتأثر الكويت بأسعار الشحن، فإن ارتفعت ترتفع معها أسعار السلع، لكن عندما تنخفض أسعار الشحن لا تنخفض أسعار السلع التي تغيّرت تغيراً دراماتيكياً في آخر سنتين، نتيجة لأزمة كورونا، وانعكست على القوة الشرائية للدينار، لكنها غير واضحة في مؤشرات التضخم.
وأشار إلى أن معدل التضخم في الكويت أقل من الحقيقي، وعادةً ما يكون معدل التضخم بالكويت أعلى بـ 1 إلى 1.5 من معدل التضخم في أميركا ومنظمة اليورو، فأثناء الأزمة الصحية ارتفعت معدلات التضخم في الاتحاد الأوروبي وأميركا إلى 9 بالمئة وبعضها 10 بالمئة، أما في الكويت فلا يزال 3 إلى 4 في المئة، وهذا رقم غير صحيح، لأن الكويت تستورد السلع الثقيلة في الميزان التجاري من أوروبا وأميركا، سواء نتحدث عن السيارات أو المعدات الثقيلة للمشاريع، لذلك يفترض أن يكون معدل التضخم في الكويت أعلى من معدل التضخم بمنظمة اليورو وأميركا.
وأوضح الشامي أن هناك فجوات تحتاج إلى حوكمة وإدارة محترفة في الإحصاء حتى نستطيع قياسها في السياسات المالية للدولة، ونضع لها أسس للعمل عليها، لذلك يجب أن نسرع في إغلاق الفجوات، إضافة إلى حاجتنا لمؤشرات كمؤشر أسعار المستهلكين ومؤشر القوة الشرائية ومؤشر أسعار المستهلكين المنضبط، لافتاً إلى أن الإدارة المركزية للإحصاء بحاجة إلى غربلة، حتى نستطيع الاعتماد على المقاييس الإحصائية في العمل.
لا تضخُّم في قطاع الأدوية
من جانبه، قال رئيس اتحاد مستوردي الأدوية فيصل المعجل، إن القطاع الخاص لا يسعّر الدواء إلّا من خلال موافقة وزارة الصحة، أي يتم تسعير الأدوية من الدولة، فبالتالي لا يتأثر سعرها بالتغيرات المالية والاقتصادية المحلية أو العالمية، ولا يستطيع أي مكون اقتصادي محلي أن يرفع أسعار الأدوية عن طريق منعها أو احتكارها، والأدوية مجانية من الدولة.
وأضاف المعجل: إذا تم تصنيف المنتج كدواء يدخل في التسعيرة، وتأتي شهادة التسعيرة من المصنع ويقارن بحوالي 15 إلى 20 دولة، بما فيها دول مجلس التعاون، بعدها يتم أخذ السعر المناسب وليس السعر الأرخص يتناسب ذلك مع الوضع الاقتصادي في الكويت، ومن ثم يتم تحويل السعر إلى الدينار باستخدام معدل صرف ثابت في لجنة التسعيرة بوزارة الصحة.
وأوضح أن الشركات العالمية تراقب المبيعات والسعر، خوفاً من التهريب للمناطق المجاورة عندما يكون السعر قليلاً، الأدوية سعرها لا يتغير، أما السلع الأخرى فتتم إضافة بعض الرسوم، الأراضي في ارتفاع وبعض المصاريف في المطار والجمارك البرية والبحرية، الزيادات قد تكون طفيفة، إضافة إلى ارتفاع الفوائد البنكية، كما أن تكلفة المخازن ارتفعت، لافتاً إلى أن الحكومة خفضت العام الماضي هامش الربح من سعر التسلّم إلى سعر المستهلك من 45 إلى 40 بالمئة، وتم تقسيم النسبة بين المورّد والصيدلية لكل منهما 20 بالمئة.
وأكمل: السلع غير المصنفة لا يتم تسعيرها من الحكومة، والآن هناك توجّه من الدولة بتسعيرها، وبذلك ستدخل مع الأدوية، الأدوية لم تتأثر بالتضخم بالنسبة إلى القطاع الخاص، أما بالنسبة إلى «الحكومي» فقد تأثرت على مستوى الميزانية، حيث إن السعر غير ثابت على الحكومة، وعلى مستوى الحكومة، هناك تذبذب في الأسعار وبعض الأدوية قد انخفض سعرها، إما بسبب انتهاء الحماية الفكرية لها أو ارتفعت وفرة المادة الأولية لها.
وفيما يخص ندرة الأدوية، ذكر أن التأثير في الاستيراد يكون على القطاع الخاص، حيث إن تم طلب الأدوية يكون الجواب غير متوافر، في حين إن طلبت الوزارة يتم توريد الأدوية لها بسعر أعلى، كما أن ارتفاع الأسعار يكون في المنتجات غير المصنفة أو غير مسعّرة ولدى وزارة الصحة.
واختتم المعجل: الكويت بلد صغير، ويستورد أغلب السلع والمنتجات، بالتالي نتأثر بالمحيط العالمي من ارتفاع أسعار وغيرها، كما أن السياسة النقدية والاقتصادية في الكويت تفتقد الرؤى الاستراتيجية، دائما لدينا ردود فعل لما يحدث، فالكويت تتّبع القرارات الدولية، ويجب أن تكون لدينا سياسة نقدية واقتصادية تحاكي الوضع الداخلي في الكويت، قضية التضخم ليست عنصراً معزولاً عن القرارات التي نتخذها، المكونات الرئيسية في الاقتصاد من كهرباء وطاقة وأغذية توفّرها الدولة بشكل شبه مجاني، كما أن متوسط الرواتب يسهم في التضخم وبعض القرارات السياسية التي اتخذتها الدولة.
تأثير أسعار العقار على التضخم
من ناحيته، قال رئيس مجلس إدارة اتحاد العقاريين، إبراهيم العوضي، إن التضخم في الكويت يُقاس على أساس مؤشر مجموعات رئيسية، وأحد المؤشرات هو مؤشر خدمات مسكن (مؤشر المجموعة الرابعة)، في أغسطس الماضي ارتفع مؤشر خدمات المسكن بنسبة 2.17 بالمئة على أساس سنوي، فقطاع المساكن يدخل ضمن مقياس التضخم في الكويت.
وأضاف العوضي: لا شك في أن ارتفاع أسعار العقارات له تأثير كبير جداً على معدلات التضخم في الكويت، وارتفاع التضخم في العقارات يرتبط بالعرض والطلب، هناك طلب كبير جداً مقابل نسبة معروض قليلة وبأسعار عالية جداً، وهناك عمليات تصحيحية، لكنها عادةً ما تكون على نطاق ضيق وفي مناطق محدودة، وكل ما نتمناه من الدولة أن تبدأ بزيادة المعروض من المتاح من الأراضي السكنية والاستثمارية والتجارية، لأنّ التضخم لا يقاس على مستوى المواطنين، بل على مستوى الدولة، وبالتالي يجب أن تبدأ الدولة بالعمل بشكل جاد بتوفير أكبر عدد ممكن من الأراضي وإتاحتها للاستخدام وتحريرها، وحتى يتم تحريرها لا بدّ أن تكون جاهزة ببُناها التحتية للاستخدام.
وأوضح أنه عندما يرتفع المسكن ترتفع جميع الأمور المتعلقة به، وعندما تكون أرضا سكنية أو استثمارية أسعارها عالية، فإنّ ذلك يجعل صاحب الأرض أو المسكن يفكر بالعائد المناسب له، وبالتالي يضطر إلى زيادة أسعار الإيجار، وذلك يسهم بدوره في عملية التضخم، فكلما ارتفعت أسعار الأراضي وتكلفة البناء وتكلفة العمالة ارتفعت تكلفة المشروع الذي من خلاله يسعى صاحب العقار لتحقيق عوائد معيّنة.
ولفت إلى أن ارتفاع الأسعار يجب أن يعوّض، وهذا التعويض عادةً ما يكون تأثيره بشكل مباشراً على المستهلك الأخير (صاحب الوحدة)، وجميع ذلك عوامل ساعدت على ارتفاع التضخم في الكويت، ويجب أن نشير إلى أن العقار ليس العامل الوحيد الذي يؤثر على التضخم في الكويت، فهناك الملبس والأغذية وغيرها.
الإدارة المركزية للإحصاء مقصّرة
بدوره، قال رئيس مجلس إدارة الجمعية الاقتصادية الكويتية، مشاري العبدالجليل، إن التضخم بالكويت ناشئ عن عاملين، هما الطلب والتكاليف، وقد ساهمت الأزمات الاقتصادية المتتالية في رفع أسعار سلاسل الإمداد، والذي يدخل من ضمن التكاليف، مما أدى إلى رفع أسعار السلع والخدمات.
وأضاف: نعاني في الكويت التأخر المستمر بنشر بيانات التضخم وعدم تحديثها بصورة دورية، فقياس معدلات التضخم في الكويت من اختصاص الإدارة المركزية للإحصاء، وهي جهة مقصرة جدًا في هذا الجانب.
وأكمل: لا نعلم ما هي مكونات الرئيسية المؤثرة في حركة الأرقام القياسية للتضخم، نحن بحاجة إلى إعادة قراءة للأوزان، حيث تعطي مقياساً أكثر مصداقية، مبيناً أنه لمعالجة التضخم نحتاج إلى مصداقية وجودة البيانات، مما يستلزم اتخاذ إجراء حكومي فوري لإصلاح حال الإدارة المركزية للإحصاء، ثم اتخاذ سياسات عامة بين مختلف الجهات الحكومية، كبنك الكويت المركزي، ووزارة التجارة، وهيئة حماية المنافسة، وغيرها من الكيانات ذات العلاقة.