تتزايد التوقعات بأن الاقتصاد الأميركي لن ينجح في تفادي الركود وذلك لعدة أسباب، ورغم المفاجأة الإيجابية بتجنب الإغلاق الحكومي في آخر لحظة، وبعد صيف اتسم بوفرة الوظائف وتراجع التضخم، فإن هناك مؤشرات على ضرورة الاستعداد للصدمة.
فالقوة الكاملة لزيادات الاحتياطي الفدرالي المتتالية - 525 نقطة أساس منذ أوائل عام 2022 - لن تنعكس على العديد من القطاعات الاقتصادية، وأبرزها سوق العمل، قبل نهاية هذا العام أو أوائل 2024، وعندما يحدث ذلك، ستشعر أسواق الأسهم والعقارات بالتداعيات السلبية، لذلك من السابق لأوانه القول إن الاقتصاد قد نجا من تلك العاصفة.
ومع شعور الأسهم والعقارات بالصدمة، فإن ذلك سيوفر قوة دفع جديدة للأسهم والمساكن للتراجع، وبالتالي من السابق لأوانه القول إن الاقتصاد قد نجا من الركود، خاصة أن التوقعات تشير إلى رفع إضافي للفائدة.
كل هذه الأسباب ليست الوحيدة، حيث يواجه الاقتصاد أيضا عوامل عدم يقين من بينها استمرار الإضراب بقطاع السيارات، وهو من بين الأكبر بتاريخ الولايات المتحدة، كما أن ملايين الأميركيين سيعاودون تسديد القروض الطلابية مرة أخرى هذا الشهر، بعد انتهاء فترة التعليق بسبب الجائحة التي استمرت ثلاث سنوات ونصف.
ومن الممكن أن يؤدي استئناف المدفوعات إلى خفض بنحو 0.3% من معدلات النمو السنوي في الربع الرابع، إضافة إلى الارتفاعات الأخيرة لأسعار النفط التي ارتفعت بنحو 25 دولارا منذ أدنى مستوياتها في فصل الصيف، وأدت عمليات البيع في أسواق الدين، خلال سبتمبر، إلى دفع العائد على سندات الخزانة لأجل 10 سنوات إلى أعلى مستوى له منذ 16 عاما عند 4.6%.
وفي ظل توقعات بقاء تكاليف الاقتراض مرتفعة لفترة أطول، قد يؤدي ذلك إلى بعض التراجع في أسواق الأسهم، وبالتالي وقف التعافي في قطاع الإسكان وردع الشركات عن الاستثمار، وكما يتأثر الاقتصاد الأميركي أيضا بالتداعيات العالمية للتعافي البطيء للصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
من جانبه، حذر الرئيس التنفيذي لبنك «JP Morgan»، جيمي ديمون، المستثمرين من أن أسعار الفائدة قد تصل إلى 7%. وتوقع الرئيس التنفيذي لبنك «جي بي مورغان» أن يرفع «الفدرالي» أسعار الفائدة بمقدار 1.5% أخرى، وذلك في مقابلة مع «بلومبرغ»، اطلعت عليها «العربية.نت». وسيكون هذا أعلى سعر فائدة على الأموال الفدرالية منذ ديسمبر 1990. وفي مارس 2022، عندما بدأ نظام رفع الفائدة الحالي، كانت أسعار الفائدة عند 0.25% - 0.50%.
وكان ديمون يضاعف من تعليقاته التي أدلى بها الأسبوع الماضي في مقابلة مع صحيفة تايمز أوف إنديا، عندما قال إن العالم ليس مستعداً لمعدلات فائدة تبلغ 7%. وتأتي وجهة نظره متناقضة مع أحدث توقعات بنك الاحتياطي الفدرالي، إذ يتوقع المسؤولون رفع أسعار الفائدة مرة واحدة فقط هذا العام - وخفض أسعار الفائدة في العام المقبل.
ومع ذلك، قال ديمون، الذي يقود أكبر بنك في الولايات المتحدة، إن الأميركيين بحاجة إلى الاستعداد لارتفاع أسعار الفائدة. وعندما سأله أعضاء مجلس إدارته عما إذا كانت أسعار الفائدة يمكن أن ترتفع بالفعل إلى هذه المستويات، كانت إجابته دائماً «نعم»، كما قال لـ «بلومبرغ»، وأضاف أنه لا يستطيع التنبؤ بنتيجة أسعار الفائدة بنسبة 7% على الاقتصاد: «قد نشهد هبوطاً ناعماً، وقد نواجه ركوداً خفيفاً، وقد نواجه ركوداً أصعب».
ويمكن أن يؤدي معدل 7% أيضاً إلى تثبيط الإنفاق الاستهلاكي والاستثمار التجاري ويؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي. وقال ديمون إن هناك الكثير من «النتائج السيئة المحتملة»، لكن السيناريو الاقتصادي الأسوأ هو الركود التضخمي، مع انخفاض النمو وارتفاع أسعار الفائدة، مضيفا أنه إذا حدث ذلك «فسترى الكثير من الناس يعانون».
سحابتان عاصفتان
وذكر ديمون: «المستهلك لا يزال في حالة جيدة. إنهم ما زالوا ينفقون الأموال وما زال لديهم أموال أكثر مما كانوا يملكونه قبل كوفيد». ومع ذلك، يرى سحابتين عاصفتين محتملتين «غير عاديتين» في الأفق، الأولى هي الإنفاق الحكومي، فقد أصبح إنفاق حكومة الولايات المتحدة الأعلى على الإطلاق خارج زمن الحرب، كما أن العجز مرتفع جدا بالفعل. وتابع: «على الأقل أتوقع أسواقا متقلبة. هذا الإنفاق المالي طويل الأجل يؤدي أيضاً إلى التضخم، مما قد يساهم في ارتفاع أسعار الفائدة».
أما السحابة العاصفة الثانية فهي تصاعد التوترات الجيوسياسية، وأوضح أن حرب روسيا على أوكرانيا هي أزمة إنسانية، وستؤثر أيضاً على جميع العلاقات العالمية، بما في ذلك التجارة الأميركية مع الصين، مضيفا: «من الصعب جدا رؤية نتائج إيجابية حقاً مع الصين حتى يتم حل الحرب الأوكرانية».
وصعد الدولار إلى مستويات مرتفعة جديدة أمس، ودفع الين إلى الانخفاض مقتربا أكثر من نطاق تدخل السلطات، بعد بيانات اقتصادية قوية بالولايات المتحدة عززت توقع إبقاء مجلس الاحتياطي الاتحادي (المركزي الأميركي) أسعار الفائدة مرتفعة لمدة أطول. ووصل اليورو إلى أدنى مستوى خلال أكثر من عام مقابل الدولار، وهبط إلى ما دون مستوى يناير المتدني البالغ 1.0482، إذ سلطت مسوح لقطاع الصناعات التحويلية صدرت في كل من أوروبا والولايات المتحدة الاثنين الضوء على التباين بين الاقتصادين.
وارتفع مؤشر الدولار نحو 0.5 في المئة إلى 107.06، ووصل في مرحلة ما إلى 107.12، وهو أعلى مستوى منذ نوفمبر 2022. وأظهر مسح صدر أن قطاع الصناعات التحويلية الأميركي اتخذ خطوة أخرى نحو التعافي في سبتمبر، مع ارتفاع الإنتاج وانتعاش التوظيف، كما أظهر انخفاضا كبيرا في الأسعار التي دفعتها المصانع للحصول على المدخلات.
وتلقى الدولار دعما من ارتفاع عوائد سندات الخزانة الأميركية، بينما عززت البيانات الاقتصادية القوية توقعات إبقاء الفائدة مرتفعة لوقت أطول. وأدى ارتفاع العملة الأميركية إلى زيادة الضغط على الين، إذ دفعه إلى الاقتراب من مستوى 150 خلال الليل، والذي تعتبره الأسواق بمنزلة الحد الذي يمكن أن يحفز السلطات اليابانية على التدخل كما حدث في العام الماضي. وسجل الين في أحدث تداولاته 149.80 مقابل الدولار، ليظل قريبا من أدنى مستوى خلال الليل البالغ 149.88.
وهبط اليورو إلى 1.0462 دولار في التعاملات الصباحية الآسيوية، وهو أدنى مستوى منذ ديسمبر من العام الماضي، بعد أن أظهر مسح لمؤشر مديري المشتريات بمنطقة اليورو أمس الأول الاثنين أن الطلب واصل الانكماش بوتيرة نادرا ما تم تجاوزها منذ جمع البيانات لأول مرة في عام 1997. وسجل الجنيه الإسترليني في أحدث تعاملات 1.20790 دولار، وهو أدنى مستوى منذ 16 مارس.
وعلى صعيد أسواق المال، تباين أداء مؤشرات الأسهم الأميركية في ختام تداولات أولى جلسات الربع الرابع من هذا العام، مع ارتفاع مؤشر الدولار وعوائد السندات الأميركية بعدما تجنبت الحكومة الأميركية الإغلاق إثر اتفاق الكونغرس على تمرير قانون التمويل الفدرالي. وفي نهاية التداولات.
وانخفض مؤشر داو جونز الصناعي بنسبة 0.2% أو 74 نقطة إلى 33433 نقطة، وهو أدنى مستوى إغلاق منذ جلسة أول يونيو الماضي، وفي حين استقر مؤشر «S&P 500» عند 4288 نقطة، صعد مؤشر ناسداك بنحو 0.65%، بما يعادل 88 نقطة عند 13307 نقاط.