اثنان من أقرب الحلفاء العرب للولايات المتحدة يطلبان من إدارة بايدن إضفاء الطابع الرسمي على علاقاتهما العسكرية من خلال اتفاق واسع النطاق، إذ أصبحت واشنطن غير مرتاحة بشأن دور الصين المتنامي في الشرق الأوسط.
ودعت السعودية والإمارات، وهما من أقرب الشركاء العسكريين للولايات المتحدة في العالم العربي، إلى مزيد من الدعم الأمني من واشنطن في الآونة الأخيرة، وأشارت كلتاهما إلى أن خياراتهما لا تقتصر على الولايات المتحدة في عالم متعدد الأقطاب بشكل متزايد.
وقال ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، لبريت باير من قناة فوكس نيوز في مقابلة الشهر الماضي: «إن (الأميركيين) لا يريدون أن يروا السعودية تنقل أسلحتها من أميركا إلى مكان آخر».
ووصف المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات، أنور قرقاش، الشهر الماضي مشاركة الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط بأنها «أمر إيجابي»، لكنه شدد على أهمية تعزيز ذلك «حتى لا تكون هناك فراغات»، وهو ما حذّر من أنه لن يؤدي إلا إلى «إعطاء الفرص للاعبين الآخرين للانتقال إليها».
وقال في مؤتمر بنيويورك، إنه من المهم الانتقال من اتفاق أمني «غير رسمي إلى شيء رسمي»، داعياً إلى اتفاق دفاعي جديد «صارم» مع الولايات المتحدة.
ومن شأن المطالبة باتفاق رسمي، أن توفر لدول الخليج مظلة أمنية ويلزم الولايات المتحدة بحمايتها في مواجهة الهجمات العسكرية، أصبحت عنصراً أساسياً في العلاقات مع الولايات المتحدة.
وقد واجهت دول الخليج، على مدى السنوات القليلة الماضية، هجمات ألقت باللوم فيها على إيران ووكلائها، ووجدت أن رد الولايات المتحدة عليها غير كافٍ.
وكتب المحلل السعودي علي الشهابي، في مقال لمعهد هوفر، مركز أبحاث للسياسة العامة بجامعة ستانفورد، في يوليو: «سينظر الخصوم الإقليميون فقط للالتزام الأمني الجوهري من جانب الولايات المتحدة على أنه رادع لطموحاتهم للإطاحة بالنظام الإقليمي الذي تقوده الولايات المتحدة والذي تعتبر السعودية ركيزته... إذا كانت الولايات المتحدة تريد أن تستفيد بشكل كامل مع السعودية من قدرتها على إبراز القوة العسكرية في المنطقة، فإنها تحتاج إلى إعادة تقديم الردع من خلال جعل مثل هذا العرض للقوة ملموساً وموثوقاً».
ويقع الاتفاق الدفاعي في قلب محادثات الرياض مع واشنطن بشأن التطبيع المحتمل للعلاقات مع إسرائيل، والذي إذا تم تحقيقه فسيمثل فوزاً كبيراً في السياسة الخارجية للرئيس جو بايدن قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2024.
واعترف بن سلمان علناً، للمرة الأولى، بمحادثات التطبيع في الشهر الماضي، قائلاً إن بلاده تقترب كل يوم من التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل. ويقول الخبراء إن دول الخليج قد تشعر بخيبة أمل لأنه من غير المرجح أن تلتزم الولايات المتحدة باتفاقية أمنية شاملة يمكن أن تزيد من تورّطها في صراعات الشرق الأوسط، وتتطلب عملية موافقة تشريعية مرهقة في «الكونغرس»، حيث لا تحظى السعودية بشعبية.
ولم يتم الإعلان عن المناقشات حول الاتفاقية المحتملة، لكنّ الخبراء طرحوا عدداً من الأفكار، بدءاً من المعاهدات التي تعترف بأمن الخليج كجزء من المصلحة الوطنية للولايات المتحدة، إلى إعلان دول الخليج حلفاء رئيسيين من خارج الناتو، إلى التزام أمني رسمي من الولايات المتحدة مثل ذلك الموقّع مع اليابان وكوريا الجنوبية.
وكانت الولايات المتحدة قد دخلت في معاهدات دفاع مع طوكيو وسيول في الخمسينيات من القرن الماضي، وتعهدت بالدفاع عن البلدين في حالة وقوع هجوم مسلح. ويتمتع كلا البلدين بوجود عسكري أميركي كبير، ويتمتعان أيضاً بوضع الحليف الرئيسي من خارج الناتو.
ويُعد وضع الحليف الرئيسي من خارج الناتو تصنيفاً أميركياً يوفر للشركاء مزايا التعاون التجاري والأمني في مجال الدفاع. وفي حين يُنظر إليه على أنه رمز للشراكة الوثيقة مع بعض الامتيازات العسكرية والاقتصادية، إلّا أنه لا ينطوي على أي التزامات أمنية من الولايات المتحدة.
ومن بين دول الخليج، كانت البحرين، التي تستضيف الأسطول الخامس للبحرية الأميركية، أول دولة تم إعلانها ضمن تصنيف «الحليف الرئيسي من خارج الناتو» عام 2002، وبعدها الكويت في 2004 وأضيفت قطر، موطن القيادة المركزية الأميركية، إلى القائمة العام الماضي.
وقال جان لو سمعان، وهو زميل باحث أول في معهد الشرق الأوسط بجامعة سنغافورة الوطنية، إن من المرجح أن تطلب كل من السعودية والإمارات معاهدة شاملة، مماثلة لتلك الموقّعة مع اليابان وكوريا الجنوبية.
وأضاف سمعان أنهما ربما تطلبان أيضاً من واشنطن تسهيل الوصول إلى مبيعات الأسلحة، وربما زيادة الوجود العسكري الأميركي في السعودية والإمارات، ليتناسب مع الوجود في قطر أو البحرين.
ومع ذلك، فمن غير الواضح ما إذا كانت الولايات المتحدة ستلتزم بمعاهدة تتطلب منها الدفاع عن دول الخليج في حالة وقوع هجوم عليها.
وقال الأستاذ في مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا للدراسات الأمنية، المسؤول السابق في «البنتاغون» الذي عمل في الشرق الأوسط، ديفيد دي روش: «لا يمكن منح هذا إلا من خلال معاهدة يصادق عليها مجلس الشيوخ».
وقال دي روش لـ CNN: «من الصعب رؤية إدارة بايدن تقدم أي اتفاقية إلى مجلس الشيوخ، في غياب اختراق حقيقي (مثل الاعتراف السعودي بإسرائيل)، حتى ولو كان التزاماً ضعيفاً... ». يمكن للرئيس أن يقدّم بعض التنازلات دون مصادقة مجلس الشيوخ، لكن ذلك لن يلبّي متطلبات دول الخليج.
ويقول بعض الخبراء إن أي اتفاق مع الولايات المتحدة سيؤثر بالضرورة على استقلالية دول الخليج في شؤونها الدفاعية، حيث من المرجّح أن تطلب إدارة بايدن ضمانات بأن يقوم حلفاؤها العرب بتقليل التعامل مع المنافسين مثل الصين وروسيا، حيث عززت كلتاهما العلاقات مع دول الخليج في الآونة الأخيرة.
وعلقت الإمارات عام 2021 صفقة بمليارات الدولارات لشراء طائرات مقاتلة أميركية الصنع من طراز F-35، وسط إحباط أبوظبي المتزايد مع محاولات واشنطن الحد من مبيعات التكنولوجيا الصينية للدولة الخليجية. وكان يُنظر في ذلك الوقت إلى عملية البيع على أنها حجر الزاوية في قرار الإمارات تطبيع العلاقات مع إسرائيل قبل نحو عام.
ورداً على سؤال عمّا إذا كانت الإمارات لا تزال مهتمة بشراء طائرات F-35 من الولايات المتحدة، قال قرقاش الشهر الماضي إنها كذلك، لكنه شدد على أن هناك «متطلبات سيادية» تحتاج إلى تسويتها مع الولايات المتحدة.
وقال دي روش إنه من خلال الاتفاقية الأمنية الجديدة، من المرجح أن تطلب الولايات المتحدة من دول الخليج «الحد من نشر أي تكنولوجيا صينية لديها القدرة على تعريض الأسلحة الأميركية الموجودة في الخدمة مع دول الخليج للخطر». لكنه قال إن دول الخليج «من المرجح أن تعتبر مثل هذه القيود بمنزلة انتهاك لسيادتها».
ومع ذلك، قال سمعان، إن المطالبة باتفاق أمني جديد مع الولايات المتحدة تظهر أن واشنطن تظل وجهة الاتصال الأولى لدول الخليج عندما يتعلق الأمر بالمسائل الأمنية، على الرغم من التهديدات بشأن إيجاد بدائل.
وأضاف: «لقد عدنا إلى العمل كالمعتاد»، حيث تتجه دول الخليج إلى واشنطن وتطلب حزماً أمنية أكبر، حتى لو أظهر الخطاب العام الأخير بعض الاختلاف بين ما ستقوله تلك الدول علنًا وما تريده حقاً.