أُسس الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية عام 1961، أي قبل عام من صدور الدستور الكويتي. ووفقًا لقانون إنشاء الصندوق، فإنّ الغرض منه مساعدة الدول العربية والنامية، من خلال إقراضها لتنفيذ المشاريع التنموية فيها بما يتفق مع سياسة الكويت الخارجية ومصالحها.
وقد قدَّم مجموعة من النواب عدة اقتراحات بقوانين لتعديل قانون الصندوق، حيث يجب أخذ موافقة مجلس الأمة على إقراض الدول الأخرى، وهذه ليست المرة الأولى التي تُقدَّم فيها اقتراحات بقانون لتعديل آلية اقتراض الدول الأخرى.
وبمناسبة تقديم هذه الاقتراحات بقوانين لتعديل قانون الصندوق، نتناول في هذا المقال بشكل مختصر الأساس الدستوري للإقراض في الكويت، ودور الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية بمنح القروض، وتاريخ الإقراض بالكويت عن طريق البرلمان، مع طرح بعض التساؤلات الضرورية لتقييم هذه الاقتراحات.
نظّم الدستور الكويتي سلطة اقتراض الدولة من الغير وإقراض الدولة للغير، وفيما يتعلّق بإقراض الغير تنص المادة 136 من الدستور على أنه «ويجوز أن تُقرض الدولة أو أن تكفل قرضًا بقانون».
لذا، فإنّ الأداة القانونية لإقراض الدولة للدول الأخرى هو القانون، وقد جاءت المذكرة التفسيرية بتفسير خاص للمقصود بعبارة «إقراض الغير بقانون»، فأوضحت المذكرة التفسيرية أن الإقراض في الكويت يمكن أن يتم بإحدى طريقتين، (1) موافقة البرلمان على القروض، حيث تتم دراسة كل حالة على حدة، أو (2) عن طريق إنشاء مؤسسة مختصة بالإقراض، حيث ينظم القانون الأسس القانونية للإقراض، وقد ذكرت المذكرة التفسيرية الصندوقَ كمثال، فأوضحت أن المقصود بالمادة 136 أنه «يجوز بقانون كذلك أن تقرض الدولة أو أن تكفل قرضًا.
وفي مدلول هذه العبارة يكون الإقراض أو الكفالة بقانون، سواء كان هذا القانون خاصًا بقرض معيّن لدولة معيّنة مثلًا، أو كان قانونًا ينظم مؤسسة مهمتها الإقراض وفقًا لأسس قانونية موضوعة، كما هو الشأن بالنسبة إلى الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية مثلًا».
لذا، فالحكومة يمكن لها أن تقرض الغير إمّا عبر إقرار قانون خاص بالموافقة على إقراض دولة ما أو عبر جهة حكومية - كالصندوق - الذي صدر بإنشائه قانون ينظم أسسَ إقراض الغير.
ولا يلزم عرض القرض على الصندوق والبرلمان معًا، فموافقة جهة واحدة كافية لمنح القرض، إلّا أن هناك فرقًا بين القروض الممنوحة عبر البرلمان والصندوق. فينصُّ النظامُ الأساسي للصندوق - الصادر بقرار رئيس مجلس الوزراء – على بعض الاعتبارات التي يتم الاسترشاد بها عند تقييم طلبات الإقراض منها أهمية المشروع المطلوب تمويله، ووجود دراسة جدوى تبيّن التقويم المالي والاقتصادي للمشروع، وتحديد التقديرات الدقيقة للمشروع، والتأكد من الملاءة المالية لطالب القرض والكفيل. ويجب أن تتضمن عقود الإقراض مواعيدَ الوفاء بالقرض، وتحديد الفوائد، والتعهدَ بإمداد الصندوق بتقارير مراحل إنجاز المشروع، ووسائلَ التأكد من أن دفعات القرض سيتم إنفاقُها على المشروع المموَّل.
أما القروض الممنوحة عن طريق البرلمان، فلا تنظمها قواعد محددة بالدستور أو اللائحة الداخلية للمجلس كتلك المذكورة بالنظام الأساسي للصندوق، فنجد أن هذه القروض شأنها شأن أي قانون تمرّ بعدة مراحل كوصولها إلى المجلس عن طريق الحكومة كمشروع قانون، وتتم دراسته في لجان مجلس الأمة - وقد كانت هذه الاتفاقيات تُدرَس في لجنة الشؤون المالية والاقتصادية - ثم التصويت عليه كبقية القوانين الصادرة من المجلس.
وبالرجوع إلى تاريخ الإقراض في الكويت، كان الإقراض يتم في بداية الحياة البرلمانية عبر سلوك الطريقين، فكانت بعض القروض يُوَافَق عليها من قبل البرلمان، كما كان الصندوق الكويتي يمارس اختصاصَه بإقراض الدول. لكن بتتبُّع تاريخ الإقراض في البرلمان، فالملاحظ أنه - باستثناء القروض الممنوحة للعراق - منذ أواخر الستينيات لم تعد تُعرَض على البرلمان مشاريع قوانين للموافقة على الإقراض. لذلك فاتفاقيات الإقراض حاليًّا تتم فقط عبر الصندوق الكويتي لدراستها والموافقة عليها.
وقد قُدِّم عددٌ من الاقتراحات بقوانين للحد من سلطة الصندوق في الإقراض، مع إبقاء الصندوق ككيان. فنجد أن بعض هذه الاقتراحات اقترحت تعديل قانون الصندوق، حيث يلتزم الصندوق بعرض مشاريع عقود القروض التي يخطط لمنحها للدولة الأخرى - دون القروض الممنوحة للجهات المحلية - على البرلمان للموافقة عليها بقانون حتى تنعقد هذه القروض، وذلك كله بعد دراستها من الصندوق. وبررت المذكرة الإيضاحية لبعض هذه الاقتراحات الهدفَ من الاقتراح تأسيسًا على تكييف عقد الإقراض بين الصندوق والغير بكونها معاهدة دولية، لذا يجب عرض اتفاقية الإقراض على البرلمان حتى تتوافق مع الأطر الدستورية للاتفاقيات الدولية.
إلا أن هذا التأسيس الأخير تنقصه الدقة، فالمذكرة التفسيرية للدستور - التي يعتبرها غالبية الفقه الكويتي ذات قيمة مُلزمة - تؤكد دستورية إقراض الغير عبر أي مؤسسة مختصة بإقراض الدول نظَّم القانون عملَها، وقد ذكرت المذكرة التفسيرية الصندوق الكويتي للتنمية تحديدًا كمثال، لذا، فآلية الإقراض الحالية عبر الصندوق تبدو متوافقة مع الدستور الكويتي. كما بررت بعض الاقتراحات بقوانين الرغبة بتعديل القانون بسبب توسع نشاط الصندوق وزيادة رأسمال الصندوق لألفَي مليون دينار، وهو ما يمكن معه أن يفهم رغبة مقدِّم الاقتراح لإحكام الرقابة على إنفاق الأموال العامة.
ويثور العديد من التساؤلات لتقييم هذه الاقتراحات التي تدور حول عدم ممارسة البرلمان في الوقت الحالي للإقراض: فلماذا لم تعد الحكومة تعرض على المجلس اتفاقيات الإقراض؟ هل كان هناك حرج من رفض هذه الاتفاقيات من قِبل البرلمان؟ أو أن التجربة أثبتت أن تقييم جدوى القرض يحتاج جهازًا فنيًّا متخصصًا بإمكانات قد لا تتوافر في لجان المجلس؟ أو كانت هناك خشية من انشغال البرلمان باتفاقيات القرض، خاصة وأن الصندوق قد وافق على أكثر من 1000 قرض؟ من خلال البحث في المصادر المتوافرة في موقع مجلس الأمة لم أجد إجابة شافية، لكن الإجابة عن هذه التساؤلات ضرورية لتقييم الاقتراحات بقانونين المقدَّمة.
فالرجوع إلى السبب التاريخي وراء عدم ممارسة البرلمان دورَه في الإقراض ضروري لتقييم المقترحات، إضافة إلى أن إحكام الرقابة على إنفاق الأموال العامة قد تتحقق بشكل أفضل بوضع ضوابط موضوعية في صلب قانون الصندوق - بدلًا من الوضع الحالي، حيث تنظم هذه القواعد بالنظام الأساسي للصندوق الصادر بقرار رئيس مجلس الوزراء - حيث يخضع اتّباع وتطبيق هذه الضوابط لرقابة الأجهزة الرقابية بعيدًا عن الاعتبارات السياسية.
*د. سارة خالد السلطان
أستاذة القوانين المالية والضريبية المساعدة بكلية الحقوق – جامعة الكويت