لا أعتقد أن الذي صوّت على قرار الفصل بين الجنسين في الحرم الجامعي خالٍ من العُقد النفسية وإرهاصات تركة التشدد الديني التي خلفتها الصراعات الاجتماعية الخفية منذ ظهور ما يسمى (الصحوة) التي جرّت الويلات على مجتمعاتنا العربية والإسلامية بعد أن أصبح الدين أيديولوجيا مقيتة تفرض نفسها على المزاج العام للفرد داخل مجتمعاتنا الإسلامية وحالة التصدع النفسي التي خلفتها السياسة والحروب.
وعكاز التدين والالتزام صار مقياساً وحيداً لدينا، ويغض الطرف عن عيوب الشخصية الأخرى مهما كان خطرها، والذي يريد أن يصدر أفكاره أياً كانت ما عليه سوى ربطها بالدين والشرف بمفهومهما الجنسي معللاً ذلك بالعادات والتقاليد لكسب ودّ الأشخاص والمجاميع المنتمية إلى مجتمعاتنا بالضرورة.
واللافت للنظر أن معظم الذين يحتكمون بالقياس الديني والأخلاقي من الذين يلفظهم المجتمع بغير ذلك، أي أنهم ليس لديهم مقبولية أو تأثير على المجتمع واضحين، فيلجأ الى التدين كصفة من الصعب مخالفتها أو الاعتراض عليها، فيفعل ما يشاء خصوصاً إذا وصل الى منصب حكومي أو نيابي يؤهله أن يكون مشرّعا يُقر القوانين ويدعمها في لعبة الديموقراطية السمجة التي فصلت على مقاس البعض.
جامعة الكويت عريقة بكلياتها وأساتذتها وأجيالها الذين خرجتهم يوم كانت الكويت بلداً ذا طابع عصري فترة الستينيات والسبعينيات لأنها أسست على يد رجال يؤمنون بالعلمانية والمدنية يوم كانت الكويت تمتلك سينما سيارات في حين كانت بعض الدول تفتقر لدار سينما واحدة ناهيك عن المسارح والتلفزيون والفنون الأخرى والجرائد والمجلات الدورية والشهرية.
إذاً كان الأجدر بمن أصدر ودعم قرار فصل الجنسين في الجامعات أن يُعطي الأولوية لمشاكل وهموم المواطن ذات المساس بحياته اليومية التي تشكل فارقاً اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا له وألا يتعكزوا على أمور هي أبعد ما تكون عن الواقع والحياة اليومية للفرد الكويتي الذي ما زال يعاني بعض المشاكل التي تعتبر سهلة المعالجة بالنسبة إلى الدولة، وعلى الإعلام باعتباره صوت المواطن لا صوت الدولة ألا يدس رأسه في الرمال ويغض الطرف عن مشاكل المجتمع وهمومه، وألا يساهم بنظرة التشدد السلبية والتضييق على الناس بحياتهم، واشتراط نمط معين وفرضه عليهم، فهو بذلك يسهم في تفاقم الهموم وفتح باب للمرضى النفسيين بأن يفرضوا نوعا معينا من العيش كنمط ملزم عليهم، وحفظ الله الكويت وشعبها من كل سوء.