السؤال: هل التعارف فطرة إنسانية؟ أم متعة اجتماعية؟ يقول المولى عزوجل: «يا أَيُّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقناكُم مِن ذَكَرٍ وَأُنثى وَجَعَلناكُم شُعوبًا وَقَبائِلَ لِتَعارَفوا إِنَّ أَكرَمَكُم عِندَ اللَّهِ أَتقاكُم». إن التعارف مطلب شرعي لمعرفة أحوال المسلمين وإعمار الأرض، وهو أيضا فطرة إنسانية ومتعة من متع الحياة، وخصوصا إذا كنت اجتماعيا، فالتعرف على خبرات البشر وطباعهم فيه مزيج عجيب من المؤانسة والتشويق والغموض والتحدي لمعرفة الآخر بشكل صحيح، فالناس كالكتب «بشكل عام»، وكل كتاب له لغة ومصطلحات وتوصيفات «بشكل خاص»، وكلنا نجيد قراءة الكتاب من عنوانه «بشكل عام»، لكننا لسنا ماهرين في معرفة حقيقة هذا الكتاب «بشكل خاص»، فقد يخدعنا المظهر الخارجي!

كلنا مررنا بمحطات من العلاقات الاجتماعية في حياتنا، وجمعتنا الظروف بمجتمعات متنوعة، ابتداء من سن الطفولة إلى المراهقة إلى الرشد إلى الشباب إلى الرجولة إلى الكهولة من (45 إلى 65) ثم إلى الشيخوخة، ومن هذه المجتمعات مجتمع العائلة الكبير والمجتمع المدرسي، ومجتمع «الفريج» و«الديوانية» وأصحاب الهواية الواحدة كالسيارات والرياضة والفنون والصيد وغيرها.

Ad

قد كانت لنا أيام وذكريات جميلة أمضيناها مع تلك المجتمعات، ولكن للأسف لا يخلو أي مجتمع من هذه المجتمعات من وجود شخصية «العتوي»! وهي الشخصية المتخصصة في تعكير صفو أي مجموعة، بطباعه اللئيمة وأخلاقه الذميمة، وشخصيته السقيمة، فهو حِمْل ثقيل محسوب على الجماعة إما لقرابته أو هوايته! كان من أروع تلك المجتمعات المتنوعة التي عرفتها، رواد المسجد الذين اجتمعوا لطاعة الله، لا لمصلحة دنيوية ولا لفائدة مادية، وما يميز هذه المجموعة الطيبة أنهم يسعون لصلاح النفس ما استطاعوا إليه سبيلا، لأن مجرد الالتزام «بآداب المسجد»، وإقامة الصلاة بشروطها «قلبا وقالبا» لله وحده، تنهانا عن الفحشاء والمنكر، وتزيد المسلمين تراحما ومودة، وكنت أتصور أن جميع رواد المسجد بمستوى الطيبة والأُلفة والسماحة نفسها تقريبا، إلى أن فوجئت بوجود شخصية «العتوي» في المسجد! الذي «لخبط» تلك الصورة المثالية! لأن «العتوي» كما تعلمون عنيد وصعب أن يغير ما بنفسه، فكيف التحق بصفوف المصلين! وكيف سيقبل أن يتواضع لمطالب الشريعة السمحاء في تهذيب النفس؟ فالتدين ليس شكلا خارجيا وإثبات حضور فقط، كما يظن «العتوي»! فالأمر يحتاج صبراً ومجاهدة هوى النفس.

أعزائي الكرام، إن كشف شخصية «العتوي» في المسجد ووضع دائرة حمراء حوله أسهل بكثير من كشف «عتاوية» المجتمعات الأخرى، لأن من المفترض أن ما يميز أغلب رواد المسجد «الذين يسعون للتقوى» هو تواضعهم لقبول كلمة الحق بالدليل الشرعي، وهذا ما يصعب على «صاحبنا» المجادل، الذي لا يعترف بخطئه، ويلقي اللوم على غيره!

تأملوا معي آخر جملة في الآية المكتوبة في المقال، وستعرفون الكريم، وتكشفون اللئيم أينما كان، وإن زحف إلى الكعبة.