أين الأزمة الحقيقية... دعوة للتفلسُف
دعونا من الجدل حول الديموقراطية وهل أثمرت في الكويت، وهل استفاد المجتمع من هذه الديموقراطية، فمما لا شك فيه أن بيئة الديموقراطية والمشورة الحقيقية لا بد أن تطرح ثمارها المفيدة والمشتهاة، وهي كنظام أفضل من الدكتاتورية ونظام الرأي الواحد وتألُّه الفرد. نعم أدرك الفكر والحس الغربي أن الدول الدكتاتورية كالصين تحقق معدلات نمو اقتصادي تفوق ما تحققه الدول الرأسمالية، فثار الجدل حول جدوى الديموقراطية، وأنا أدرج هذا الجدل في خانة المراجعات وتقليب الأوراق وعدم الغرق في لُجَّة الاستسلام لحلم الديموقراطية والرأسمالية أو ما يُعرف بالنعاس في مستنقع الدوغما.
وكي نقيّم الحالة الكويتية سنذهب إلى لب الموضوع، ونأخذ أخطر الأزمات التي يجب أن تستصرخ وتستنفر أي حكومة في أي مجتمع مدني رأسمالي أو دكتاتوري له ضمير ووعي إنها جريمة حوادث المرور التي تنثر الدماء والأشلاء على الإسفلت، وتخلف المآتم والأيتام والنحيب.
مؤكد أن مختلف الأزمات والمشكلات حتى الكارثية منها تقف فئة أو فئات ستتضرر مصالحهم في حال تم حل هذه المشكلات أوغابت هذه الأزمات، فحل مشكلة خلل التركيبة السكانية سيتضرر منه أصحاب العقارات والعمارات وتجار الإقامات، وحل رداءة الخدمات الصحية والتعليمية يتضرر منه أصحاب الكفاءة الرديئة من العاملين والمسؤولين وربما تجار الأدوية والمعدات الطبية وشركات الصيانة، وحل أزمة الإسكان يتضرر منه محتكرو الأراضي وتجار المواد الإنشائية وبعض شركات البناء عديمة الكفاءة. إذاً كل ما سبق من كوارث وأزمات هناك إرادة وقوى تمنع التحرك نحو إنهاء وجودها، ولكن ماذا عن مذابح حوادث المرور المروعة وإصاباتها الخطيرة في هذا المجال، لا يمكن أن تجد وراء استمرارها مصلحة لأحد ولا تتضارب فيها المصالح، بل لا توجد هناك مصلحة تحظى بالإجماع مثلها.
نسأل لماذا هي مستمرة ومتروكة مع أن حلها بسيط ومقدور عليه في دولة بحجم الكويت الجغرافي والسكاني ووفرة الإمكانات، والحل يتلخص في ضبط السرعات وتوقيع العقوبات والمخالفات عبر تشغيل الكاميرات، والإبلاغ عن المخالفات عبر الرسائل الإلكترونية لدفع الغرامات أو الإبلاغ عن مراجعة الجهات المختصة حتى تكون العقوبات رادعة وفورية؟
عندما نرى بطء تحرك الحكومة وعدم أخذ الموضوع في غاية الجدية حفاظاً على الأرواح والحفاظ على سلامة الناس فإننا هنا أمام كارثة مسؤولة عنها الحكومة وحدها، ولا نجد أدنى مبرر لاستمرارها، وهذه اللا مبالاة تكشف حجم الانحراف والفوضى في التفكير والمسلك الحكومي، فحافز ودافع إنجاز هذا الهدف وهو القضاء على حوادث المرور ومذابح الشوارع لا يوجد من يعوق تنفيذه تحت أي عنوان إلا عنوان اللا مبالاة وانعدام الضمير وعدم القدرة على التفكير والتدبير.
الإمارات والمملكة العربية السعودية وضعتا كل الأجهزة والمختصين والنظم والعقوبات وطبقتا ونفذتا كل ما سبق، وأنهتا أزمة الحوادث والمرور التي كانت تعاني من نتائجها أضعاف ما نعانيه، ونحن لم ننفذ ولم نبدأ بإجراءات التطبيق، ولم نسمع إلا تحذيرات ونداءات بتشغيل الكاميرات الذكية التي تكشف حتى استخدام الهاتف أثناء القيادة وتطبيق النظم المرورية الرادعة، ولا نرى أدنى مصداقية لهذه التحذيرات، فالشوارع وفوضى القيادة وعدم التزام السرعات والاستهتار على ما هي عليه.
هذه قضية تمس الأرواح وسلامة الأبدان والممتلكات وتثير الرعب وتخلف القتلى والقبور والحزن ونواح الثكالى وكل مظاهر الرعب، ولا نجد ارتعاشة في جفن الحكومة، ولا استنفاراً في أجهزتها الأمنية، فكيف تريدونها أن تتحرك لحل قضايا تحسين وتطوير رداءة الخدمات الصحية والتعليمية والإسكانية والبيئية وخلق فرص العمل، وتنويع مصادر الدخل، وحل التركيبة السكانية، فضلا عن تطوير السياحة وخلق أجواء السعادة؟!
وأخيراً نسأل أين الأزمة الحقيقية؟ أتركها لكم!!