نقطة: مَن قال إنكم «محافظين»؟!
كل بادرة انغلاق ومنع، سواء تعلّق الأمر بالاختلاط الجامعي أو الكتب أو الحفلات أو الندوات أو غيرها من الممارسات التحكمية يتم تسويقها في السنوات الأخيرة وتلبيسها بادّعاء «المجتمع المحافظ» أو «أغلبية المجتمع محافظين» للضغط على صاحب القرار - الضعيف أصلاً - وإحراجه أمام مجتمعه وأغلبيته ورغباته المزعومة، ومع التكرار والإلحاح المدروس والمتعمد من الجماعات والأحزاب الدينية على اختلاف مشاربها ومذاهبها، ومع مرور الوقت أُلصق الوصف قسراً بالمجتمع الكويتي، وصار كأنه من المسلّمات البديهية غير القابلة للنقاش والفهم وإعادة النظر والتمحيص.
مبدئياً، لا توجد إحصاءات ولا تعريف ولا معايير أساساً لـ «المحافظة» يمكن القياس عليها، أو اشتراطات واجب توافرها بشخص ما لنعتبره «محافظاً»، وعلى الآخرين الالتزام بأفكاره لأنه قرر أنه يمثّل أغلبية يعتقد أنها موجودة، بينما الواقع المرير ينفي ما يُراد إثباته من فكرة «المحافظة» غير واضحة المعالم أصلاً، فإن كان المقصود بها مثلاً التدين والتمسك بالأخلاق الحميدة والرغبة بإبقاء الحال على ما هي عليه، فإنّ جماعتنا أصحاب الصوت العالي «رجعيين لا محافظين»، لأنهم يريدون عودتنا للخلف وليس تجميد الوضع على الأقل، وأما أخلاق الأغلبية فيمكننا معرفتها من القيادة بالشوارع أو ارتفاع معدلات الجريمة أو اختلاسات الجمعيات التعاونية والخيرية، أو التلاعبات في الشركات الإسلامية، أو حتى من سلوك الناس خارج البلاد أو حبّهم للفنون والطرب، أو اهتمامهم بالأخبار الفضائحية، وغيرها ما لا يُعد ولا يُحصى.
المجتمع الكويتي مجتمع كبقية مجتمعات العالم فيه كل أصناف وأنواع وعقليات ورغبات وميول بقية البشر، لسنا ملائكة ولا شياطين، لكن يمكن القول إنها محاولة جادة لإيهام الناس بأنهم «محافظين» لاستغلال «وهم التفوق» هذا لتمرير أجندتهم بتغيير طبيعة المجتمع، وصولاً إلى الهدف الأسمى لديهم، لتصبح عندها مشكلتنا بالتالي في الكويت هي الصراع على جبهتين، فعليك من جهة مواجهة الإسلامويين الرجعيين حاملي لواء «المحافظة»، ومن جهة أخرى مقاومة المستشرفين والمنافقين الذي يمارسون الانفتاح لدرجة الانحلال أحياناً ويرفعون شعارات محافظة بنفس الوقت من خريجي مدرسة «أُحبّ الصالحين ولستُ منهم»، فإذا لم تستطع أن تكون منهم ولا تجرؤ على الدفاع عن نمط حياتك، فلا تنشغل وتتدخل بحياة الآخرين لتطهّر نفسك أمام الآخرين، والتزم الصمت على الأقل، وتذكّر دائماً أن الرياء هو الشرك الأصغر، أمّا إذا كانت تسمية المجتمع المحافظ تروق لكم وتريحكم وتهدئ أنفسكم فليكن، وعليكم بالعافية، واللهم إني قد بلّغت، ولندعُ جميعاً بالرحمة للسيدة شريفة فاضل في هذه الجمعة المباركة.