كفاية
إدارة الدولة أضحت كالباب الدوّار الذي لا يوصلك إلى مكان آخر، تدخله لتعود إلى المكان ذاته، هموم كبيرة وصغيرة تراوح مكانها، مناصب مهمة خرج منها مَن كان يشغلها، ولكن حتى الآن لم يتم ملؤها بآخرين، أخطرها مناصب في الجيش، وغير الجيش هناك مراكز عليا في إدارات لا تزال فارغة تنتظر معجزة صدور قرار عالٍ من أهل البخاصة، من دون جدوى.
غير ما سبق، هناك مسائل ليس لها أول ولا آخر من أزمة انغلاق الدولة على ذاتها، بسبب غياب الإرادة السياسية لحسم الأمور، إلى ملفات معلّقة تاريخ بعضها يرجع إلى شهور، وغيرها يمتد سنوات طويلة، مثل أزمة تنويع مصادر الدخل عبر فتح أبواب الدولة للاستثمار الوطني والأجنبي وخلق فرص عمل، بالتالي، لمئات الآلاف من الشباب والشابات القادمين لسوق العمل خلال الفترة القصيرة القادمة، وهي كارثة كبرى يدري عنها أهل البخاصة، ولكنهم حائرون ماذا يفعلون، أو هم في «حيص بيص»، وينتظرون المصادفات لحلها، مؤمنين بأن «المكتوب على الجبين لازم تشوفه العين»، والمؤكد هي أعين أبنائنا التي ستُبتلى وليس أعينهم العاجزة عن قراءة الغد.
ماذا عن تصورات السلطة مثلاً عن أزمة البدون الكويتيين ومعاناتهم، هذه قضية عويصة عند البخصاء وفي مجتمع يضجّ بالكثيرين غير المبالين لأسباب عنصرية أو لخشيتهم من ثقل التكلفة المادية على الاقتصاد الوطني، وهناك ملفات أبسط مما سبق، مثل وعد السلطة بحلّها، لكنها لم تحقق وعدها، مثل ملف العفو عن سجناء الضمير والمُهجّرين، تحققَ العفو للنواب السابقين المهجّرين، وتم تناسي غيرهم من البشر، وكأنهم غير موجودين.
ماذا يفيدنا إن استقالت وزيرة الأشغال أو لم تستقل، أو تم استجوابها أم لا؟ فسيعود هذا المنصب إلى وزير آخر يتم اختياره واختيارها عشوائياً، وبمصادفة المعرفة الشخصية، وليس للكفاءة والجدارة، وحتى لو حدث أن جاء صاحب الكفاءة فسيجد أرض هذه الوزارة حالها من حال كل الوزارات ومؤسسات الدولة تزخر من نفايات قديمة وفساد وعجز متأصل لا يملك الوزير الجديد تغييره، فهناك أصحاب المصالح والنفوذ الذي يريدون حياكة جلباب الدولة على مقاسهم فقط، وهناك غياب رؤية عند أهل البخاصة... ماذا بعد ذلك؟
تركيبة هذا المجلس النيابي كتركيبة المجالس السابقة منذ منتصف ستينيات القرن الماضي وحتى الآن، لا يُتوقع أن يُضحّي الأغلبية من نوابه بالصوت الانتخابي من أجل فكر متقدم أو مصلحة مستقبلية لحال البلد، أما مجلس الوزراء، فهو خارج الصورة، فأشخاصه يعملون حساب الترضيات الشعبوية يستقونها من النواب كي يتجنّبوا السؤال والاستجواب أو يتملقون المواطن للمزيد من الشعبية الجوفاء.
لماذا كل ذلك، وإلى متى تبقى الدولة رهينة غياب القرار السياسي الحاسم بسبب صراعات الكبار على السلطة؟ هل يعلمون أنهم لا يملكون الدولة، فهي ملك شعبها آخر الأمر، كفاية، فكم يئسنا من حالنا معكم؟!