دخلت المنطقة في سباق بين التحركات الدبلوماسية الساعية إلى الحؤول دون حرب إقليمية مفتوحة، وبين الإجراءات الإسرائيلية المتسارعة للقيام بعملية ضد حركة «حماس» في قطاع غزة، قد تستدعي تدخلاً من «حزب الله» اللبناني على الجبهة الشمالية.

خطورة الأوضاع، تُرجِمت بإعلان إسرائيل دخولها الحرب بشكل رسمي، وهو الإعلان الأول من نوعه منذ حرب 1973، وذلك بعد أن وصلت حصيلة قتلى عملية «طوفان الأقصى» المباغتة التي شنتها «حماس» إلى 700 قتيل، بينهم نحو 50 جندياً ومثلهم من أفراد الشرطة، في حين تمكنت الفصائل المشاركة في الهجوم غير المسبوق بالشكل والأساليب والحجم، من نقل أكثر من 100 أسير إلى داخل قطاع غزة، بينهم أميركيون وغربيون، مما قد يؤثر بشكل حاسم على طبيعة رد إسرائيل.

Ad

وبدا الجيش أمس مشتتاً على جبهتي الجنوب والشمال، مع تصاعد الانتقادات للفشل الاستخباري في توقع الهجوم، والفشل على مستوى الاستجابة له بعد وقوعه.

جنوباً، خاضت قوات الكوماندوس الإسرائيلية الخاصة معارك عنيفة لليوم الثاني على التوالي في غلاف غزة، دون أن تتمكن تماماً من استعادة البلدات والنقاط العسكرية التي تسلل إليها مقاتلو «حماس».

وأعلن الجيش أنه بدأ بإخلاء مستوطنات «الغلاف» من سكانها، مضيفاً أنه بعد ذلك ستزداد قوة القصف على غزة التي تعرضت في الساعات الأخيرة لمئات الغارات التي أسفرت عن مقتل 370 فلسطينياً على الأقل.

وشوهدت قوافل من دبابات الميركافا وهي تتجه جنوباً، في مؤشر على احتمال شن عملية برية ضد القطاع يطالب بها بعض قادة الجيش وسياسيون يمينيون.

على الجبهة الشمالية، قام «حزب الله» بقصف محدود على مواقع عسكرية إسرائيلية، رد عليه الجيش الإسرائيلي بقصف مصادر إطلاق النار، دون أن يتطور الأمر إلى مواجهة مفتوحة.

وقال مراقبون لبنانيون إن تبني الحزب للقصف ثم إطلاقه بعد ذلك مسيّرة باتجاه منطقة الجليل الأعلى هو رسالة من الحزب بجاهزيته للدخول في المعركة، في حال جرى تجاوز الخطوط الحمراء التي تردد أنه أبلغها لتل أبيب عبر وسطاء، وبينها شن عملية برية ضد غزة، أو القيام باغتيال قادة «حماس» الموجودين في لبنان، وهو ما كان الأمين العام للحزب حسن نصرالله حذّر منه سابقاً.

وفي ظل حالة عدم اليقين على الحدود مع لبنان، أوصى وزير الدفاع يؤاف غالانت، بالاستعداد لاحتمال إخلاء مستوطنات الشمال في حال تدهور الوضع الميداني.

وعلى خط الحراك الدبلوماسي، أجرى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن اتصالات بأكثر من عشرين وزير خارجية، بينهم نظراؤه من مصر والسعودية وتركيا وقطر في محاولة لوقف ما أسماه «الهجمات على إسرائيل».

وفي إشارة تهدئة محتملة لطهران، قال بلينكن إنه لا دليل على وقف إيران خلف هجوم «حماس»، دون أن يستبعد أن يكون أحد دوافعه عرقلة مفاوضات التطبيع بين السعودية وإسرائيل.

وفي تصريحات من شأنها وضع ضغوط على تل أبيب، التي تجد نفسها مضطرة لرد قوي ورادع يعيد لها الاعتبار بعد المباغتة الاستراتيجية التي أوقعتها فيها «حماس»، دعا بلينكن إلى تجنب سقوط مدنيين في أي عملية إسرائيلية ضد غزة، في وقت كانت تشير بعض التقارير إلى إمكانية قيام إسرائيل بتهجير جماعي لسكان القطاع.

وأجرى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اتصالاً بالرئيس الأميركي جو بايدن هو الثاني منذ بدء الحرب، في وقت تستعد واشنطن للإعلان عن مساعدات عسكرية عاجلة.

وبينما قدرت كلفة الحرب على إسرائيل بمليار دولار يومياً، تعرضت بورصة تل أبيب لانتكاسة أمس، وأوقف عدد من الدول الغربية حركة الطيران إلى إسرائيل، وأصدر بعضها تحذيرات من السفر إلى هناك.

زفي تفاصيل الخبر:

في وقت خاض الجيش الإسرائيلي معارك لليوم الثاني على التوالي مع عناصر الفصائل الفلسطينية المسلحة، التي اقتحمت العديد من البلدات والقواعد العسكرية بالعمق الإسرائيلي في محيط قطاع غزة، أعلن مجلس الوزراء الأمني المصغر «الكابينيت» برئاسة بنيامين نتنياهو حالة الحرب رسمياً، أمس، وفقاً للمادة 40 من قانون أساس الحكومة.

وأكد نتنياهو، عقب مشاورات تقييم للأوضاع الأمنية، أجراها بحضور وزير الدفاع يوآف غالانت، وعدد من الوزراء والضباط، أن الحرب على «حماس»، المسيطرة على القطاع المحاصر، «ستكون صعبة وباهظة، لكن سننتصر فيها».

وذكر نتنياهو، في بيان منفصل، أن «المرحلة الأولى من العمليات العسكرية على وشك الانتهاء. من خلال القضاء على الغالبية العظمى من قوات العدو التي تسلّلت إلى أراضينا».

وخاطب رئيس الوزراء الإسرائيليين قائلاً: «نحن في حالة حرب». وأصدر تحذيراً شديد اللهجة لسكان غزة، وحثّهم على الإخلاء الفوري للمواقع التي توجد بها عناصر «حماس». كما تعهّد بتحويل جميع المواقع التي تعمل فيها الحركة الإسلامية والمناطق التي تستخدمها كمخابئ، إلى أنقاض.

وأضاف: «ما حدث اليوم غير مسبوق في إسرائيل، وسأحرص على عدم تكرار ذلك مرة أخرى» مؤكداً: «سنضربهم حتى النهاية المريرة، وسننتقم بالقوة لهذا اليوم الأسود الذي جلبوه على إسرائيل وشعبها».

وأفاد مكتبه بأن الإعلان الرسمي الذي يأتي في أعقاب الهجمات غير المسبوقة التي أطلقتها «حماس»، براً وبحراً وجواً، أمس الأول، يسمح باتخاذ «خطوات عسكرية بعيدة المدى».

ولفت إلى أن لجوء الدولة العبرية لهذا الإعلان يأتي للمرة الأولى منذ حرب أكتوبر 1973 عندما تعرّضت إسرائيل لهجوم على عدة جبهات من الجيش المصري ونظيره السوري.

ووسط خلافات وانتقادات من المعارضة لأداء الحكومة اليمينية المتشددة التي ألقت بدورها باللوم على الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في التعامل مع الهجوم المباغت، أفادت قناة «كان» الرسمية، بأن نتنياهو تخطّى الحكومة والمجلس الوزاري السياسي والأمني، وقرر المصادقة على بند الحرب من دون إجراء مشاورات.

خسائر تاريخية

من جانب آخر، أعلنت وزارة الصحة الإسرائيلية أن حصيلة القتلى ارتفعت إلى 700 ووصل عدد المصابين إلى 2048، منهم 20 بحالة حرجة و330 بحالة خطيرة، وكشفت صحيفة «جيروزاليم بوست» عن تقديرات غير رسمية، تشير إلى أن نحو 750 إسرائيلياً لا يزالون في عداد المفقودين، منذ بدء العملية التي أطلقت عليها «حماس» اسم «طوفان القدس».

في موازاة ذلك، أفادت الشرطة الإسرائيلية بمقتل 60 من عناصرها وقادتها خلال الاشتباكات التي كان أبرزها في مخفر سديروت، حيث تحصّن نحو 10 مسلحين به قبل أن يتم تدميره بشكل كامل.

وجاء الارتفاع الكبير بعدد القتلى بعد العثور على مجموعة من جثث الإسرائيليين الذين أعلن عن فقدانهم في منطقة مفتوحة قرب بلدة نتيفوت خلال مشاركتهم في حفل، وأكدت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن عدد قتلى الهجوم المباغت، يعد الأكبر منذ حرب أكتوبر 73، ويقترب من عدد قتلى «حرب الأيام الستة» عام 67. وبينما هوى المؤشر الرئيسي لبورصة تل أبيب 6.7 بالمئة عند الإغلاق أمس، قدّر خبراء إسرائيليون تكلفة كل يوم من القتال بنحو مليار دولار.

وعلى الجانب الآخر، أفادت وزارة الصحة بغزة بارتفاع عدد قتلى الغارات الجوية الإسرائيلية إلى 370، بينهم 30 طفلاً، إضافة إلى إصابة نحو 2000.

قصف وإخلاء

وتزامن ذلك مع تأكيد الجيش الإسرائيلي أنه «لا تزال 8 بلدات في الجنوب تحت تهديد إرهابيي حماس»، مضيفاً أن استعادة السيطرة على الوضع لا تزال بعيدة.

ودارت طوال ليل السبت ـ الأحد، معارك مكثفة بين القوات الإسرائيلية ومئات من مقاتلي «حماس» الذين توزعوا على 22 موقعاً بعمق جنوب إسرائيل.

وأفاد المتحدث باسم الجيش، دانييل هاجاري، بمقتل 400 من مسلحي «حماس»، وبإعادة السيطرة على قرى وبلدات وتجمعات سكانية كانوا قد اقتحموها أمس الأول، لكنّه أكد أن «أمامنا أيام قاسية».

وقرر الجيش الإسرائيلي إخلاء بلدات ومدن جنوبية، على بعد 4 كيلومترات من غزة، بُغية تطهيرها واستعادة السيطرة التامة عليها.

ويواجه الجيش الإسرائيلي معضلة وجود أكثر من 100 أسير إسرائيلي جرى نقلهم الى داخل قطاع غزة، وسيكون عليه اتخاذ قرارات صعبة في حال قرر زيادة قوته النارية ضد قطاع «حماس»، وهو ما تعهّد بالقيام به بعد إخلاء المستوطنات.

وتم رصد قوافل من الدبابات المتجهة إلى الجنوب، في مؤشر إلى احتمال القيام بعملية برية يطالب بها بعض قادة الجيش وسياسيون ينتمون إلى اليمين، ويطالبون بتدمير البنية العسكرية لحركتَي حماس والجهاد الإسلامي.

كوماندوز وصواريخ

في المقابل، استأنفت الفصائل قصف البلدات والمدن الإسرائيلية بعشرات الصواريخ، وتسبب قصف بـ 100 صاروخ على مدينة سديروت في إصابة 6 إسرائيليين بجراح أمس.

وأكدت كتائب القسام، (الجناح العسكري لـ «حماس»)، أنها نفذت عمليات تسلل أثناء الليل وفجر الأحد، لعدد من مواقع الاشتباكات داخل إسرائيل لإمداد مقاتليها بالقوات والعتاد.

وذكرت «القسّام» أنّ «سلاح الجو» شارك بـ 35 مسيّرة انتحارية و5 زوارق محمّلة بمقاتلي «الكوماندوز» في اللحظات الأولى من «طوفان الأقصى».

كما تحدثت «سرايا القدس»، التابعة لـ «الجهاد»، عن عمليات نوعية في عدة مواقع عسكرية إسرائيلية، وقالت إنها قتلت رئيس وحدة النخبة الإسرائيلية، المعروفة باسم وحدة «الشبح»، العقيد روي ليفي.

وفي وقت حذّرت قوى الأمن من وقوع هجمات داخل المدن الإسرائيلية البعيدة عن القطاع، أفادت تقارير بمقتل 15 إسرائيلياً بعد تسلّل عناصر فلسطينية إلى جنوب عسقلان.

مساعدة أميركية

في هذه الأثناء، وصف وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن عملية طوفان الأقصى، بالهجوم الأصعب منذ عام 1973.

وأشار بلينكن إلى أن الدولة العبرية طلبت مساعدة عسكرية من واشنطن، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة تستعد لتقديم معدات عسكرية تشمل صواريخ وتجهيزات لمنظومة الدفاع الجوي (القبة الحديدية). وتحدّث الوزير عن احتمال سقوط قتلى أميركيين ووجود رهائن أميركيين لدى الفصائل الفلسطينية.